الكفيف قيمة مضافة ولكن..!

الكفيف قيمة مضافة ولكن..!

بوصفي ابنة أشهر كفيف مسلم عربي سعودي، الشيخ عبدالله بن محمد الغانم - رحمه الله -، كما أحمده أنني مبصرة ومؤمنة بقدرات المكفوفين؛ لأنني تربيت على يد أحدهم، القائد المربي الفاضل مؤسس التعليم الخاص بالسعودية، الذي بتوفيق من الله تعالى ثم بالعلم وصل إلى منصة الأمم المتحدة، لا يسعني الحديث عن إنجازات والدي في مجال المكفوفين ولا عن الدعم الذي يتلقاه المكفوفون من القيادات الرشيدة، كما لا يغيب عنا كل ما تقدمه السعودية في هذا الشأن، ولكنني أتساءل بوصفي ابنة كفيف عن تطور وضع المكفوفين حاليًا، وعن مدى تعاون المسؤولين في الجهات الحكومية المعنية بأمرهم. باستثناء الدعم الذي يتجلى واضحًا في مراحله الدراسية الأولى، أحيانًا أجد الكفيف قيمة، وأحيانًا أخرى أجده رقمًا! إذ إنه لدى بعض الجهات بلا اعتبار، كما أنه استُثني من أن يكون معلمًا في التعليم.
الكفيف إنسان فَقَدَ نعمة البصر، لكنه قيمة مضافة ومورد بشري غير مستغل بما حباه الله تعالى من قدرات، نجدها عند البعض، كالبصيرة الفذة والذاكرة القوية وحدة الذكاء والتركيز العالي والمقدرة على الحفظ.. كل هذه الميزات مطلوبة لإتقان الكثير من الأعمال، ولاسيما أن التكنولوجيا خدمت الكفيف، وذللت له الصعاب؛ فلديه العديد من الوسائل التقنية الحديثة التي تعتبر بمنزلة تقنيات تعويضية له، تساعده في إنجاز الكثير من المهام الوظيفية. وتختلف التقنيات على حسب نوع المهام الوظيفية، مثل أنظمة الوصول الشامل والبرامج الناطقة والأنظمة القارئة للشاشات والأسطر الإلكترونية (تساعد على تدوين الملاحظات بسرعة في الاجتماعات). أيضًا البرامج التي تمكنه من معرفة رقم المتصل وإعادة توجيه المكالمة لشخص آخر، أو معرفة المكالمات الفائتة والاستماع للبريد الصوتي والكتابة والقراءة وإرسال الرسائل الإلكترونية والملفات عبر البريد الإلكتروني، وتصفح مواقع الإنترنت بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج خاصة للهواتف الذكية.. كل تلك البرامج يتم تزويدها من قِبل شركات عالمية، وهي مصممة على أساس أن تكون مناسبة مع أنظمة العديد من الشركات في شتى المجالات، بحيث يمكن لمهندس تقنية الاتصالات(IT Officer) ربطها بسهولة مع نظام الشركة. كل الوسائل الرئيسية لأغلب الوظائف كالحاسب الآلي والهاتف والبريد الإلكتروني يستطيع الكفيف استخدامها بجدارة.. إذن، فما العائق لتوظيفه؟! فلقد رأيت نماذج من جهات ذكية، استفادت من توظيف الكفيف لديها محاميًا ومعلمًا ومحاسبًا، وفي مجال خدمة العملاء والسكرتارية وبرمجة الكمبيوتر، وفي مجال التسويق والإعلام، بل وصل الأمر إلى أنهم أصبحوا مخترعين بارزين.
والجدير بالذكر أنني عندما تقدمت بطلب إحصاءات خاصة بالمكفوفين، وإرسال استبيان إلى بعض الجهات المعنية وبعض كبرى المنشآت العاملة في القطاع الخاص، مثل عدد خريجي المعاهد والجامعات والتعليم العالي والموظفين الحاليين في القطاع الحكومي والخاص، والتسهيلات المقدمة للكفيف من الشركات، وعن أي خطط مستقبلية لتوظيفهم.. كانت المفاجأة أنني لم أتلقَّ أي رد رسمي من جميع الجهات! وعند متابعتي مع أحد مسؤولي التوظيف في القطاع الخاص استفسرت إن كان لديهم أي موظف أو موظفة من المكفوفين؟ وكانت إجابته باستغراب "لا"! وهذا – برأيي - رد طبيعي جدًّا؛ فلماذا يتم توظيف كفيف/ كفيفة في القطاع الخاص من ذوي المؤهلات التعليمية بينما الجهات الحكومية لا تشجع على توظيفهم إلا من خلال قرار واحد فقط، شمل جميع "الاحتياجات الخاصة"، الذي أُسيء استخدامه من قِبل بعض المنشآت لغرض السعودة "فقط لا غير". على سبيل المثال، يُذكر أن هناك شركة وظَّفت كفيفًا بمهنة سائق!
والمفاجأة الأخرى هي أنه لا توجد أي إحصائية حديثة بعدد السكان من المكفوفين؛ فآخر إحصائية لهم كانت عام 1428هـ، وبلغ عددهم الإجمالي 134.957. فهل هذا العدد نقص أم زاد؟! الله أعلم. غير مهم؛ فهم لا يروننا؛ فلماذا نحصيهم؟!
كمثال حي قدمت إحدى وسائل التواصل الاجتماعي خدمة وصف آلي للصور للكفيف، وشاهدت معرضًا طُبعت فيه لوحة الموناليزا الشهيرة وغيرها بأحدث التقنيات في عالم الطباعة بحيث تسمح للمكفوفين بالمشاهدة عبر لمسها! فأين نحن من هؤلاء؟ أليس من المفترض أن نكون نحن القدوة بهذا الصدد؟! ألا نستحي عندما نذكر أن الله - عز وجل - عاتب رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سورة (عبس) {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ}.
وعليه أقدِّم للجهات المسؤولة اقتراحات خاصة بشأن المكفوفين والمكفوفات:
• إنشاء هيئة تُعنى بجميع شؤون المكفوفين، من مهامها أن تُعنى بتوظيف الكوادر المؤهلة من المكفوفين، وتأهيل خريجي المعاهد والجامعات، وتدريبهم بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، والتأكد من كفاية وتوفير الوسائل التكنولوجية الحديثة التعويضية لهم، التي تساعدهم على أداء مهامهم الوظيفية، والتي لم تمنح لهم مسبقًا أو التي صدرت حديثًا كالعصا البيضاء، وبرايل سينس، وغيرها، التي لا يستطيع الكثير منهم تحمل تكلفتها.
• تضمين هيئة المكفوفين ضمن أحد البرامج التنفيذية لرؤية السعودية 2030 كبرنامج رأس المال البشري.
• إلزام المنشآت بتوفير الفرص الوظيفية "المناسبة" للمكفوفين، وتوفير التسهيلات اللازمة لهم في مبنى العمل، كالإرشادية منها (مثل وضع حواجز بلاستيكية أو مطاطية مرتفعة قليلاً عن سطح الأرض عند حافة السلالم والأبواب والمنحدرات، ووضع العلامات الأرضية لتسهيل التنقل)، إضافة إلى ربط نظام المنشأة بالوسائل التكنولوجية التي يحتاج إليها المكفوفون لأداء مهامهم، وتوفير البدل المادي تماشيًا مع أسعار المواصلات الحالية، والإنصاف بترشيحه للدورات التدريبية كالمبصر.
• توجيه الخدمة المدنية بإدخال نوع الإعاقة في نظام الأحوال المدنية، وتحديث بيانات بطاقة الهوية للمكفوفين بحيث تحتوي على نوع الإعاقة المسماة إعاقة بصرية (هذه النقطة في غاية الأهمية؛ إذ إنها المعضلة الرئيسية لعدم معرفة العاملين الحاليين منهم في القطاعات، التي من شأنها أن تسهل إجراءات الإحصاء).
• توجيه الهيئة العامة للإحصاء بعمل الإحصاءات اللازمة لعدد السكان من المكفوفين للعام الجاري، وعدد المكفوفين من خريجي الثانوية والمعاهد والجامعات والتعليم العالي، وعدد الموظفين في القطاعين العام والخاص، ونوع وظائفهم الحالية، وعدد العاطلين عن العمل، وعدد المؤهلين لسوق العمل.
• توجيه العاملين على التعداد السكاني بأن يتم تسجيل نوع الإعاقة في السجلات الخاصة بالتعداد.
• دراسة إلغاء نظام المعرف المطلوبة من البنوك المحلية وبعض الجهات، الذي شكَّل لسنوات عائقًا كبيرًا لدى المكفوفين.
• الحث على تغيير صيغة الخطاب الإعلامي في مناقشة أمر المكفوفين بحيث لا تحتوي على الشفقة أو العطف، التي هي مرفوضة من المكفوفين؛ لأنها أيضًا تجعل المجتمع يشعر بأنه ناقص؛ وبالتالي يجحف في حقه، وتنعكس بنهاية المطاف على التعامل معه وتوظيفه.
• الحث على زيادة الوعي المجتمعي بأن المكفوفين أشخاص عاقلون، إضافة إلى كيفية التعامل معهم بشكل عام، وكزملاء عمل بشكل خاص. 
 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org