بين لماذا؟ ومن أين لك هذا؟؟

بين لماذا؟ ومن أين لك هذا؟؟

أظن أن خيطًا رفيعًا (قد يكون هلاميًّا) بين من أين لك هذا؟ ولماذا لك هذا؟ فتلك تقود لهذه!! وربما إحداهما تفسر الأخرى (من ولماذا).. وأرجو ألا يصلا بنا لنتيجة المثل القائل: (بين حانا ومانا ضاعت لحانا)، لكن الضائعأكثر من ذلك بكثير، أكثر من لحى قد تنبت بالكف عن حلقها! فحين تسأل أحدهم ممن نتأ حاله للأعلى، وتيسر وضعه، ورغد عيشه؛ فصار هانئًا، مثلاً: من أين لك هذا؟ستتسع دائرة السؤال؛ ليصبح أكثر عمقًا: لماذا (من الأصل) يكون لك هذا؟ أي عمل استثنائي قمتَ به دون غيرك من العالمين يجعلك تستحق (ما بلعته) دونهم؟ فالسماء لا تمطر ذهبًا!

وعندما تلوح نوايا الفساد، ومع سبق الإصرار والترصد،ثم تظهر النتائج على الأفراد، يكونون قد انتقلوا لمرحلة التطبيق، وانتهى الأمر بالنسبة لهم في ذلك المستنقع، واستطعموه تمامًا، لكننا على الأقل نحكم في حدود ما يظهر لنا؛ فما يبدو يعتبر حقيقة، وخافي النوايا والأعمالعلى رب العباد سبحانه.

لعل أكثر ما يوجع من حال أولئك المفسدين - عافانا الله تعالى مما ابتلاهم به - ربما أكثر من المجاهر بالسرقة من المال العام، أو الذي يعترف لنفسه (على الأقل) بأنه يرتكب إثمًا حرامًا، هو ذلك الذي يجد المبرر لنفسه بالنهب، ويحور الحرام؛ ليصبح حلالاً في نظره؛ فهذا يقمع البقية الباقية من ضميره؛ ليرتاح ويهنأ.. وكذلك الذي يعتبر التجاوزات والفساد والسرقات شطارة(وفهلوة)؛ لا بد أن يمتهنها ويستغلها قبل أن يفقد منصبه أو وظيفته!!

لذلك فمكافحة الفساد تستوجب أن تنبع من ضمير حيأكثر من مجرد وظيفة! لنحصل على شفافية استثنائية، تظهرها محاسبة ضرورية، خاصة في هذا الوقت بالذاتأكثر من أي وقت مضى، رغم أهميتها على كل حال!!

وويل لمن ضيَّع الأمانة!!

وويل لمن يتكسب من وظيفته من غير راتبه الشهري أو بطرق غير مشروعة.. ولن نشير بأصابع الاتهام لكبار الموظفين فقط، بل حتى لصغارهم أيضًا ممن يجمعون الفتات حتى يصبح كومة؛ وبالتالي ينتقل حالهم للأفضل كما يعتقدون، وقد تساقطت مبادئهم، وأصبحوا في خانة المفسدين ولو بمجرد السطو على أعمال زملائهم، والاستئثار بها بطريقة ما.. حتى التملق للمديرينوالمسؤولين يُعتبر من الفساد، وليس تساقط المبادئ النبيلة فحسب!

كثيرًا ما أقرأ عن القانون الغربي الذي يوجب على المسؤول قبل توليه منصبه أن يقدِّم كشفًا بممتلكاته؛ لتتم المقارنة والملاحظة قبل وبعد توليه منصبه؛ فيردعه ذلك عن التكسُّب من وظيفته! بمعنى، يعينونه على كبتشهوة المال والرغبة في استغلال سلطته ووظيفته لمصالحه الشخصية، أو أحد أفراد أسرته.. وقد سبقهم جميعهم رسولنا الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -، ومن ذلك عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: (استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأزد، يُقال له ابن اللتبية، على الصدقة، فلما قدم قال:هذا لكم، وهذا أهدي لي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر يهدى له أم لا؟! والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحد منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر". ثم رفع بيده حتى رأينا عفرة إبطيه: "اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت" ثلاثا).

نسأل الله تعالى أن يصلح حال المسلمين.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org