
دخلت العلاقات "السعودية- التركية"، مرحلة جديدة عقب تولي الملك سلمان -حفظه الله- مقاليد الأمور في المملكة؛ حيث تميزت العلاقات بمجموعة ملامح أبرزها التركيز على المصالح المشتركة بين البلدين والسعي لاستكشاف فرص تعزيز سبل التعاون من أجل تحقيق هذه المصالح، فكان أبرز معالم هذا التميز الإعلان عن إنشاء "مجلس التعاون الاستراتيجي" بين البلدين، نهاية العام الميلادي الماضي؛ ليكون بوابة لشكل جديد يعزز تاريخاً كبيراً من العلاقات.
خطوة أكثر تقدماً
وجاء الإعلان عن هذا المجلس كخطوة أكثر تقدماً من خطوة اللجنة العليا المشتركة بين البلدين؛ حيث يتيح أن يجتمع وزراء البلدين سنوياً؛ للبتّ في الأمور التي تحتاج سلطة سياسية على مستوى عالٍ في مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي بينهم، ويتم التشاور على مستوى حكومي أعلى في مساعي رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين.
تعاون شامل
ويركز مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، على مشاريع التعاون المشترك في عدة مجالات على رأسها المجالات الأمنية، والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، والطاقة، والتعليم، والشؤون الثقافية، والطب.
تنسيق سياسي
وتكتسب الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين أهميتها، من الثقل الذي يمثله بلديهما، إضافة إلى توقيت تلك الزيارات، وتقارب رؤى الجانبين تجاه العديد من ملفات المنطقة، ففي المجال السياسي تتسم مواقف البلدين بالتنسيق والتشاور وتبادل الآراء فيما يخص القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأولى البلدان بوصفهما جزءاً لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، قضايا الأمة جل اهتمامهما، من منطلق إيمانهما بعدالة هذه القضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، كما يمتلك البلدان دوراً فاعلاً في منظمة التعاون الإسلامي.
تطابق الرؤى
وفي الشأن السوري، تتطابق رؤية البلدين في حتمية رحيل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ودعم المعارضة السورية، والتأكيد على الحل السياسي للقضية، مع المحافظة على سيادة ووحدة التراب السوري، وحق شعبه في الحرية والكرامة والعدالة، كما تدعم تركيا التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية في اليمن، وتتطابق وجهات نظرها مع السعودية، خصوصاً فيما يتعلق بإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية.
تعاون عسكري
وعلى صعيد التعاون العسكري، شهدت العلاقات نقلة نوعية وتعاوناً متنامياً، فقد وقَّعت شركة "أسيلسان" التركية للصناعات العسكرية الإلكترونية، والشّركة السّعودية للتّنمية والاستثمار التّقني الحكومية "تقنية"، في 21 فبراير الماضي، اتفاقاً لتأسيس شركة مشتركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة العربية السعودية، وتهدف الشركتان من خلال مساهمة قدرها 50% لكل منهما، لتأسيس شركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة، لصناعة وتصميم وتطوير الرادارات، ومعدات الحرب الإلكترونية، والرؤية البصرية، وسد احتياجات المملكة والمنطقة من هذه المعدات، وشاركت تركيا في مناورات "رعد الشمال"، التي أجريت شمالي السعودية خلال الفترة من 27 فبراير ولغاية 11 مارس، بمشاركة قواتٍ من 20 دولة، إضافة إلى قوات درع الجزيرة، ووُصفت بأنها من أكبر التمارين العسكرية بالعالم.
رعد الشمال
وأعرب خادم الحرمين الشريفين، عن فخره بالتضامن العربي والإسلامي، الذي ظهر في مناورات "رعد الشمال"، التي استضافتها بلاده على مدار الأيام الماضية، بمشاركة 20 دولة، مشيراً أن هذا التضامن من الدول المشاركة هو بمثابة "رسالة للعالم بعزم هذه الدول، على ردع قوى الشر والتطرف ومحاربة الإرهاب".
ردع الإرهاب
وفي إطار تعاون البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، حطّت مقاتلات تابعة لسلاح الجو السعودي، في قاعدة إنجرليك الجوية بولاية أضنة، جنوبي تركيا، في فبراير، وذلك في إطار التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، وتعد تركيا عضواً بارزاً في "تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب"، أعلنت المملكة عن تشكيله في ديسمبر الماضي، ويضم 39 دولة.
تقارب اقتصادي
وينعكس أي تقارب بين الرؤى الإقليمية والسلوك الخارجي للمملكة وتركيا، إيجابياً على العلاقات الثنائية بين البلدين على المستوى الاقتصادي والتجاري؛ حيث نجح المستثمرون السعوديون في الحصول على مكانة متميزة في الاقتصاد التركي، بينما استفاد المستثمرون الأتراك من مشروعات البنى التحتية الكبرى، التي يجرى العمل على تنفيذها في المملكة، وكان أبرزها مشروع تجديد وتشغيل مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز، بالمدينة المنورة، بالشراكة مع شركة سعودية.
وشهدت الفترة القريبة الماضية، توجه أعداد من السعوديين بصفة خاصة، لشراء العقارات في تركيا، فيما يزور المملكة سنوياً مئات الآلاف من الأتراك بغرض الحج أو العمرة، إضافة إلى العاملين الأتراك في مختلف القطاعات بالسعودية، والذين بلغ عددهم أكثر من 100 ألف مهني وإداري في القطاع الخاص؛ حيث زاد حجم التبادل التجاري بين الدولتين، عدة مرات خلال السنوات العشر الأخيرة، والذي ارتفع من 5 مليارات ريال إلى 22 مليار ريال في العام 2014، أي ما يعادل 5 مليارات دولار.
ووفقاً لتقارير رسمية صادرة عن وزارة التجارة والصناعة السعودية، فقد بلغ عدد المشاريع المشتركة بين البلدين نحو 159 مشروعاً، منها 41 مشروعاً صناعياً، 118 مشروعاً في مجالات غير صناعية تختلف باختلاف نشاطاتها، وبرأسمال مستثمر يبلغ مئات الملايين من الريالات، ويعمل مجلس أعمال سعودي تركي، يضم رجال أعمال من البلدين، على دعم وتنشيط وتشجيع العلاقات التجارية بين البلدين.
آفاق واسعة
ويرى باحثون اقتصاديون ومحللون أن أوجه التعاون بين السعودية وتركيا أكبر بكثير مما هو موجود الآن؛ نظراً لما تتمتعان به من آفاق واسعة للتبادل التجاري، في الساحة الاقتصادية الدولية، حيث يمكن للمملكة أن تمثل شريكاً اقتصادياً قوياً ومضموناً لتركيا في ظل التقارب بين البلدين، والعلاقات المتميزة التي تصاعدت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، والرئيس أردوغان الذي يسعى لتعزيز علاقات بلاده مع المحيط الإقليمي والدولي.
رسائل طمأنة
وبالنظر للعلاقات السعودية- التركية في الفترة بين أول زيارة رسمية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرياض في شهر مارس 2015م حتى الزيارة الحالية للملك سلمان إلى أنقرة، ظهرت مؤشرات ونتائج ترفع أسهم العلاقات السعودية- التركية في المرحلة الحالية، وتبعث برسائل طمأنة لرجال الأعمال من الجانبين والمسؤولين السياسيين في البلدين بأن مجال التفاعل السعودي- التركي سيكون مستقراً، وفي تقدم بشكل يؤمن تواصلهم وتعاونهم في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك؛ حيث برزت ملامح التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري على أغلب التفاعلات بين البلدين من جهة، كما برز تضامن المملكة حكومة وشعباً مع تركيا في مواجهة الهجمات الإرهابية الداخلية وفي بعض مواقفها الخارجية خاصة في الأزمة السورية واقتصادياً من خلال الإستثمار وشراء العقارات التركية.
المملكة تتضامن
ويأتي تضامن المملكة مع الحكومة التركية والشعب التركي في المرحلة الحالية ومنذ اتخاذ مسار العلاقات لمنحاه الجديد، ملمح بارز في التفاعل السعودي – التركي الحالي، فقد عبرت الحكومة السعودية عبر تصريحات مسؤوليها بتضامن المملكة مع الحكومة والشعب التركي بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في أنقرة 10 أكتوبر 2015م، و17 فبراير 2016م، و13 مارس 2016م وأدانت هذة التفجيرات، كما أن حكومة المملكة قد أعلنت في وقت سابق وقوفها بجانب تركيا في الإجرائات التي تتخذها من أجل حماية أمنها والدفاع عن نفسها في الأوقات التي تصاعدت فيها الأزمة السورية وإقتربت نيرانها من تركيا.
حجر زاوية
يُذكر أن الاستثمارات السعودية والتي تقود الاستثمارات الخليجية في تركيا، تعتبر حجر زاوية مهم في محاولات تركيا لرفع معدلات نموها الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات الأجنبية التي تجلب العملات الأجنبية الصعبة للاقتصاد التركي، فقد كشفت آخر التقارير الاقتصادية التركية عن ارتفاع في مبيعات العقارات التركية للخليجيين وخاصة السعوديين؛ حيث يمثل المشتري السعودي 11.2% من إجمالي الأجانب المستثمرين في القطاع العقاري، فيما تؤكد التحليلات الاقتصادية أن قطاع الإسكان والعقارات في تركيا أصبح قطاع قاطر وصاعد لحركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ظل تراجع المصادر الاخرى للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
زيارة الملك
وتأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى تركيا لتعزز المسار الذي سلكته العلاقات السعودية- التركية، فمن المنتظر أن تشهد الزيارة مناقشات عالية المستوى للتباحث في سبل الحفاظ على الخط التصاعدي للعلاقات بين البلدين وآليات عمل مجلس التعاون الإستراتيجي والقضايا الإقليمية التي يجتمع فيها رأي البلدين وتتوافق فيها مصالحهم وبما يخدم "مجلس التعاون الاستراتيجي" بين البلدين.