كثيراً ما كنا نسمع في صِغرنا عبارة "من جد وجد.. ومن زرع حصد"، وقد نكبُر دون أن نرى ثمرة هذه العبارة، ربما لأسباب تكمُن في عدم تطبيقنا إياها بحذافيرها، وقد ننكسر كثيراً عندما تفشل أحلامنا التي تغدر بنا ولا تستجيب لما نُمنّي به النفس في شغف الطفولة، ولا نعلم ماذا تُخبّي لنا الأيام، فهذه حال الشاب محمد بن عبد الرحمن العقيل (22 عاماً)، أحد طلاب كلية الطب والجراحة في جامعة الملك سعود بالرياض، والذي أصبح نموذجاً مُشرّفاً للوطن بعد تلقيه اتصالاً من السفارة الأمريكية ومباركتها له اختياره لتمثيل المملكة ضمن أبرز قيادات التغيير الناشئ في المجتمع، وأحد شباب الغد الصاعد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2016م.
حِلم الابتعاث
قصّة هذا الشباب الذي لا يزال يدرس مرحلة البكالوريوس في سنته الرابعة بالرياض، بدأت بحلمه الذي كان يُراوده ويُمنّي نفسه منذ صغره بتحقيقه، وهو دراسة الطب في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم الفرص والإمكانيات والعوامل المتاحة لهذا الشاب إلا أن فرصة الدراسة اصطدمت مؤخراً بظروف خاصة لحقت به وحالت دون ذلك.
بصمة التميّز
بدأ "العقيل" مشواره الدراسي وهو ابن 19 من عمره، وعيناه تؤمن بأن النجاح ليس مقتصرا على دراسته بعيداً عن وطنه، بل يستطيع أن يجعل تلك العقبة أو تلاشي الحلم يُولّد نجاحات متتالية ويشق طريقاً نحو مستقبلاً مُشرقاً له في خدمة وطنه ومجتمعه، واستطاع في أولى سنواته الدراسية أن يُثبت تفوّقه وتميّزه وولّعه بتخصّصه، ليبدأ في وضع بصمته في مجال البحث العلمي والتدريب.
شرارة النجاح
كانت تلك البحوث العلمية بمثابة شرارة أشعلها "العقيل" في مسيرته الجامعية، حرّكت معها مستقبله وكيف يسير على خطوات النجاح، وذلك من خلال تلقيه عِدة دعوات للمشاركة في العديد من المؤتمرات البحثية داخلياً وخارجياً، ومن أبرزها مشاركته في "الولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات، والبحرين، وتونس"، كما تم اختياره كأحد الطلاب الباحثين بالمدرسة الصيفية السابعة في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية.
تمثيل المملكة
أثمرت جهوده التي عملها وكونه نموذجا يُحتذى به في حصوله على احتفاء أمريكي يكمن في اختياره لتمثيل المملكة كأحد أبرز قيادات التغيير الناشئ في المجتمع وأحد شباب الغد الصاعد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2016م، وذلك بعد سلسلة مشاريع صحية عمِل عليها من أبرزها مبادرة تسمّت بـ"ساير"، قال بأنها تهتم بتوعية أفراد المجتمع والممارسين الصحيين وطلاب وطالبات المجال الصحي في الجامعات عن تأثير المضادات الحيوية وما تؤدي إليه من بكتيريا مقاومة وخارقة.
قصة التمثيل
وعن قصّة تمثيله المملكة في الولايات المتحدة الأمريكية وكيف بدأت وماذا أثمرت، قال "العقيل": رغم الدعم الذي أحظى به من قِبل الجامعة لتنمية قدراتي وتطوير مهاراتي وتفوّقي في تخصّصي؛ إلا أن شيئا ما في داخلي يدفعني نحو تمثيل وطني أمام مجتمعات عالمية قد لا تعرف كثيراً عن شباب المملكة وقدراتهم العالية، حينها توصّلت لمعلومة تكمن في وجود برنامج يُسمّى "المبادرة الأمريكية للشرق الأوسط (MEPI)، وهو مخصّص للنخبة من قادة شباب العالم العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتمثيلهم في الولايات المتحدة، وهو مقدّم من وزارة الخارجية الأمريكية بالتعاون مع المملكة العربية السعودية.
مغامرة المنافسة
عِشق المصاعب والمغامرات ولّع اندفاعاً لدى الشاب "العقيل" في دخول هذه المنافسة التي تنتهي باختيار 120 شاباً من الشرق الأوسط وشمال افريقيا لتمثيل أوطانهم في أمريكا لمدة ستة أسابيع هناك، حينها قدّم نفسه ممثّلاً لوطنه، بعد شروطاً قال بأنها ليست بالسهلة، وأمام مقالات بحثية تُقدّم للبرنامج باللغة الإنجليزية، وأمام خبرات علمية ومقابلات شخصية، وعيناه لا ترضى إلا بالتميّز دائماً، رغم كون أعداد المتقدّمين للبرنامج قد فاق عشرات الآلاف من مختلف البلدان المعنية بالبرنامج.
لحظات الانتظار
كان انتظار "العقيل" صعباً كما ذكره، جرّى رغبته الجامحة في تمثيل وطنه، وخشيته من صعوبة المنافسة أو آلية البرنامج التي قد لا تكون عادلة بالنسبة له، إلا أن تلك التحليلات التي كانت تُحيط به صباحاً مساءً لم تمنعه من حلمه الذي لطالما كان يُرادوه، وذلك بتلقيه اتصالاً قد يحكي تفاصيله لأحفاده، عنوانه السفارة الأمريكية التي باركت له قبوله، وتمثيله وطنه هناك.
"المضادات الحيوية"
كانت هذه المكالمة بمثابة الفخر والاعتزاز لهذا الشاب الطموح، كما اعتبرها مسؤولية لتمثيل وطنه وتحديداً فئة الشباب، قبل أن يتحدّث أمام مئات الطلبة والأساتذة من مختلف دول العالم عن مبادرته كسعودي في المضادات الحيوية والبكتيريا الخارقة عالمياً، وعن مبادرته الوطنية وكيف يتم تبنيّها عالمياً؛ نحو خطتّه التوسّعية في الشرق الأوسط.
المعالم الأمريكية
وروى زيارته لجامعات أمريكية عريقة قد يفنى شبابه قبل أن يتجوّل في مبانيها العملاقة، ومن أبرزها "ستانفورد، بيركلي، سان فرانسيسكو، جورجتاون، بورتلاند ستايت"، كما زار عِدة ولايات كـ"واشنطن، ونيويورك، وبورتلاند، وكالفورنيا"، وتعلّم فيها القيادة، وحلَّ الأزمات، والدراسات الإنسانية، وعمل المشاريع. كما زار مجالس النوّاب والشيوخ، والعديد من المؤسسات المعنية بالطاقة المتجدّدة وتحويل الطاقات المهدرة لأخرى متحوّلة، وكذلك ما تُعنى بتطوير الشباب في الجانب الرياضي، وما تعمل على حل النزاعات باستخدام تدريس طرق وأساليب الحوار وإدارة الأزمات، والعديد من المتاحف المختلفة.
مبادرة "ساير"
وعن مشاريعه البحثية والتطوعية قال "العقيل" عمِلت على تكوين مجموعة من المبادرات الصحية الريادية، ومن أهمّها مبادرة أُطلِق عليها "ساير" وهي اختصار للبرنامج السعودية التنظيمي المتكامل للمضادات الحيوية، وتعتبر مبادرة صحية وتوعوية تهدف إلى رفع مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع والممارسين الصحيين وطلاب وطالبات المجال الصحي تجاه تلك المضادات الحيوية والبكتيريا الخارقة وتوحيد جهود المؤسسات التعليمية والصحية، وذلك من خلال عمله عِدة دراسات جدوى وأخرى بحثية خاصة في هذا الجانب.
نصائح النجاح
ووجّه "العقيل" نصيحته لكل شاب وفتاة يبحث عن صناعة مستقبله، بقوله: المصاعب والتحديات تواجه كل شخص، ولكل شاب قصّة يحكيها، ولكن من يتمسّك بالقاع فسيظل فيه؛ ومن يُحاول الصعود فسيصعد ويرتقي، لذلك يجب على كل باحث عن النجاح أن يُواصل بحثه ويتطلّع للأفضل".
برنامج توطين
وأضاف: "يُعد برنامج التوطين الذي تقوم عليه وزارة العمل كأحد تطلّعات رؤية المملكة 2030، وهو معني بفتح سوق العمل والتوظيف للسعوديين، ومعرفة احتياجات السوق العام والحد من البطالة عن طريق تحفيز الشباب لاختيار تخصصاتهم وتطلعاتهم؛ والتي يجب على الشباب محاولة استغلال مثل هذه الفرص الوظيفية والبرامج الفعالة.
بدائل الفرص
كما أتبع "العقيل" بقوله عن النجاح والبحث عن الفرص الوظيفية: أحد المصاعب أيضاً التي تواجه الشاب هي بحثه عن الفرص الوظيفية، فقد تجد أنه يرى فرصة أو وظيفة واحدة للبحث عنها إذا لم يحصل عليها لم يحاول الوصول لغيرها دون وضع بدائل، فالفرص لا تأتي الأشخاص وتطرق أبوابهم، بل هم من يحاولوا اقتناصها، والرفض لمرات عدة لا يعني الرفض المطلق، لكن الناجح من يرى أن نجاحه لا يكتمل أبداً وأن فرص الرفض تدل على فرص قبول أفضل وأكبر.
الثقة بالنفس
وعن قدرات وطاقات كل شاب وفتاة قال: "يجب ألا ننظر لمن يُشكّك ويستهين بقدراتنا وتميّزنا، ويجب علينا الإيمان بأنفسنا دون وضع قيود لذلك، والأهم ألا ننتظر الإيمان من الآخرين بقدراتنا، بل يجب علينا أن نُبادر ونؤمن بما نُقدّم أولاً، ولا ندع مجالاً لتشكيك أو تقليل أحدهم، فالنجاح مُلكاً للجميع وليس محصوراً على فئة معيّنة".
رسالته للأهل
ووجّه "العقيل" كلمات قال بأنه يتمنّى أن تصل لكل أب وأم يطمحون في تفوّق وتميّز أبنائهم، وذلك بأن يُتابعوهم في مراحلهم الدراسية، وأن يسألوهم ماذا تعلموا، وماذا حصّلوا من علوم نافعة في دراستهم هذا اليوم، وأن يُوفّروا لهم مناخا مناسبا، باعتبار أن جميع هذه العوامل تُساهم في خلق بيئة ناجحة وفعّالة للشباب.