"الموت على الطرقات".. حوادث مرورية قاتلة بسبب السرعة والإشارات الحمراء

السجن والغرامات لم تَحُدّ منها.. وخسائرها تتجاوز 87 مليار ريال سنوياً
"الموت على الطرقات".. حوادث مرورية قاتلة بسبب السرعة والإشارات الحمراء

- الداعية الشيخ عصام العويد: "لا تقتلوا أنفسكم".. السرعة الزائدة مع أفخم السيارات تؤدي إلى الهلاك.

- عبدالله الجميلي: مجتمعنا يعاني منذ سنوات من "حرب شوارع".. وأين العقوبات البديلة في خدمة المجتمع؟

- د.عبدالله اليوسف: معظم الحوادث المرورية تعود إلى ثقافة وعادات المجتمع وتشجيع الأصدقاء.

 تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن مجموع مَن تُوفوا في حوادث المرور في السعودية خلال الـ20 سنة الماضية، 86 ألف شخص، وعدد المصابين 611 ألف مصاب، الكثير منهم أصبح معاقاً، في أكثر من 4 ملايين حادث.

ويذكر العقيد الدكتور زهير بن عبدالرحمن شرف، مدير الأنظمة واللوائح في مرور منطقة المدينة المنورة، في ندوة عُقدت في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة قبل فترة، أن معدل الوفيات في حوادث الطرق في السعودية 17 شخصاً يومياً؛ مشيراً إلى أن السعودية تحتل المركز الأول عالمياً في عدد حوادث الطرق.

السرعة قاتلة

وكشفت دراسة أجراها كل من الدكتور عصام حسن كوثر، والدكتور خالد منصور الشعيبي، والدكتور ياسر عبدالحميد الخطيب من جامعة الملك عبدالعزيز لمصلحة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، حول الآثار الاقتصادية المترتبة على الحوادث المرورية وسبل تقليصها؛ أن السرعة تأتي في مقدمة أسباب الحوادث وتُسهم بنسبة 24.6%، وتصل نسبة المصابين نتيجة حوادث السرعة إلى 70% من مجمل حوادث الوفيات.

وذكرت الدراسة أن 80% من الحوادث المرورية في السعودية التي تخلّف مصابين تقع داخل المدن؛ في حين 18% فقط تقع خارج المدن أو على الخطوط السريعة، وهو ما يعني -وفق الدراسة- تدني الالتزام بأنظمة المرور والسرعة وتجاوز الإشارات المرورية الحمراء.

كما قدرت الدراسة الخسائر الاقتصادية "الكاملة" لوفيات الحوادث المرورية بنحو 79.92 مليار ريال؛ في حين يقدر إجمالي تكاليف علاج الإصابات البسيطة بنحو 170.73 مليون ريال، وإجمالي تكاليف علاج الإصابات البليغة بـ135 مليون ريال، وتكاليف الإضرار بالممتلكات (السيارات) 6.94 مليار ريال؛ أما إجمالي التكاليف الشاملة للحوادث المرورية فيقدر بنحو 87.17 مليار ريال.

أرقام مفزعة

عن ذلك يقول لـ"سبق" الأكاديمي والإعلامي عبدالله الجميلي: منذ سنوات طويلة ومعاناة المجتمع السعودي من الحوادث المرورية مستمرة، وكل المحاولات للحد منها لا تزال عاجزة؛ لافتاً إلى أن تلك المحاولات توجهت في معظمها نحو السائق؛ باعتباره المتهم الأول في الحوادث؛ فزادت قيمة المخالفات المرورية، كما جاء نظام "ساهر" وغراماته التراكمية؛ بيْد أنه لم تتحقق معه الأهداف النبيلة المعلنة؛ وهي المحافظة على أرواح البشر؛ حيث غلب عليه طابع "الجباية"، والبحث عن أرباح الشركات المشغّلة.

وتابع كاشفاً عن حقيقة ذكرتها دراسة للباحث المتخصص الدكتور سعود التركي؛ حيث أكد أن الحوادث المرورية لم تنخفض على مستوى السعودية بعد تفعيل "ساهر"، والوفيات لم تقلّ معدلاتها.

وتحدث "الجميلي" عن دراسة الدكتور "التركي"؛ حيث أماط اللثام عن حقيقة غائبة، وهي أن سجلات المرور عندنا تسجّل فقط الوفيات التي تكون في مكان الحادث، وعند الوصول لأقسام الطوارئ، وتتناسى ما يحدث بعد ذلك؛ بينما منظمة الصحة العالمية تربط بين الحادث وما ينتج عنه من وفيات لمدة شهر من وقوعه.

وتعجّب الكاتب من الأنظمة المرورية، وقال: "الأرقام مفزعة والخسائر كبيرة في الأرواح ثم الممتلكات، ومع ذلك كان ما زال التركيز فقط في الأنظمة المرورية على تحصيل أموال الغرامات؛ فغاب الحديث عن الطرق ومسؤوليتها عن الحوادث، وكذا نوعية المركبات وصيانتها وقطع غيارها، التي قد تكون مسؤولة عن بعض تلك الكوارث، كما غابت التوعية التي كانت حاضرة فيما مضى من خلال الأيام والأسابيع المرورية".

عقوبات بديلة

"الجميلي" الذي أكد أن وطننا يعاني من الحوادث المرورية؛ اقترح حملة وطنية وخططاً استراتيجية قصيرة وبعيدة المدى للمعالجة، ونادى بضرورة التحول في لائحة العقوبات المرورية إلى "سياسة الجزرة والعصا"؛ فهناك مكافآت وميزات للمحافظين على القواعد والأنظمة المرورية، يتم ذلك بصورة دورية وإلكترونية؛ ضارباً المثل: كأن يُعفوْا من رسوم رخصة القيادة أو المركبة؛ بل وحتى مكافآت مالية أو عينية، ويمكن أن يتعاون القطاع الخاص في هذا الجانب.

واقترح فتح مجال للمكافأة؛ فمن يستمر مثلاً لمدة 6 أشهر دون مخالفات مرورية تسقط عنه القسائم السابقة تشجيعاً له، وفي المقابل لا بد أن تكون هناك نقاط على المخالفات؛ فمن تكثر تجاوزاته تتضاعف عقوباته وفق آلية واضحة ومعلنة؛ فمن الظلم مساواة مَن يرتكب مخالفة لأول مرة بمن صفحته سوداء بالمخالفات.. وتساءل "الجميلي": لماذا لا يكون هناك تجربة للعقوبات البديلة في خدمة المجتمع؟

نظام للمرور

وفي ذات السياق، أكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز اليوسف، أن السرعة الزائدة، والوقوف الخاطئ، وقطع الإشارة الضوئية، وعدم ربط حزام الأمان أثناء قيادة السيارة هي المخالفات الأكثر شيوعاً لدى الكثير؛ منوهاً بضرورة توعية السائقين بخطورة السرعة وقطع الإشارة على احتمالية الحوادث، مع توفير مواقف كافية قرب الأسواق والتجمعات الحكومية؛ حيث يشير كثير من السائقين إلى أن أسباب مخالفاتهم هي عدم وجود مواقف كافية عند الدوائر الحكومية، وقد تَوَصل الباحث إلى هذه النتائج من خلال دراسة أجراها بعنوان "العوامل الاجتماعية المؤثرة في ارتكاب المخالفات المرورية في مدينة الرياض".

ورأى "اليوسف" أن المخالفات المرورية تختلف باختلاف السن والظروف الاجتماعية والمستوى التعليمي؛ ولذا يجب وضع برامج خاصة تتناسب مع فئات المجتمع المختلفة؛ حيث كشفت الدراسات أن أغلب أسباب المخالفات المرورية تعود إلى عدم وجود نظام معين للمرور، كما أن هناك مجموعة من الأسباب ترجع إلى أن ثقافة المجتمع هي التي تدفع إلى المخالفات المرورية؛ مثل تشجيع الزملاء لمخالفة أنظمة المرور، وطريقة قيادة الآخرين لسياراتهم.

ولفت إلى أن الحياة الحضرية في المجتمع السعودي، أفرزت أنماطاً من المخالفات المرورية؛ مثل: (السرعة، والتجاوز الخاطئ، وعدم الوقوف بشكل صحيح)؛ مؤكداً أن جميع السلوكيات التي تنشأ لها ارتباط بالبنى الاجتماعية والثقافية للمجتمع السعودي الذي يمر بعمليات تغير كبيرة؛ فقد تحدُث أنماط من المخالفات المرورية كإفراز للتغيرات الحضرية في مجتمع منطقة الرياض مثلاً، الذي يتميز بالتغير والتحضر السريعين؛ مقارنة بمناطق السعودية الأخرى؛ مما يشكل ضغطاً على الأفراد نتيجة إيقاع الحياة المتسارع في مدينة الرياض.

وأوصى أستاذ الاجتماع، بأهمية التأكيد على التربية والتنشئة الدينية الأسرية، حول الالتزام باللوائح والأنظمة المرورية، مع الاهتمام بزيادة الوعي المروري وإجراء العديد من البحوث التي تهتم بالجوانب الاجتماعية؛ حيث معظم المشكلات المرورية تعود إلى عوامل ثقافية عائدة إلى عادات المجتمع وثقافته؛ مثل السرعة، وتشجيع الأصدقاء على المخالفات المرورية.

ودعا إلى زيادة الجزم والعقاب والردع؛ حيث تُعَد من العوامل المهمة في التخلص من كافة أشكال السلوك الخاطئ الذي يتسبب في وقوع الحوادث المرورية، لذا يجب تطبيق عقوبات صارمة على المخالفين، مع ضرورة التأكيد من خلال المدارس والمساجد ووسائل الإعلام المختلفة على ضرورة الالتزام باللوائح والأنظمة المرورية، وتكثيف وجود دوريات المرور لمنع المخالفين من ارتكاب المخالفات.

النساء والحوادث

وفي ورشة عمل عُقدت قبل فترة لبرنامج مبادرة السلامة المرورية للمعلمات المرشحات للبرنامج من جميع المراحل الابتدائية والمتوسط والثانوية في تعليم منطقة حائل بضرورة التوعية ونشر الوعي بين الطلبة والطالبات للحد من الحوادث؛ كان العقيد بندر الحربي مدير قسم الحوادث بمرور منطقة حائل،قد قال: إن الأسباب الرئيسة للحوادث التي تشهدها السعودية تقع بسبب النساء بنسبة 40%؛ على الرغم من عدم قيادتهن السيارات.

وأضاف "الحربي"، أن الأسباب الرئيسة للحوادث تقع بسبب النساء بنسبة 40%، ومن ثم الأطفال، واستخدام الجوالات، والسرعة وإهمال حزام الأمان.

تحريم السرعة

من جانبه، أكد الداعية الشيخ عصام عبدالعزيز العويد، أن الله تعالى أَمَرَنا ألا نقتل أنفسنا؛ حيث قال جل شأنه في كتابه الكريم: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً}، لافتاً إلى أن السرعة الزائدة مع أفخم السيارات قد تؤدي إلى الهلاك.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org