نعى الدكتور ناصر بن علي الموسى رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس الشورى، رئيس مجلس إدارة جمعية المكفوفين الخيرية، بمنطقة الـرياض، الدكتور عبد الله بن عبد العزيز المعيلي - يرحمه الله - الذي انتقل إلى جوار ربه فجر يوم الخميس الموافق الخامس من شهر شوال لعام 1438هـ، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض.
وقال الموسى: فجع الوسط التربوي بالمملكة في وفاة ابن بار من أبنائه، ومرب فاضل من مربيه، وقائد فاعل من قادته، وعلم بارز من أعلامه، ورمز شامخ من رموزه.
وأضاف: كان لوفاة والده قصة بطولية فيها تضحية وفداء، وهي مشهورة يعرفها أهل العود، وأهل التويم، وأهالي القرى المجاورة في سدير، إذ إنه - يرحمه الله - قد ضحى بأغلى ما يملك، وهي نفسه، وذلك عندما حاول إنقاذ صديقيه العزيزين المختنقين في أحد آبار العود بسبب الدخان الكثيف الذي ملأ البئر منبعثاً من الآلة التي كانت تستخدم لدفع الماء من البئر إلى أعلى، وهي ما يعرف بـ (ماطور الماء)، غير أنه لم يتمكن من إنقاذهما، بل اختنق معهما، وقضى الثلاثة نحبهم - رحمهم الله جميعاً -رحمة واسعة، وكان هذا الحادث خطباً جللاً، وحدثاً جسيماً، ومصاباً أليماً قض مضاجع أهالي سدير في ذلك الوقت.
وتابع الدكتور عبد الله أنه لم يتأثر كثيراً بهذه الفاجعة في وقتها لحداثة سنه، لكنه تأثر تأثراً عميقاً بها بعد أن عرف تفاصيلها -فيما بعد -، وأدرك تداعياتها.
وأكمل: لم يكن في العود مدرسة، فقد التحق بابتدائية التويم التي كان يتردد عليها مع زملائه مشياً على الأقدام، ثم درس المتوسطة في روضة سدير، وكان يذهب إليها مستخدماً الدراجة الهوائية، أما الثانوية فقد درسها في حوطة سدير، وفي هذه المرحلة صار يستخدم السيارة، وللدراسة الجامعية انتقل إلى مدينة الرياض، حيث التحق بكلية التربية بجامعة الملك سعود، ولم يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل واصل دراساته العليا - أثناء حياته العملية - حتى حصل على درجة الدكتوراه.
وزاد: كانت حياته العملية حافلة بالنشاط والحيوية والجد والإخلاص والتفاني، تدرج خلالها في مختلف المناصب التعليمية والتربوية، وقد بدأها معلماً في إحدى المدارس الثانوية، ثم عين مشرفاً تربوياً، فمديراً للشؤون التعليمية بإدارة تعليم الرياض، وبعـد ذلك انتقل إلى وزارة المعارف - كما كانت تسمى آنذاك -، إذ عمل مديراً عاماً للإشراف التربوي والتدريب، ثم كلف بالإضافة إلى عمله هذا بالعمل وكيلاً مساعداً للتطوير التربوي، وأخيراً اختتم مشواره في العمل الحكومي بتعينه مديراً عاماً للتعليم بمنطقة الرياض، وبعد ذلك تفرغ للعمل الخاص، حيث ساهم مع نخبة من التربويين في تأسيس مدارس ابن خلدون الأهلية.
وقال: لقد عرفت أبا عبد العزيز عن قرب، فهو أحد رفقاء الدرب، وقد عملنا في وزارة التعليم معاً، وسافرنا داخل المملكة وخارجها معاً، وسكنا في مكان واحد معاً، ولم أعرف عنه - يرحمه الله - إلا كل خير، فقد كان نعم الأخ، ونعم الصديق، ونعم الرفيق، وكان ذا شخصية مؤثرة، يتسم بالذكاء والفطنة وسرعة البديهة وبُعد النظر، وقوة الإرادة، والإصرار والعزيمة، وغير ذلك من الصفات القيادية التي مكنته من تحقيق نجاحات باهرة أثناء حياته العملية، وفوق هذا كله كان يتمتع بصفات عديدة، ومزايا حميدة، وسمات فريدة، يأتي في مقدمتها التواضع الجم، والخلق الرفيع، والتعامل الراق، إلى جانب العلم الغزير، والأدب الوفير، والرصيد الهائل من الخبرات التراكمية مما أكسبه إعجاب الجميع ومحبتهم.
ومضى الموسى يقول: كان - يرحمه الله - يحمل فكراً تربوياً أصيلاً، ورؤىً وأفكاراً تعليمية واضحة، وتطلعات وطموحات كبيرة لتطوير التربية والتعليم في بلادنا الحبيبة، وكان كاتباً رصيناً، ومتحدثاً لبقاً، ومحاوراً جيداً، يغلب عليه الهدوء والسكينة، وتشعر في صوته بالدفء والطمأنينة، يأسرك بأسلوبه، ويعجبك بأطروحاته، ويطربك بحسن اختيار عباراته حتى ولو خالفك في الرأي.
وزاد: يجمع الذين يعرفون أبا عبد العزيز على أنه كان قد نذر نفسه ووقته وجهده طيلة حياته في سبيل خدمة دينه، ثم مليكه وبلاده، وكان شديد الافتخار والاعتزاز والانتماء إلى قيادته وأمته ووطنه، بالإضافة إلى استشعاره لأهمية كل ما أوكل إليه من مهام، مع الحرص التام على تنفيذها بكل دقة وصدق وأمانة.
وأردف: يبقى جانب مهـم في حياة هذا الرجل الطيب، وهو أنه كان قريباً من ربه - ولا نزكي على الله أحداً - وكان باراً بوالدته، محباً لزوجته، شغوفاً بتربية أبنائه وبناته، فخوراً بصحبة إخوته وأخواته، وبشكل عام كان -يرحمه الله - يتعهد أسرته بكامل أفرادها بالحب والرفق، والعناية والرعاية، والاهتمام والاحترام.
واختتم: لا شك أن وفاة هذا المربي الكبير تعد خسارة كبرى للأوساط التربوية والتعليمية بالمملكة، غير أن أكثر المتأثرين برحيله، وأكبر المتألمين لفقده هم والدته وزوجته وأولاده وبناته وإخوانه وأخواته، إذ إنهم قد ودعوا أعز وأعظم وأعطف وألطف إنسان في حياتهم، وفي كل الأحوال فإنه لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون"، وندعو الله – سبحانه وتعالى – أن يتغمد أبا عبد العزيز برحمته الواسعة، وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجعل كل ما أصابه في هذه الدنيا تكفيراً وتمحيصاً لذنوبه، ورفعاً لدرجاته، وأن يكتب كل ما قدم في موازين حسناته، وأن يلهمنا ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.