تاريخنا في الترفيه وواقعه الصعب!

تاريخنا في الترفيه وواقعه الصعب!

ككل الأشياء التي تطوَّرت في بلادنا بتسارع غريب (ليس في كلها تطورٌ جيدٌ على أية حال!!)، من بينها يجيء الترفيه للأُسر في الإجازات المدرسية تحديدًا. فالعائلات المستطيعة تطورت في ترفيهها من رحلة لربوع السودة وبساتين الطائف إلى رحلة ماتعة ميسرة، حيث شوارع لندن وضواحي سويسرا مرورًا بشواطئ ماليزيا وأسواق دبي والبحرين فيما بينها.. هكذا نتأت فكرة السفر للخارج كأرقى ترفيه يمكن أن يُخطَّط له ويباهَى به في سنوات قليلة، حتى أنه بدأ يشيع بين الأسر غير المستطيعة أيضًا! المهم، أصبح لدى الصغار ما يمكن قوله في حصة التعبير (التي كانت!!)، وهي التي تلي كل إجازة من قبيل: أين قضيت الإجازة؟ أو كيف قضيت الإجازة؟ وأكاد أجزم أن أجيالاً متعددة مر بها هذا السؤال، الذي يكون في العادة محرجًا للذين لا يجدون في إجازاتهم شيئًا مميزًا يمكن أن يقولوه ويكتبوه!
ولأن الأمر دخل في دائرة المنافسة والاستعراض، والتقليد الموجع، والمقارنة الخاسرة مع الآخرين.. انتقل لدائرة الضرورة القصوى لدى البعض؛ فتورطت بعض الأسر، وأثقلت ميزانيتها في ديون غير مبررة لأجل متعة السفر الوقتية، وأُرهقت بتسديد قروض، قد تمتد سنوات عدة!

وقد اختلطت أهمية الأشياء، الضروري منها وغير الضروري، وأصبح توفير أو تدبير مصاريف السفر بأي طريقة في رأس الهرم لدى البعض!

حين سألتُ إحدى الأخوات "كيف دبرتِ مبلغ السفر لماليزيا؟"، أجابت بارتياح بأنها وفّرت المبلغ من خلال جمعية مع الصديقات. وبالطبع ستظل مرتبطة بسدادها أشهرًا عدة. ومع ضغط الأبناء ومقارناتهم مع
الآخرين تجيء القرارات غير المدروسة في ميزانية الأسرة السنوية. تقول محدثتي: لا أحب السفر، لكن ابنتي الشابة جاءتني تبكي بكاء مُرًّا، وتستعرض (سنابات) زميلاتها، وتقول "انظري للعالم كيف يقضون إجازاتهم"!

لكن هل الترفيه بهذه الشاكلة ترفٌ أم ضرورة؟ بل في هذه الظروف الاقتصادية التي نمر بها، وحالة التقشف المتطلبة بشكل عام؟! حتى لو نتأ سؤال من بعضنا بطعم المرارة: لم نكن لنفيق على النعمة حتى وجدنا أنفسنا نُدعى للتقشف؟! لكن هكذا هو الحال، نسأل الله تعالى العافية..

الحقيقة التي لا أحد ينكرها أن الجميع يحتاج إلى الترفيه والترويح، لكن أن تمد قدميك خارج لحافك فسيكون ذلك مرهقًا وغير منطقي. وليس بالضرورة أن يكون الترفيه واحدًا شاملاً لكل أفراد الأسرة؛ فلكلٍّ
ميوله ومتعته التي ينبغي أن تُعزَّز حسب دخل الأسرة. كما أن خيار الأسواق والمطاعم مع ما فيها من مغريات الإنفاق غير المخطط له، وتكاثرها اللافت، ينبغي ألا يكون الخيار السهل. وثقافة الأكل كمحور رئيس في الترفيه يجب أن تتبدل؛ لتصبح ثانوية أكثر منها أساسية.. ومرأى الناس يتزاحمون فيه، وكأن لا أحد في بيته، خاصة في ساعات الذروة، اعتياد لا بد أن يعاد النظر فيه أيضًا، ويُبحث عن بديل أسلم!

لكن وقد أقبلت هيئة جديدة معنية بذلك، أو يفترض أن تكون كذلك، وهي التي لم تكن من قبل، تشعرك بأنها تقول: شمروا عن سواعدكم، ومرحبًا بما في جيوبكم.

نحتاج من الهيئة أن يكون ترفيهنا منها في هذا الوقت بالذات بأقل التكاليف، أو بالمجان، ويُرضي جميع الأذواق، لا أن يؤذيها.. ولا بد أن يخرج من دائرة الكسب السريع كما هي العادة لدى القطاع الخاص الذي لا يقدر عليه إلا الأثرياء. لا بد لمتوسطي الحال من ترفيه، يكون في متناولهم، ولا "يخرم" جيوبهم، ويصبح همًّا أكثر منه متعة! لا بد أن نتذكر الذين لا يقدرون على تكاليف الحياة، أو الذين نراهم (مثلاً) يفترشون البر القريب بجانب الطرق السريعة، وقد اتكأ رب الأسرة على سيارته القديمة برفقة زوجة، أدارت ظهرها للمارة، وصغار يركضون خلف كرتهم.

ماذا ستفعل لهم الهيئة الجديدة؟

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org