بلغاريا.. لماذا يتجول معلمو الشيوعية بقناني الماء في المدارس في رمضان؟

#سبق_في_البلقان: اسمك محمد أو أحمد؟.. استعد للسجن
بلغاريا.. لماذا يتجول معلمو الشيوعية بقناني الماء في المدارس في رمضان؟

صوفيا ( تصوير: عبدالملك سرور): "الزمان: صباح يوم قارس البرودة أثناء فترة الحكم الشيوعي في بلغاريا. المكان: إحدى المدارس.. عدد من المعلمين الشيوعيين يحملون قناني الماء ويتجولون بين الطلاب للبحث عن الصائمين من أبناء المسلمين لإجبارهم على الإفطار. البعض يكتشف أمره ويجبر على الإفطار والبعض الأخر يضع أي شيء في فمه ويواصل مضغه لتفادي نفس المصير".

ينتـظر المسلمون في بلغاريا - كغيرهم من المسلمين - قدوم الشهر المبارك. حيث يتراص أفراد الأسرة أمام شاشات التلفاز للإعلان الرسمي للرؤية مرتبطين بالتقويم التركي. صلاة التراويح والقراءة المكثفة للقرآن الكريم والافطار الجماعي مظاهر ثابتة بل والاحتفال بدخول الشهر يتخذ مظاهر عديدة تتصدرها أكلة رمضانية شهيرة تسمى "ترنة" غنية بالسعرات الحرارية يقولون إنها تساعدهم وتمدهم بالطاقة.
 


- بلغاريا:
دخلت بلغاريا تحت الفتح الإسلامي منذ قرابة ستة قرون على يد السلطان مراد الأول. برغم وجود روايات تشير إلى أن أول من أدخل الإسلام إلى صوفيا هو أبو أيوب الأنصاري. لكن التسجيل الغالب يشير إلى أن ذلك حدث عام 774هـ وأستمر ما يربو على خمسة قرون حيث ضعفت الدول العثمانية وتحديدا عام 1912م بداية موجات الانتقام الأسود ضد المسلمين  من قتل وحرق وكافة أصناف التعذيب والتهجير.
 

- أحوال المسلمين:
أحوال المسلمين في بلغاريا متباينة ومختلفة ولكنهم في النهاية أقلية. يقول لـ "سبق" مفتي عام بلغاريا د. مصطفى حاجي وهو من البوماك (القومية البلغارية الأصلية): "ولدت في بلغاريا عام 1962م ووقتها وما دمت مسلما فأنت ممنوع من السفر للخروج لتعلم العلوم الإسلامية".

الصور التي اختصرها لنا المفتي "حاجي" تعطي إطارا واضحا لوضع المسلمين في بلغاريا فقد عانوا من حملات تنصير غير إنسانية وكان يتم تهديدهم بالقتل يوميا وتخييرهم تحت السيف إما التنصير وإما الموت. وهو ما يصفه ".حاجي" " بأن هناك من يتنصر بلسانه ـأخر يتماسك فيقتل وكثيرون يصلون ويصومون سرا".
 
- تاريخ أسود:
القصص كثيرة خصوصا عندما اجتاح القياصرة بلغاريا عام 1912م واعتقلوا الأئمة والشيوخ وإما الموت وإما التحول لقساوسة ومسيحيين. يقول "حاجي": " جدي كان من المحظوظين الذين تمكنوا من الفرار. لولا جدي لكنت قسيسا!. القتل طال المسلمين الأتراك بالقرب من سواحل البحر الأسود والمسلمون التتار قرب رومانيا بالإضافة للـ(البوماق) وهم شعب بلغاريا الأصلي. حاليا عدد المسلمين يقارب المليون والنصف.

مارس القياصرة ثم الشيوعيون من بعدهم أبشع أشكال القتل والتنكيل وتذويب الهوية ضد المسلمين. يقول"حاجي": ما حصل معنا يفوق نظيره من مآسي جميع مسلمي منطقة البلقان حتى البوسنة. منها تحويل المساجد إلى اسطبلات للخيل وهدمها ومنها 81 مسجدا أثريا. ولم يبق سوى مسجد واحد في العاصمة صوفيا يسمح فيه لزوار بلغاريا من رؤساء الدول الإسلامية بأداء الصلاة".
 
- هل اسمك محمد؟

مضيفا:" من مظاهر القمع وتذويب الهوية ما قام به الشيوعيون من الإجبار على تغيير الأسماء. فمثلا لو اسمك محمد أو أحمد فإما تقوم بتغييره فورا أو تسجن ما بين سنة إلى خمس سنوات وهو ما قاومه المسلمون وفي النهاية اضطر قرابة 2 مليون مسلم للنزوح إلى دول أخرى خاصة مع تصعيد ما عرف بـ (حملات الإبادة الحمراء)".
 


- تحسين الصورة:
مع انهيار الشيوعية انضمت بلغاريا إلى الاتحاد الأوربي في 2005م، وحدث تحسن واضح انطلاقا من سعيها لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي خاصة مع قيام العديد من المسلمين برفع دعاوى قضائية أمام محكمة حقوق الإنسان الأوربية للحصول على حقوقهم. حيث عانى المسلمون من حملات شعواء فبدأت الحكومة في تحسين التعامل معهم.
 
- شأن داخلي..لماذا؟:
   بلغاريا اعتبرت الأمر "شأنا داخليا" في الرد على المطالبات من دول إسلامية ومنظمات إقليمية. لكنها اضطرت لسوء الوضع الاقتصادي ولتحسين صورتها أمام أوربا وأيضا لجذب استثمارات عربية وإسلامية لدعم الاقتصاد البلغاري. كما وافقت على السماح بقيام (حزب الحقوق والحريات) لتبني قضايا مسلمي بلغاريا سعيا لرفعها من قائمة "حظر" منظمة التعاون الإسلامي، وتطبيقا لقرار باستقلال المؤسسات الدينية طبقا لمعايير الاتحاد الأوربي".
 


- اعتداءات وقوانين:
  في 20 مايو 2011 م في مركز صوفيا والمسلمون يؤدون صلاة الجمعة تعرضوا لاعتداء صارخ من قوميين بلغار أتلفوا المسجد وعند رفع قضية تم قيدها بشكل غريب ضدهم!".
 

وهذا أمر يقول عنه د. حاجي -الذي يتحدث لأول مرة لوسيلة سعودية: "هنا يربطون الإسلام بالأتراك ويرون أن المسلمين حكموا لخمسة قرون بالرغم من أن 95% من الكنائس بنيت في زمن الأتراك. هناك أيضا قوانين أخرى مثل قانون الأديان ويتضمن منع المسلمين من تلقي أي مساعدات خارجية ولا إحضار أي مشايخ من الخارج. أيضا هناك مقترح لقانون النقاب ويمنعه ويمنع أيضا الحجاب!! وقد قلنا رأينا أن الحجاب ليس فقط رمزا إسلاميا بل فرض وواجب وجزء من ديننا". نحاول جاهدين نقل هذه المشكلة إلى البرلمان الأوربي.
 
- 36 نائبا:
  وبرغم تنفيذ مظاهرات ووجود 36 نائبا مسلما في البرلمان من أصل 240 إلا أنه لم يتم شيء. يضيف:" اعتبره سراً إذا قلت لك أننا كمسلمين درسنا العلوم الإسلامية هنا وسرا على يد بعض المشايخ. شخصيا سنحت لي فرصة إلى الأردن وخرجت بشهادة من جامعة اليرموك 1997م عدت لبلدي وانتخبت مفتيا للمرة الثانية عام 2005م وما زلت بعد الماجستير أدرس الشريعة الإسلامية بالمعهد الإسلامي في صوفيا".
 

 


- جهل بتعاليم الإسلام:
وعلى مسار آخر يكشف "حاجي":" هناك جهل عميق بأسس تعاليم الإسلام لدى العديد من معتنقيه حتى أنه يقول:" نسأل بعضهم عن مكان القبلة فيقولون في تركيا!. وبعضهم يجهل عدد الصلوات لذا نقوم بتكثيف الدورات والدروس الدينية وفق قدراتنا. الحمدلله هناك تحسن كبير وازداد عدد الشباب المقبلين على المساجد وأعلى رقم وصلنا له 1300 مصل. والحمدلله هناك أكثر من 615 حلقة تحفيظ للقرآن الكريم، هناك  أكثر من 300 مصلى في مدن بلغاريا".
 
- دعم سعودي:
من الجهات الحاضرة في المشهد الدعوي الإسلامي في بلغاريا جامعات سعودية مثل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة أم القرى. ومن مصر جامعة الأزهر وجامعات من دول أخرى مثل الأردن وتركيا. وهذه الجهات تستقبل طلابا بلغاريين للدراسة بها.
 
يقول د. "حاجي" : العلاقات تطورت مؤخرا ونتلقى دعما لوجستيا وفنيا فاعلا ومن مظاهره مراجع ومصاحف ترجمت معانيها إلى اللغات البلغارية والتركية.
 
مضيفا:" المسلمون في القرى أحسن حالا. وهناك صعوبة كبيرة في شراء المسلم البلغاري الأرض لبناء المساجد والتسهيلات من البلدية غير مشجعة. ولك أن تتخيل أن تصريحا طلبناه من 14 عاما لم نحصل عليه بعد. بفضل الله وحمده لدينا خمسة أماكن لصلاة الجمعة في صوفيا العاصمة وثلاثة مصليات بالضواحي".
 
الدعم الخارجي لدار الإفتاء في بلغاريا تساهم به عدة جهات. يوكد "حاجي" أن المملكة العربية السعودية تأتي في مقدمتها. الدولة البلغارية أغلقت كل المؤسسات والجمعيات الخيرية بالإضافة لجهات تركية". وبفتح السفارة السعودية سيكون هذا العام أول موسم حج بتأشيرات من هنا بعد أن كان الحصول عليها من اليونان".
 


- إشكاليات عديدة:
دار الإفتاء في صوفيا تواجه إشكاليات عديدة فهي مؤسسة ليست حكومية وتلجأ للتبرعات لتتمكن من دفع رواتب الأئمة الذين يفوق عددهم 1200 إمام في 1500 مسجد ومصلى.
 
وعلى قائمة الاحتياجات تأتي أمور عديدة مثل "إرسال طلبة العلم إلى المملكة وبناء وترميم المساجد وترميم الأوقاف حيث تعد الأخيرة مهمة جدا وكذلك الحاجة لأراض للمشاريع الإسلامية".
 
مضيفا:" أعتقد كل ما سبق يضع في أعناق مسلمي العالم ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمؤسسات الخيرية "مسؤولية تقديم يد العون لمسلمي بلغاريا الذين يواصلون تمسكهم بدينهم رغم أخاديد الإذابة والصهر التي نصبها الشيوعيون لهم على مدار أكثر من أربعين عاما".
 
___________________
*   " مفتي بلغاريا د. مصطفى حاجي" ومع تهيئة هذا التقرير للنشر صدرت -له- موافقة كريمة من المقام السامي السعودي على استضافته بصفته المفتي العام لمسلمي بلغاريا ومرافقيه خلال شهر شوال لأداء مناسك العمرة وترتيب برنامج له من قبل وزارة الشؤون الإسلامية وذلك بمناسبة اعاده انتخابه مفتيا عاما لمسلمي بلغاريا لمدة أربع سنوات".
 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org