
اندلعت حرب تصريحات "تركية- عراقية" على خلفية تواجد مئات الجنود الأتراك على مقربة من مدينة الموصل الواقعة تحت سيطرة تنظيم "داعش" المتطرف، وهو ما يرجح عرقلة معركة تحرير الموصل أو تعقيدها.
وتبادلت حكومتا الدولتين استدعاء السفراء إلى مقر وزارتي الخارجية للاحتجاج على التصريحات المتبادلة، وقالت وزارة الخارجية العراقية إنها استدعت الممثل التركي بسبب "التصريحات المستفزة" من تركيا.
وفي الوقت نفسه ذكرت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، أنه جرى استدعاء السفير العراقي في أنقرة بعد تصويت البرلمان العراقي على قرار يعتبر التواجد التركي "قوات احتلال"، وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان إنها تدين "بشدة قرار البرلمان العراقي غير المقبول بما فيها الاتهامات القذرة للرئيس رجب طيب أردوغان".
من جانبه قال المتحدث باسم الحكومة التركية نائب رئيس الوزراء نعمان قورتولموش، إن وجود القوات التركية في بعشيقة هو بهدف حماية سكان الموصل، ومن أجل معالجة حالة عدم الاستقرار التي تنجم عن ظهور التنظيمات الإرهابية في المنطقة.
وتساءل: "أين كانت الحكومة العراقية المركزية عندما احتل "داعش" الموصل في يوم واحد، وأين كان المجتمع الدولي عندما احتل التنظيم العديد من المدن العراقية، والمنطقة من الموصل إلى الرقة؟".
وتابع: "الجميع يعلم أنّ الإدارة المحلية في شمال العراق وحكومة بارزاني طلبت من الوحدات التركية تأهيل وتدريب القوات المحلية بهدف تحرير الموصل".
وكان "العبادي"، قد اعتبر أن وجود القوات التركية في الموصل واحدة من أخطر التحديات التي تواجه المدينة، وقال في مؤتمر صحفي، الثلاثاء الماضي: "أخشى أن تتحول المغامرة التركية إلى حرب إقليمية، ونحذر من هذا المنزلق، وندعو تركيا إلى عدم التدخل في الشأن العراقي"، فيما اتهمت وزارة الخارجية العراقية السلطات التركية بتسميم العلاقات بين البلدين.
لكن ما يبعث على الأسى عندما يتحدث قادة العراق القادمون على ظهور الدبابات الأمريكية عن السيادة الوطنية لدولة العراق. لقد تحول هذا البلد العربي الأصيل بفضل العملاء الإيرانيين الذين يحكمونه اليوم إلى مجموعات متناحرة من المشيلشيات الطائفية، وهي حكومة لا تمثل كل المكونات العراقية , وترفضها كل الأطياف العراقية، كما انتفض عليها السكان في بغداد وخرجوا في مظاهرات حاشدة وطالبوا برحيلها وطرد الإيرانيين من أرضهم.
وبحسب تقرير لقناة الفوكس الأمريكية، فإن عدد الأفراد المنضوين تحت رايات الميلشيات الشيعية بلغ 80 ألف فرد، كما أن هذه الميلشيات الطائفية، بحسب التقرير، تقبع تحت تأثير مباشر من نظام الملالي في طهران، وزاد التقرير أن الدعم الإيراني لهذه الميلشيات ساهم بشكل متعمد في إضعاف الجيش العراقي وشتت جهوده في مكافحة الإرهاب.
وأفاد تقرير استخباراتي عراقي حديث، اطلعت "سبق" على تفاصيله، أحصى فيه عدد الميلشيات العراقية بـ53 ميلشياَ منتشرة في أرض العراق يعتمد أكثرها على السلب والنهب وقتل الناس على الهوية المذهبية، وكشف التقرير أن حكومة العبادي ترعى هذه الميليشيات وتقوم بصرف 800 دولار شهرياً لكل فرد من أفراد هذه الميلشيات الإيرانية.
وتجاهلت حكومة بغداد احتلال الحرس الثوري الإيراني للعراق ومصادرة قراره السيادي، وضاقت هذه الحكومة ببضعة مئات من الجنود الأتراك الهدف من تواجدهم، بحسب بيان للحكومة التركية تدريب قوات البيشمركة ومراقبة الأوضاع على حدودهم ومنع تجاوزات كارثية في الموصل ذات الغالبية السنية, أثناء معركة التحرير من حرق للمنازل وقتل جماعي ونهب وسلب وتهجير طائفي وتغيير لتركيبة السكان.
وما يعزز وجهة نظر الأتراك والتي تدركها الولايات المتحدة جيداً هي التجاوزات التي حدثت ضد المدنيين العراقيين في الفلوجة وتكريت وصلاح الدين ونينوى عندما حاول هؤلاء السكان الهرب من لهيب "داعش" ليصطدموا بجحيم الميلشيات الطائفية الإيرانية هناك، وتعرضوا لانتهاكات بشعة ساهمت وسائل الإعلام الأمريكية بمختلف توجهاتها بنقدها وكشفها للعالم وهو ما وصفتها منظمة العفو الدولية بجرائم حرب.
ولا ترغب تركيا أن تكرر سيناريو سوريا المرعب، عندما خسرت حسم المسألة السورية وهي في متناولها بسبب تباطؤها وترددها عن التدخل هناك حتى تعقدت الظروف وخرجت عن سيطرتها .
ويرى مراقبون، أن حكومة بغداد اختارت توقيتاً غير مريح لتركيا وانهمكت في تصعيد التصريحات والتحركات ضد القوات التركية في ظل قرب معركة الموصل والتي يستعد المجتمع الدولي لدعمها وهو ما سيضع الحكومة التركية تحت الضغط .
ويحظى الوجود التركي بدعم ضمني من قبل الكثير من الدول العربية وهو المفترض, نظراً لما يمثله من توازن طائفي مهم في الحالة العراقية ضد إيران والتي حرصت على الاستفراد بالعراق والهيمنة عليه.
كما لأن سكان الموصل ذات الغالبية السنية وتنوعهم الاثني والعرقي الكبير سيفضلون اللجوء إلى تركيا العلمانية عوضاً عن الدخول إلى محميات الميلشيات الإرهابية وهو ما سيمنحهم العودة إلى منازلهم بشكل سريع بعد التحرير بدلاً من اللجوء في صحاري العراق كما يحدث لسكان الأنبار وتكريت والذين منعوا من العودة إلى منازلهم كما منعوا من دخول بغداد إلا بكفيل!
وعلى الأرجح سيتجه الوضع لمزيد من التأزيم خصوصاً بعد طلب العراق عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لبحث الوجود العسكري التركي على أراضيه وسط تصاعد الخلاف بين الطرفين , لكن ربما لن تكون هناك تأثيرات كبيرة من قبل مجلس الأمن في ظل الشرخ الكبير بين أطراف الفيتو الخمسة .
وينبغي للأتراك أن يعوا الدرس السوري جيداً، وأن يدركوا أن بقاءهم على حدود العراق استراتيجي لإيجاد توازن مفقود حتى يخرج الاحتلال الإيراني خائباً من العراق وهي مسألة ليست مستحيلة؛ إذا رافق التواجد التركي تنسيقاً عربياً للتصدي للنفوذ الإيراني.