تنشئتنا السياسية: معنى أن تربي الأسرة سياسياً

تنشئتنا السياسية: معنى أن تربي الأسرة سياسياً
تم النشر في

الإسلام جاءنا ديناً متكاملاً وشاملاً، لم يهتم بعنصر من حياتنا ويهمل الآخر، بشّرنا به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي احتاج فيه إلى الوقت حتى يقيم دولة إسلامية، عمادها القرآن الكريم والسنة النبوية، والعنصر الأساسي فيها -بعد الإيمان بالله ورسوله- طاعة ولي الأمر، ومن هنا تم وضع اللبنة الأولى من مفاهيم: الولاء والبراء، في الإسلام.

لا أريد أن أتحدث عن الغزو "التطرفي" الذي نعاني منه في الوقت الحالي؛ فأنا متأكدة تماماً أن كلاً من الباحثين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الاجتماعي والوطني والسياسي، قد أفاضوا فيه حديثاً وكتابة وتوضيحاً للقارئ؛ لأننا كلنا أبناء وطن واحد، نفرح لفرحه ونتألم لألمه، ونموت سوياً لأجله بلا خوف أو تردد؛ لكن أريد أن أعيدنا نحن كقراء إلى أنفسنا وإلى ذواتنا، إلى ماهية تشكّلنا "السياسي" و"الوطني"، الذي نشأنا عليه، وأقمنا عليه أنفسنا بين الآخرين في داخل وطننا وفي خارجه، كما أود الحديث عن كيفية وآلية صناعتنا السياسية وأفكارنا السياسية، التي تسير متوازية مع الفكر السياسي والثقافة السياسية لدولتنا المملكة العربية السعودية، ومن الذي يصنعها لنا؟

وكيف هو ذلك التشكيل والتدوير في الوقت الحالي وفي جذوره السابقة؟

وهل نشعر بأنه يتم تنشئتنا سياسياً -منذ صغرنا- على أن نوحد الله أولاً ونطيع نبيه ثانياً وولي أمره ثالثاً، كمختصر لمفهوم "التنشئة السياسية" الذي يريد توضيحاً؟

في دائرة المعارف الدولية للعلوم الاجتماعية يعرّف "جرنستين" التنشئة السياسية بأنها: التلقين الرسمي وغير الرسمي، المخطط وغير المخطط للمعلومات والقيم والممارسات السياسية وخصائص الشخصية، ذات الدلالة السياسية؛ وذلك في كل مرحلة من مراحل الحياة، عن طريق المؤسسات المختلفة في المجتمع.

وبطبيعة الحال كل فرد منا هو "سياسي" عليه أن يهتم لسياسة دولته أولاً، ويكون مواطناً حاذقاً يفهم كل ما يحيط بدولته، وكل ما تُواجه دولته من مخاوف أو عداوات متفاوتة من رعاع القوم ودنيئهم.

إن المواطن يتشكل سياسياً بشكل جيد، عندما يتشكل اجتماعياً بشكل جيد، والمواطن الاجتماعي يشكله العديد من المؤسسات المحيطة والتي كانت تحيط به منذ صغره؛ سواء كانت هذه المؤسسات رسمية بطبيعة ظروف التطور والتغير الثقافي والاجتماعي كالمدرسة والجامعة، أو المؤسسات غير الرسمية كالبيت ممثلاً في الأسرة والمسجد والإعلام وغيرها.

علينا أن نفهم أن على الأسرة عبء أن تقوم بمهمة "التنشئة السياسية" لأبنائها منذ نعومة أظفارهم، ولا ترمي هذا العبء على المدرسة أو المسجد أو على جماعة الأصدقاء والرفاق؛ لأنها إذا ما قامت بذلك فهي تؤدي رسالتها التربوية الأسمى في حياة أبنائها؛ لأن ابن الأسرة الواحد هو جزء لا يتجزأ من الوطن، وأحد أهم أفراده في الوقت الحالي أو المستقبلي.

إن عملية التثقيف السياسي الذي تقوم به الأسرة تجاه أبنائها منذ صغرهم، هي عملية سهلة وميسرة عندما يفهم الوالدان ويستوعبان مدى أهمية أن تقوم الأسرة بهذه العملية، قبل أي مؤسسة أو منظمة أخرى، وبالأخص عندما نتحدث عن ذلك في ظل الظروف الراهنة؛ لأن الابن سوف يفهم تاريخ وطنه من خلال ما يتم سرده عليه من والديه، وسوف يستوعب ما هي أهمية الوطن حالاً من خلال الأحاديث التي تسري بين والديه وبين أخوته، وبالتأكيد سوف يتيقن هذا الابن أن عملية التنشئة السياسية هي مرحلة قد بدأت معه منذ صغره، من خلال عرض تاريخ وطنه له والحديث عن الوطن وأحواله بشكل مستمر أمام الأبناء وبكل شفافية، تحمل الحب والخوف والانتماء؛ فنحن لا نعيش في مجتمع صراعي أو رأس مالي -لا سمح الله- بل نعيش في مجتمع متصالح وشفاف، لم نعهد عليه ومنه سوى تطبيق الشريعة الإسلامية؛ معتمداً على القرآن الكريم والسنة النبوية؛ فلا خيانة ولا تدليس ولا تحارب أو تخوين.

إن المجتمع الذي تسود سياسته الديمقراطية كمجتمعنا ودولتنا -لله الحمد والمنة- تكون عملية التنشئة السياسية فيه أكثر سهولة من غيره، وأكثر وضوحاً وتطبيقاً؛ بل إن هذا المفهوم يظل من الضروري بمكان؛ لأنه لا يرضى لأفراده عدم الفهم لتاريخه وواقعه ومستقبله؛ لذا أرى بأن العملية الآن ميسرة لكل أب وأم بأن يقوموا بتلك العملية، وأن يحفزوا أبناءهم على أن يسألوا عن وطنهم كثيراً؛ في الوقت الذي نجيبهم بمشاعر كلها وطنية وحب وانتماء، كذلك العملية ميسرة لكل أسرة بأن يقدموا لأبنائهم الواقع الوطني، وما يحتاجه الوطن الآن وما لا يقبله في الوقت الحالي؛ لتحفيزهم على أن يقدموا ما يريد لأجلهم قبل أن يكون لأجله، وأن يبتعدوا تماماً عن كل ما يسيء له ويعاديه ويناهضه؛ لأن ذلك في بداية الأمر سوف يكون معادياً ومناهضاً لهم كأفراد وكأسر.

والتنشئة السياسية في دولتنا المملكة العربية السعودية، نجد أنها سهلة ميسرة أولاً وأخيراً؛ وذلك لسبب وجيه، وهو أن الإسلام هو المحرك لها، وهو الذي يشكل أنساقها سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ فالإسلام في دولتنا هو مَن يوجه كل توجهاتنا سواء السياسية؛ من خلال إقامة كل الأحكام السياسية وما يرتبط بالحكم على مبادئ الشريعة الإسلامية، أو من خلال تشكيله لتوجهاتنا الاجتماعية؛ من خلال سعي مجتمعنا على أساس ذلك لتحفيز مبادئ الأخوة والمساواة، أيضاً يساهم في تشكيل ثقافتنا من خلال اهتمامنا بهويتنا السعودية وتمسكنا بوحدة اللغة والدين والتاريخ، واهتمامنا به وتمسكنا بثقافتنا، كذلك توجهاتنا الاقتصادية وكيف يساهم في عملية تشكيل مجتمعنا اقتصادياً على مبادئ العدل والمساواة والتضحية والإيثار والعمل التطوعي المؤسسي.

كل هذه العناصر الأربعة؛ من المستحيل أن يتم إصلاحها دون أن تكون مؤسسةً على أساس الدين الإسلامي، والذي تعتمد عليه دولتنا في تأسيس وإصلاح جميع أنساقها وأمورها، وهذا مما لا شك فيه يجعل عملية التنشئة السياسية أيضاً مهيأة بشكل تام للأسرة، عندما تؤمن تماماً بأن صلاح تلك العملية، يأتي من خلال الإيمان التام بأن الدولة تؤمن جميع العناصر الأساسية للمجتمع على أساس من الشريعة الإسلامية.

يحتاج الأب والأم إلى تغذية أنفسهم وأبنائهم على القيم الوطنية، وعلى تفعيل الممارسات التي تعكس قيم الوفاء والحب والولاء للوطن ذات الدلالات السياسية الواضحة للأبناء؛ على أن تنعكس على شخصيات أبنائهم منذ صغرهم، وتستمر معهم في تنشئتهم الاجتماعية وتعاملاتهم المختلفة طوال مراحل حياتهم، حتى لا يثقوا بنسبة كبيرة بأن أبناءهم ليسوا عرضة بشكل سهل لأي أحد بأن يستغل ثقافتهم السياسية أو تنشئتهم السياسية؛ لأجل تغذية وتحقيق أهدافه الدنيئة المناهضة للوطن وللدولة وللأرض الحبيبة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org