
قيل عنه إنه من شدة شغفه بالعطاء والعمل كان "ينتهز فرص السفر بالطائرة لكي يلتقط أنفاسه وينام ويستريح بعض الوقت"؛ إبان رحلاته المكوكية بين دول ومدن العالم، ثم بعد ستة عقود من الإنجازات التي حققها للبنك الإسلامي للتنمية كأول رئيس له، بعيداً عن الأضواء يترجل الدكتور أحمد محمد علي المدني بلا ضوضاء، متوّجاً مسيرته وسيرته التي كانت رمزاً للنزاهة والإخلاص، بتكريمه ومنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى من يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في افتتاح فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية 31" برعاية "سبق" الراعي الإلكتروني الحصري للمهرجان.
حقق البنك الذي يضم 57 دولة حول العالم، في عهد إدارة "المدني"، مكانة مميزة؛ فتحول من مؤسسة مالية محدودة، إلى منظمة تنموية ذات حضور عالمي مؤثر، وبرغم ذلك لم يكفّ "المدني" ذو الـ(83) عاماً في حديثه لـ"سبق" عقب ندوة تكريمه التي جمعته أيضاً بالمكرمين الدكتور عبدالرحمن الشبيلي وصفية بن زقر التي أقيمت في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الإنتركونتننتال بالرياض، عن دعوته للشباب والشابات لاستثمار الفرص التي أتاحتها الدولة للنهوض بوطنهم وأمتهم.
وعبّر "المدني" عن فخره وسعادته الكبيرة بنيل الوسام، وقال لـ"سبق": "الحقيقة هذا شرف كبير لي أن أُكَرّم من قِبَل خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- وأن يتم التكريم أيضاً في يوم عظيم جداً بالنسبة لنا؛ افتتاح مهرجان الجنادرية التي أصبحت مَعلماً نعتز به في المملكة العربية السعودية، باعتبار أن الجنادرية تشارك بها الآن جميع مناطق المملكة؛ فهي الحقيقة رمز التعاون بين مختلف مناطق المملكة ومحافظاتها ورمز لتوحيدها".
وأضاف: "الجنادرية رمز لوحدة هذا الكيان الذي أسسه الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، ونرجو من الله للملك المؤسس المغفرة والأجر الجزيل للعمل الكبير الذي قام به والأسس التي أرساها لهذا الكيان ولتطوره ونهضته خلال 70 سنة الماضية"، ثم قال: "سعيد كل السعادة أن نعيش كل التطور والنجاح في مهرجان الجنادرية الذي يقام بتنظيم وبرعاية وزارة الحرس الوطني وتوجيهات وزيرها الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، ونسجل لهم كل الشكر والتقدير والثناء، ونشكر لكم أنتم في صحيفة "سبق" اهتمامكم وحضوركم لهذا المنتدى".
واستبعد "المدني" أن يَصدر من الشباب وهُم في سن الحيوية والعطاء، التأفف من العمل والإنتاجية والعطاء؛ قائلاً بتعجب: "أستغفر الله من العمل! أرجو ألا يكون ذلك!"، وتابع: "الحمد لله المملكة فتحت وأتيحت الفرص لجميع الشباب، والنهضة السعودية العظيمة التي نعيشها أتاحت لنا الفرصة جميعاً بعد أن كنا لا شيء".
وأردف: "الحمد لله النظام التعليمي وإدارة الدولة من القيادة إلى جميع المستويات كانت تعطينا الفرص التعليمية المختلفة من التعليم في مختلف مراحل التعليم داخل المملكة، ثم الابتعاث لمختلف جامعات العالم؛ فالدولة تمنح أبناءها وبناتها الفرص لتحقيق طموحاتهم"؛ مختتماً حديثه موجهاً دعوة للأجيال قائلاً: "نتطلع إلى جميع شباب وشابات المملكة أن يستفيدوا من هذه الفرص المتاحة لهم للنهوض وخدمة بلادهم".
وتَحَدّث الدكتور عبدالله صادق دحلان، عن "المدني"؛ مبيناً أنه كان سبباً في دخوله كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز؛ بعد أن أقنع والده الذي كان قد قرر إدخاله كلية الشريعة بجامعة أم القرى قبل خمسين عاماً؛ لافتاً إلى أن الجنادرية قد سنّت سُنة حسنة وخطوة رائدة من خلال قيامها بفكرة تكريم شخصية العام؛ حيث كرّمت قامات سعودية وعربية من أمثال: (حمد الجاسر، وعبدالكريم الجهيمان)، وهذا العام تُكَرّم شخصيات رائدة في مجالتهم؛ منوهاً بأنه عندما يُذكر التعليم يُذكر الدكتور "أحمد" أحد أعلامه، وعندما يُذكر التعليم الأهلي يذكر الدكتور "أحمد" أحد أعلامه، وعندما تُذكر الجامعات يُذكر الدكتور "أحمد" أحد أعلامها الذي كان أحد مؤسسي جامعة المؤسس، وعندما تُذكر البنوك الإسلامية يذكر الدكتور "أحمد" أحد أعلامها الذي أسس البنك الإسلامي للتنمية.
وأوضح "دحلان" أن "المدني" قد وسع مفهوم التنمية الاقتصادية في البنوك وخاصة بنك التنمية الاقتصادية؛ فأسس المعهد الإسلامي للبحوث والدراسات، وكذلك المؤسسات الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، كما كان يطبق مبدأ "خير الناس أنفعهم للناس"، كان لديه قدرة كبيرة على التواصل مع الناس، كان يهدف إلى أن يجعل الصيرفة والبنك الإسلامي إلى التقدم والصدارة، ودعم أسباب تنمية المرأة، وكذلك تطوير القطاع الخاص؛ مبيناً أنه تَرَجّل بعد (42) عاماً بعد أن قدّم للأمة مؤسسة إسلامية كبيرة تخدم جميع دول العالم.
يُذكر أن "المدني" الْتحق بجامعة القاهرة، وحصل على بكالوريوس التجارة في 1957، وليسانس الحقوق في 1959، وسافر للدراسات العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ حصل على ماجستير الإدارة العامة من جامعة ميتشجن في 1962، ثم الدكتوراه في الإدارة المالية من جامعة نيويورك في 1967، ومن ثم التحق بالعمل، وتَقَلّد مناصب بوزارة المعارف، ورئيساً لجامعة الملك عبدالعزيز بالنيابة، ووكيلاً لوزارة المعارف للشؤون الفنية؛ فرئيساً للبنك الإسلامي للتنمية، ثم أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي.
ثم عاد مرة أخرى لرئاسة البنك الإسلامي، وقد اتسعت أهداف البنك في عهده لتشمل أعمال الإغاثة والعون.. ومن أعظم ما أنجز في هذا الصدد، مشروع الاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي؛ وذلك بنقل ما يزيد على نصف مليون ذبيحة سنوياً، إلى المحتاجين في أرجاء العالم الإسلامي، بعد أن كانت تُبدد في موسم الحج؛ فيما أطلق البنك في 2007 مشروع صندوق مكافحة الفقر، برأسمال قدره 10 مليارات دولار؛ لدعم الدول أعضاء منظمة العالم الإسلامي، الأقل تطوراً والأكثر فقراً.
مُنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام؛ تقديراً لإنجازاته الكبيرة المتمثلة في: إدارة البنك وفقاً لأحكام الشريعة، ودأبه على تنمية العلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية، وإنشائه محفظة البنوك الإسلامية، وحصص الاستثمار، وجائزة البنك لبحوث الاقتصاد الإسلامي.