قال الباحث والمختص بتاريخ المدينة المنورة فؤاد المغامسي عن سكة حديد الحجاز لـ"سبق": "إنه بناء تاريخي شامخ لأكثر من قرن وعقدين من الزمن تم بناؤه في حقبة تاريخية حرجة كانت تشهدها الأمة، لكن ما يهمنا الآن ما هي عليه الآن سكة حديد الحجاز أو ما تعرف بـ "الأستسيون" عند أهل المدينة المنورة، تقع في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد النبوي على بعد 1.5 كم، وتبعد محطة سكة حديد الحجاز عن محطة دمشق بـ1320.5 كم، تم بناؤها بأمر من السلطان العثماني عبدالحميد الثاني رغم الظروف الصعبة في ذلك الوقت، سواء الاقتصادية أو السياسية التي تمر بها الدولة العثمانية والعالم الإسلامي، إلا أنه كان تحدياً صعباً حيث استطاع السلطان استصدار فرمان سلطاني يقضي باعتماد مشروع خط سكة حديد الحجاز، وبدأ التبرع لتمويل هذا المشروع من جميع أقطار العالم الإسلامي وكان لمسلمي الهند النصيب الأكبر في هذا المشروع، وبعد عدة اجتماعات بين السلطان والصدر الأعظم تم تعيين كاظم باشا قائد الجيش العثماني الخامس بتولي مهام الإشراف على مشروع سكة حديد الحجاز، وتم البدء في عام 1900م وتم الافتتاح في الأول من سبتمبر عام 1908م، وظلت المحطة تعمل لمدة تسع سنوات حتى توقفت في أحداث الحرب العالمية الأولى".
وأضاف: "يقع مبنى محطة سكة حديد الحجاز بالمدينة المنورة في مكان له ارتباط بالسيرة النبوية، ففي موقعها استعرض الرسول الجيش المتجه لبدر، وحدثت بعد ذلك أحداث غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة، وفي المكان نفسه وفي منتصف السور الجنوبي للمحطة تقريباً يقع مسجد السقيا ذو البناء العثماني، الذي يتكون من ثلاث قباب، حيث تذكر المراجع التاريخية بأنه نفس المكان الذي ضرب فيه الرسول خيمته ودعا لأهل المدينة بالبركة كما ورد عن النبي قوله: "اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك دعاك لأهل مكة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك به إبراهيم لمكة، ندعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، اللهم إني حرمت ما بين لابتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم"، وتعرف هذه المنطقة باسم منطقة "النقاء" لصفاء جوها وكانت من أملاك سعد بن أبي وقاص.
وأوضح المغامسي أن المباني التي تحويها المحطة تقريباً اثنا عشر مبنى كانت تستخدم لعدة مهام خدمية "سكن للموظفين، ومبنى لمأمور المحطة، وورش للصيانة.. إلخ" كما تحوي المحطة داخلها عدد من المقطورات والعربات، ولقيمة هذا الموقع من الناحية التاريخية حرصت الحكومة السعودية متمثلة بهيئة السياحة والتراث الوطني على إعادة تأهيل مباني المحطة، فالمبنى الرئيس للمحطة أصبح متحفاً يحوي العديد من القطع الأثرية الخاصة بمنطقة المدينة المنورة وعلى مر العصور، ويحكي المتحف تاريخ المدينة المنورة وتركيبتها الجغرافية والتاريخية كذلك خصص جزء منه لسيرة المصطفى، وجزء آخر للمدينة في العهد الراشدي والعصور الأخرى، كما خصص جزء منه للعهد السعودي وتاريخه.
كما تحوي المحطة مساحات بين المباني التاريخية استثمرت سياحياً كمعارض للزائرين أو معارض للحرفيين وأحدها مقر لهيئة الآثار, وفي الطرف الغربي من سور المحطة يوجد مبنى قديم جهز ليكون متحفاً للقطار ويحوي عدداً من الصور التاريخية والقطع العثمانية النادرة.
وتبذل هيئة السياحة والتراث الوطني السعودي جهداً ملحوظاً للعناية بهذا الموقع التاريخي الذي أصبح محط زيارة القادمين للمدينة المنورة سواء من داخل المملكة أو من خارجها.