في ثمانينيات القرن الماضي عانى الاتحاد السوفييتي من أزمات سياسية داخلية واقتصادية جعلت هذا الاتحاد يكون كهلاً ثقيلاً لا يقوى على الاستمرار؛ مما أدى إلى انهياره في أواخر عام 1991. ووجدت روسيا الاتحادية نفسها الوريث الشرعي لهذا الاتحاد في ساحة القوى المتصارعة سياسياً وعسكرياً؛ لتحمل الإرث المثقل بالمشاكل السياسية والاقتصادية.
تفاقمت هذه المصاعب باستمرار حكم الحزب الشيوعي من خلال الرئيس السابق "بوريس يلتسن" الذي حكَم روسيا الاتحادية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وحتى عام 1999.
ولكن في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، ظهر جيل من قادة الصف الثاني في روسيا، الذين يرغبون في إيجاد نهج متكامل للنهوض بالدب الروسي والإفاقة به من سباته الطويل. يمكن أن يعكس لنا حزب "روسيا الموحدة" هذا التوجه في ذلك الحين؛ حيث إن هذا الحزب تم تأسيسه في عام 2000م باندماج أربعة أقطاب مؤثرة في الساحة الروسية، وكل تلك الأقطاب كان يجمعها هاجس النهوض بالدب الروسي اقتصادياً وعسكرياً في الداخل والخارج.
يحتل حزب "روسيا الموحدة" أكثر من نصف مقاعد مجلس الدوما الروسي منذ عام 2000؛ حيث حصل في كل الانتخابات التي جرت لاحقاً على الأغلبية، وأصبح يمسك بمفاصل الدولة الرئيسية، ويتناوب على رئاسة الدولة ومجلس الدوما قادة هذا الحزب منذ تلك الفترة. لا شك أن "فلاديمير بوتين" هو رأس الحربة في هذا الحزب، وإن كان قد أتى من داخل حكومة "بوريس يلتسن"؛ إلا أنه يحمل أفكاراً اقتصادية وسياسية مخالفة لـ"يلتسن" الشيوعي.
أما الشخص الثاني فهو "ديميتري ميدفيدف" الذي تناوَبَ مع "بوتين" تولي رئاسة الدولة؛ وتحديداً ما بين عامي 2008 و2012، وهو رئيس مجلس الوزراء الحالي، ورفيق "بوتين" في كفاحه لمقاومة الشيوعية، وهو رئيس الحملة الانتخابية لحزب "روسيا الاتحادية" منذ تأسيسه، وعرّاب التسويق الانتخابي للحزب.
الشخص الثالث هو "سيرغي شويغو" عمدة موسكو السابق ووزير الدفاع الحالي ومسؤول عن ملفات عدّة منها قضايا الشرق الأوسط، وهو في واقع الأمر مؤسس الحزب الذي كان دائماً ما يدعو إلى فك روسيا من الارتباط الشيوعي لتحرير الاقتصاد وحركة التنمية في فترة الرئيس "يلتسن"، وأصبح أحد خصومه السياسيين.
أما القطب الرابع فهو الأكبر سناً بينهم "بوريس غريزلوف" رئيس الحزب حتى عام 2011، والذي يضعه الغرب في قائمة الأشخاص غير المرغوب بهم؛ لدوره في التدخل الروسي في أوكرانيا، وهو المسؤول الأول حالياً عن الملف الأوكراني في الإدارة الروسية، ويلعب دوراً فاعلاً في إدارة الملفات الاقتصادية.
اليوم تَحَسّن الاقتصاد الروسي كثيراً، وأصبح الروس من أغنياء العالم، وشَهِدنا في السنوات الماضية كتابات متعددة وتحليلات متنوعة تدّعي أن الاقتصاد الروسي سيواجه أزمات حتمية؛ ولكن بَقِيَ الاقتصاد الروسي متماسكاً وأبدى صلابة قوية.
وعلى الصعيد الدولي تلعب روسيا دوراً فاعلاً في العديد من الأزمات الشائكة حول العالم، وتشارك عسكرياً لحماية حلفائها؛ فهل نجحت تلك الأقطاب الأربعة؟