لعبت الزيارات المتبادلة بين القيادة في المملكة العربية السعودية ومملكة الأردن، دوراً لا يستهان به في دعم العلاقات بينهما، وقد بدأت هذه العلاقات مع تبادل حكومتي المملكتين في السعودية وإمارة شرقي الأردن الاعتراف المتبادل في عام 1933م، من خلال برقيتين تبادلهما الملك عبدالعزيز والأمير عبدالله، أعربا فيها عن رغبتهما في تحسين العلاقات بينهما، وعلى إثر الاعتراف المتبادل شرعت الحكومتان الأردنية والسعودية بمباحثات نتج عنها عقد معاهدة صداقة وحسن جوار لتنظيم العلاقات والتعاون بين البلدين وتنظيم الحدود بين الطرفين.
وتستعرض "سبق" في هذا التقرير؛ تزامناً مع انعقاد القمة العربية في الأردن صوراً حصرية لم تُنشر، خص بها الباحث عبدالله العمراني من أرشيفه "سبق"؛ حيث زيارة الملوك والأمراء السعوديين للمملكة الأردنية الهاشمية والتي تؤكد عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود إلى عهدنا اليوم.
ويصف الدكتور فتحي محّمد درادكة من مركز الرأي للدراسات، في تقرير نُشر له عن العلاقات السعودية الأردنية، أنها اتسمت بخصوصية مميزة عن غيرها من العلاقات "العربية- العربية" الأخرى، وقد أسهم في رسم هذه العلاقة الكثير من المعطيات التاريخية والسياسية والحضارية والثقافية والجغرافية، وظلت العلاقات بين البلدين الشقيقين قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون؛ مما شكّل عمقاً استراتيجياً للأردن والسعودية على حد سواء؛ مما يدل على النظرة الحكيمة من القيادتين.
وقال: "قام الملك سعود بن عبدالعزيز حين كان ولياً العهد آنذاك، بزيارة إلى شرقي الأردن عام 1935م، أقام فيها أربعة أيام، زار خلالها مختلف المناطق، وقام بزيارة لفلسطين وحظي بالصلاة في المسجد الأقصى، وكان لتلك الزيارة دور كبير في تعزيز العلاقات بين الجانبين، وقد تلقى الأمير عبدالله رسالة من الملك عبدالعزيز شكره فيها على حسن الضيافة التي لقيها ولي عهده في شرقي الأردن".
وتابع: "ولعبت الدبلوماسية السعودية والأردنية بقيادة الملك عبدالعزيز والأمير عبدالله دوراً كبيراً في إنهاء الإضراب الفلسطيني الذي حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، من خلال النداء الذي وجّهه إلى الفلسطينيين لفك الإضراب والعودة إلى الحياة الطبيعية في فلسطين، كما شاركت السعودية وإمارة شرقي الأردن في تأسيس الجامعة العربية، وكانت من الدول السبع التي وقعت على برتوكول الإسكندرية".
وقال: "وبعد أن تولى الملك طلال الحكم في الأردن، سعى إلى تمتين العلاقات مع السعودية، وقام بزيارة إلى الرياض بعد مدة وجيزة من توليه الحكم، وتابع الملك الحسين نهج جده ووالده في تعميق العلاقات الثنائية، وعلى إثر توليه سلطاته الدستورية شاركت السعودية بوفد رسمي كبير ترأسه الأمير مشعل للاحتفال بتتويج الملك الحسين؛ وتبع ذلك زيارة ولي العهد في السعودية في ذلك الوقت، إلى عمّان؛ لتقديم التهاني باعتلاء الملك الحسين سلطاته الدستورية".
وأكد "درادكة" أن مواقف السعودية مواقف ثابتة وراسخة تجاه الأردن؛ فهي الدولة العربية الوحيدة التي وفت بالتزاماتها تجاه الأردن، عقب إنهاء المعاهدة "الأردنية- البريطانية" عام 1957م، وتوقيع اتفاقية المعونة العربية، وكان للبلدين مواقف متطابقة في الكثير من الأزمات التي عصفت بالمنطقة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد اشتركت القوات الأردنية والسعودية في تثبيت الأمن والنظام؛ إثر اندلاع الأزمة العراقية الكويتية عام 1961م في الكويت، وشارك الجندي الأردني مع الجندي السعودي، جنباً إلى جنب، في الدفاع عن حدود المملكة العربية السعودية الجنوبية في العام 1962م بعد الأزمة اليمنية.
وأضاف: "تجاوب الأردن بقوة مع دعوة الملك فيصل بن عبدالعزيز للتضامن الإسلامي، وكان للأردن دور كبير في هذا الأمر، ونتيجة لهذا التطابق فقد قام الملك فيصل بزيارة للأردن في العام 1966م، تجول في ربوع الأردن وزار المسجد الأقصى المبارك، وعبّر البيان الختامي عن التطابق في وجهات النظر والمصير المشترك، وقد نتج عن تلك الزيارة أن رسمت الحدود الأردنية السعودية بشكل كامل، وسمحت السعودية للصياديين الأردنيين بدخول المياه الإقليمية السعودية للصيد فيها".
وبيّن: "رابطت القوات السعودية جنباً إلى جنب مع القوات الأردنية على الأراضي الأردنية، فقد دخلت القوات السعودية على إثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ودخلت مرة أخرى في الحرب العربية "الإسرائيلية" الثالثة عام 1967م، وبقيت مرابطة في الأراضي الأردنية على خطوط الدفاع الأولى إلى العام 1975م، وقد انطلقت القوات السعودية من الأراضي الأردنية في العام 1973 للمشاركة في الحرب العربية "الإسرائيلية" الرابعة، وبعد انتهاء الأعمال الحربية في الجبهة السورية عادت لترابط على الأراضي الأردنية، وكان الجندي السعودي مثالاً للجندي العربي الأصيل الحرّ الذي يطلب إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة".
وواصل: "مواقف الملك خالد والملك فهد مواقف راسخة وثابتة تجاه الأردن؛ فقد التزمت السعودية، عقب مؤتمر بغداد عام 1979، بتقديم مساعدات للأردن بعد أن أقرّ العرب في هذا المؤتمر تقديم الدعم والمساندة لها، ولم توقف السعودية تلك المساعدات طوال تلك المدة، على الرغم من كل الظروف السياسية الصعبة التي عصفت بالمنطقة، وتجاوب الأردن مع دعوة الأمير/ الملك فهد للسلام في العام 1981م، مثلما تجاوب مع دعوة الأمير/ الملك عبدالله للسلام في العام 2001، في قمة بيروت، وأصبحت تلك المبادرة محوراً للدبلوماسية الأردنية، كما أنها محور للدبلوماسية العربية من أجل حل الصراع "الفلسطيني- الإسرائيلي" على أساس من العدل والحق، وهذا مما يدلل على عمق العلاقات الثنائية والتطابق في وجهات النظر، ووحدة الرأي لحل الأزمات العربية العربية والعربية والدولية".
واختتم: "كان لوصول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- إلى السلطة في المملكة، لحظة تحول تاريخية في العلاقات الثنائية، إذ كان خادم الحرمين الشريفين يكنّ للأردن مشاعر دافئة، ويقول المقربون منه إنها تعبير عن روح قومية تتملكه، وتقدير خاص لموقف الأردن الحساس وأهميته في المنطقة، وللملك عبدالله بن عبدالعزيز مواقف كبيرة وواضحة تجاه الأردن؛ فيوم رحيل الملك الحسين بن طلال كان أول من وصل للأردن لمواساة الأسرة المالكة والشعب الأردني في رحيل فقيدهم الكبير".