"اللعبون" يكشف قصة قصيدته أمام الملك وحكاية مخاوف ردود الفعل عن شعر "الفصحى"

تحدث عن علاقته بمتنبي شعر النبط.. والمرأة في شعره ونشاطه في "تويتر"
"اللعبون" يكشف قصة قصيدته أمام الملك وحكاية مخاوف ردود الفعل عن شعر "الفصحى"

أكد الشاعر الدكتور فواز بن عبدالعزيز اللعبون رئيس قسم الأدب بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام لـ"سبق" بأن قصيدة سَفَر الرؤية التي ألقاها أمام خادم الحرمين الشريفين في مهرجان الجنادرية، أوكلت له مهمة نظمها وإلقائها قبل ثلاثة أشهر، مبيناً أنه كانت هناك تخوفات من ردود أفعال الناس تجاه ما لا ينسجمون معه، معترفاً بأنه كان قلقاً حتى الأيام الأخيرة.

جاء ذلك في حواره مع "سبق":

- بداية من هو فواز اللعبون، وما قصة قدموس؟

-- فواز اسم أحبه ويحبني، واختاره لي والداي -حفظهما الله- تفاؤلاً، وأرجو ألا أُخَيِّب ظنهما، أما قُدْمُوس فلقب قديم لي كنت أكتب به في المنتديات قديماً بكل تخفف وأريحية، وظل يصحبني إلى اليوم، وهو اسم عربي قديم من معانيه: الشيء القديم والعظيم والفخم والصّلْب.

- ما صلتك بمتنبي شعر النبط محمد بن حمد بن لعبون ووالده مؤرخ الجزيرة العربية؟

-- المؤرخ رحمه الله جد والدي حفظه الله، وابنه الشاعر عمه.

- في رأيك هل الشعر وراثة أم اكتساب؟

-- الأصل أن الشعر موهبة، وقد تنتقل هذه الموهبة عبر الجينات إلى بعض الأبناء والأحفاد، ولذا نرى أسراً يكثر فيها الشعراء، ومع كون الشعر موهبة فلا بد من تنميته بالاكتساب والدربة.

- على مستوى الشعر الفصيح تعد أكثر شعراء المملكة حضوراً في قنوات التواصل الاجتماعي.. هل لديك حسابات محتملة بين الربح والخسارة في مغامرة كهذه؟

-- أطمئن كثيراً إلى أنني وكثير من شعراء الفصحى في قنوات التواصل نسير في طريق صحيح بإذن الله، والنتائج التي نحققها مُرْضية إلى حد كبير، والجمهور متفاعل تفاعلاً ينم عن وعيه بالمضامين السامية المطروحة، وإدراكه لجمال اللغة العربية الفصحى.

المقلق في الأمر هو أن هذا النتاج عرضة للسرقة، وطالما سُرِقَ وسيُسرَق، والمبدع بين نارين: إما أن يتعجل النشر حفظاً لحقوقه فينشر السمين والغث، وإما أن يتريث لينتخب لاحقاً من إنتاجه المتنوع ما يليق بالنشر وباسمه الإبداعي.

المشكلة أن أجيالاً قادمة ستأتي لن تعرف تفاصيل ما يحدث الآن، وسترى كتابات مبدعي قنوات التواصل الاجتماعي منهوبة في كتب شتى لِلُصوص النصوص، فلا يُدرَى مَن هو الناهب مِن المنهوب، بل ربما يصبح المنهوب ناهباً في مقاييس التوثيق الورقي حين يتهاوى التوثيق الرقمي الذي نُعَوِّل عليه الآن.

إنها مشكلة بحاجة إلى حلول على مستوى مؤسسيّ يحفظ لمبدعي قنوات التواصل حقوقهم الأدبية والمعنوية أمام الأجيال القادمة، وآمل أن تبادر جهات لإيجاد قواعد بيانات تؤرشف ما هو موجود الآن بتواريخه، حتى إذا حدث نزاع احتكم المتنازعون إليها.

- يشاع أن الشعراء يستعينون بقوى خارقة في لحظات الإلهام، فما تعليقك؟

-- أجواء كتابة الشعر غريبة مريبة في بعض الأحيان، فيتخيل من يحيطون بالشاعر أن هناك أمراً غير مألوف قد يفسره بعضهم بالتلبُّس ونحو ذلك، ولا أنكر أن حالات غريبة أمر بها حين كتابة الشعر، فمرة أكتب في ضجيج لا يتوقعه أحد، ومرة أكتب في أجواء تغمرها إضاءة معينة، وقد أكون في مجلس عامر فأخرج فجأة لأكتب بعض الأبيات؛ لأنني لو لم أفعل فلن يعود سانح الشعر كما يجب، وأنا أحياناً لا أجد لمثل هذه الحالات تفسيراً مؤكَّداً، فقد ينهمر الشعر عليّ فجأة دون توقف، فأكتب قصيدة جميلة، وقد أبقى أياماً أحاول كتابة بيت واحد أرضى عنه فلا أستطيع، ومع ذلك أرجِّح أن الأمر كله يخضع للمزاج والحالة الانفعالية.

- صف لنا الأجواء التي كتبت فيها قصيدة «سِفْر الرؤية» التي ألقيتها مؤخراً أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وحكام دول الخليج، وكانت لها أصداء واسعة.

-- قبل ثلاثة أشهر تقريباً أُوكِلَتْ إلي قصيدة افتتاح مهرجان الجنادرية أمام خادم الحرمين الشريفين وضيوفه حكام دول الخليج، فقَبِلْتُ هذه المهمة متشرفاً بها معتزّاً واثقاً، فلي تجارب مماثلة اجتزتها بنجاح ولله الحمد، لكن حين أخبرني بعض المنظمين بأنهم أمام تحديات مع الشعر الفصيح، وتخوفات من ردود أفعال الناس تجاه ما لا ينسجمون معه، بدأ القلق يسري إلى نفسي، فبقيتُ شهراً أحاول الشروع في بدء القصيدة فلا أستطيع حتى كتابة بيت واحد، وكدت أقدم اعتذاري للمنظمين لولا أنني أخبرت صديقي الشاعر عيسى جرابا بما أنا فيه، فشَدّ مِن أَزْري، وأكد لي أن هذه الحالات تَمُرّ وستَمُرّ، وسرعان ما ينهمر الشعر بعدها كأفضل ما يكون، فبقيتُ أسبوعين آخرين في شبه عزلة حائراً عاجزاً، وفي آخر يومين منها أَذِنَ الله بالتوفيق، فانهمر الشعر، وتَوَلَّدَت القصيدة شيئاً فشيئاً حتى اكتملَت نَصّاً سَوِيّاً ولله الحمد.

- ربما يلحظ متأمل قصيدة «سِفْر الرؤية» أن ما كتبته في خادم الحرمين صادر عن محبة عميقة، لا عن واجب تمليه عليك تقاليد قصيدة المناسبات، فما مدى صحة هذه الملحوظة؟

-- لا أكتم سراً حين أقول إنني حقاً أُكِنّ محبة عظيمة لخادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ كان أميراً لمنطقة الرياض، فهو قبل أي شيء قارئ مثقف متذوق للشعر الفصيح على وجه الخصوص، وسبق أن حضرت له مجالس كان يتحدث فيها بوعي فائق وإدراك عميق لقضايا التاريخ وأسئلة الأدب والفكر، ومع ذلك ففيه من التواضع وحسن السَّمْت ما يُحَبِّب فيه مَن لا يعرفون الحُب، وحين ألقيتُ عليه قصيدتي «الفجر الجديد» بمناسبة احتفال أهالي منطقة الرياض بتوليه مقاليد الحكم استدعاني مرتين محفِّزاً ومتسائلاً، لأجل ذلك أعي تماماً أن قصيدةً تقال أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يجب أن تليق به، وترقى إليه.

- لك حضور لافت في تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى جعل من الشعر الفصيح حاضراً بقوة في المشهد الأدبي بعد أن كان محصوراً على فئة النخبة والمتخصصين، فما أسباب هذه النقلة، وما عواملها؟

-- الجمهور العربي ميال إلى الشعر الفصيح بطبيعته، وبحكم ثقافته وتعليمه، وإن شعراً راهن على البقاء وذوائق المتلقين طوال ستة عشر قرناً لجدير بالخلود، هذا ما أؤمن به تماماً، ولذا انطلقت من هذه الرؤية، ومهدتُ لها بتجاوز تعقيدات الشعر، وأوهام نخبويته، فقرَّبتُه إلى الجمهور بطرائق محببة لافتة، وخاطبتُ به وجدانهم، وعَبَّرتُ عما يشعرون به، ورسمتُ به على وجوههم دموعاً وابتسامات واندهاشات، وجعلتُ لغتي في ذلك لغة معتدلة تأخذ من التراث والمعاصَرة، وانتقيتُ من الصور ما يدركه متوسطو المتلقين، وأحييتُ مع عدد من الشعراء الرائعين سجالات شعرية حية متعددة النكهات سرعان ما تنتشر بين الناس، وتترك أثرها فيهم.

- ديوانك «تهاويم الساعة الواحدة» تأخر كثيراً، ثم ظل يتيما.. غيرك يصدر في العام ديواناً أو اثنين، لماذا لم تُغْوِك أضواء الإصدارات؟

-- النشر غير المدروس مغامرة خانقة، وأعرف شعراء تعجلوا النشر، فلما بَلغوا الحِلْم تنصلوا من دواوينهم الأولى، وإذا ذُكِّرَ بها أحدُهم اسْوَدَّ وجهه وهو كظيم، وأنا أؤمن أن النشر وثيقة أبدية في سجل المبدع، ولذا أؤثر التريث لعلي أنتخب ما يليق بالأجيال القادمة.

- يَشعر متابع كتاباتك الشعرية والنثرية أن هناك خصوماً يكايدونك، وأنك مهما تدثرت الحِلْم والتغاضي يظهر أحياناً في تضاعيف حروفك ما يدل على معاناتك منهم، فماذا تقول لهم؟

-- خصومي قليلون ولله الحمد، ولا يقارنون بخصوم غيري ممن لهم أي حراك وظهور، وغالباً من يتجنب السياسة والرياضة والصراعات الفكرية يقل خصومه، وأظنني كذلك، وإن شعر أحد أنني أكثر الكتابة عن أمر ما فلا يعني أنه يتلبسني، بل غالباً أكتب عما أظنه يتلبس معظم الناس، وأُعَبِّر عنه نيابة عنهم.

وإن كان لي خصوم فهم فئتان، فئة لا يعجبها ما أطرح، وهؤلاء أقول لهم: إن الحياة تتسع لنا جميعاً، ولو شاء الله لجعلنا على ذائقة واحدة، فلا موجب للخصومات، فما تطرحونه لا يعجبني، ولم أخاصمكم، ولن أفعل، لأن لدي أشياء أهم أسعى إلى تحقيقها.

وفئة سَوَّدَ الله قلوبها وأرواحها، وهؤلاء أقول لهم: خصومتكم مع الله الذي يُعْطي ويَمْنَع، فلماذا تُصَفُّون حساباتكم مع العبد الفقير لله؟!

- في داخلك يتصارع شاعر مهووس باللغة مشغوف بالجمال، وناقد متلبس بالوقار متسربل بالجَلال.. أيهما يتسلط فيخضع الآخر؟

-- أعترف أن لي وجه شاعر رَجَّل جُمَّتَه، وراح يتغنى بقوافيه هنا وهناك وحوله هواة الشعر ينصتون ويهتفون، ووجه ناقد ألقى عليه التخصص الأكاديمي رداء الوقار والتأني وحوله طلاب ومُتَلَقُّون، ولم أستطع التخلص من هذا الانفصام إلا بعقد هدنةِ تصالُح بين الشخصيتين مؤخراً، فنتج عنها قدموس الجديد الذي يتدثر معطفاً نسجَتْه معاً يَدَا شاعر وناقد، فبدا شاعراً شِبْهَ حكيم.

- ما موقفك من المرأة؟ فأنت تبدو أحياناً مشاغباً لها، وأحياناً داعماً لها، وهل هي في نظرك مصدر إلهام، أم زينة حياة؟

-- لا خصومة حقيقية لي مع المرأة، بل هي مشاغبات أخوية سرعان ما تسفر عن تصالُح وابتسامات، وإن كنت سأشكر أحداً فإن أكثر من سأشكره هي المرأة، بدءاً بأمي، ومروراً بزوجتي، وانتهاءً بكل فاضلة لها حضور جَلِيّ أو متوارٍ في كل ما أنجزه.

المرأة كائن معطاء يعطي بوازع فطري، حتى في حالات سخطها تعطي معاني متعددة للحياة والتأملات، والمرأة في منظور الشاعر كائن مقدس في جل حالاتها، فهي ملهمته الأولى، وهي سر أكثر كتاباته، فقط المرأة الغبية هي التي تسد نفسه عن الإبداع وربما عن الحياة.

- بعد أن صار لك اسم معروف في مواقع التواصل الاجتماعي والمشهدين الأدبي والنقدي هل ترى أن الشهرة مَغْنَم أم مَغْرَم؟

-- قال بعضهم: «مَن عاشَ غيرَ معروف عاش مرتين»، وهناك من يعجبه صخب الشهرة، ويرى أن المشاهير مفتحة لهم الأبواب، ولعل الشهرة نعمة متى زَيَّنَها المشاهير بشكر الله، والإحسان إلى الناس.

- في خضم هذه الصراعات السياسية والفكرية التي تنتاب العالَم لمن تنحاز بكتاباتك؟

-- لا أحب الصراعات، ولا حتى المجادلة فيها، وأتحاشى كل ما من شأنه أن يذكي جذوة خلاف، وأمد يدي للناس كافة إلا لصاحب خصومة سافرة مع ديني أو مع وطني.

- ما الذي تريده من الناس إزاء هذا القدر الضخم المتنوع من الإنتاج في مواقع التواصل الاجتماعي؟

-- أريد منهم أمرين: أن يعتزوا بلغتهم العربية، وأن يخصوني بدعواتهم الطاهرات.

- كلمة أخير للقراء الكرام.

-- أشكر لكم ما منحتموني إياه من وقت، وأذكركم بأن الكمال لله سبحانه، فتغاضوا عن نقصي، ونقص من تحبون.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org