حائل.. رجال الأدب ينعون "عاشق الهذال" ويغزلون مواقفه المؤثرة والحرجة

مآسٍ عزّزت هاجس الموت بوجدانه إلا أنه ظل يعيش بروحٍ نبيلة مع نفسه والناس
حائل.. رجال الأدب ينعون "عاشق الهذال" ويغزلون مواقفه المؤثرة والحرجة

نعى أدباء ومحبو الأدب في حائل، الأديب والقاصّ، عاشق بن عيسى الهذال، أول رئيس لجمعية الثقافة والفنون بحائل عام 1414هـ، الذي توفي الخميس الماضي 16 رجب 1438هـ.

وقال عنه مشرف الحوار الوطني في منطقة حائل الإعلامي علي حمود العريفي: إن عاشق عيسى الهذال يُعتبر من الرموز الأدبية في حائل، الذي عُرف بالكلمة المؤثرة خلال حياكته للقصة.

وأضاف: "لقد جسّد الأديب الراحل الموروثَ الثقافي في حياة الأباء والأجداد التي استمدها من النمط الاجتماعي في بيئته؛ سواء في الحجاز حيث عمله، أو في الشمال حيث نشأته وحياته بعد تقاعده؛ مؤكداً أن طابع حياة الحارات القديمة، قد شكّل لدى الراحل أسلوباً وصفه "العريفي" بـ"السهل الممتنع"، عندما تقرأ بعض صفحات قصصه.

وعن إدارة الأديب "عاشق" ورئاسته لجمعية الثقافة والفنون بحائل منذ 1414هـ حتى عام 1419هـ؛ أكد "العريفي" -الذي عَمِل عضو مجلس إدارة في الجمعية وقتها- أن الراحل محبّ لعمله الذي يستغرق منه الوقت الكثير، آنذاك؛ بسبب شح الموارد ونشأة الجمعية الضعيفة.

وتابع: "كلّفني بالإشراف على لجنة المسرح وقتها، وكان يوفّر لنا ما يحتاجه المسرح ولو كلّفه ذلك وأثقل عليه؛ فكان دائماً ما يشجع في اللجنة حب العمل، وأن يبقى مسرح حائل من أفضل المسارح في المملكة وقتها"؛ مشيراً إلى حب أعضاء اللجنة للمسرح منذ عام 1414هـ وحتى 1419هـ، ورسّخ من ذلك الوقت حتى الآن.

وقال عنه مدير مكتب جريدة "الرياض" سابقاً فهد السلمان، الذي لازَمَ "الهذال" فترة من الزمن: "لن أتحدث عن عاشق الأديب؛ فأعماله مطروحة ومتاحة للجميع؛ لكني سأقول عن عاشق الإنسان، عاشق الطيبة والبساطة، عاشق تلك الروح النبيلة التي كثيراً ما تتخطى ذاتها برغم آلامها لتشعر بالآخرين، هذا الرجل الذي عاش ومات مثل طيف شفيف، هذا العروبي حتى النخاع الذي يتأبى أن يدوس أحدٌ على طرف رمزيتها في جمال، ويحلم ألا يجد ضابطاً على بوابة بغداد يتفحص جوازه بشبهة ويقول له: ''يابا كل عاشق مفلس''.

وأضاف: "كان حلمه أن تتوسد بيروت ذراع القاهرة، وأن تتسامر الرياض ودمشق في شارع الرشيد في بغداد، عند هذه النقطة ينتهي سطر أحلامه التي تحطمت مرتين".

واستعرض "السلمان" بعض المواقف الحرجة والصعبة التي مرت على "الهذال"؛ حيث قال: "تحطمت أحلامه مرتين؛ مرة حين مات رفيق دربه وحبه صالح العلي؛ فانكسر فيه جناح، وأخرى حين مات توأم روحه فهد العريفي؛ فانكسر جناحه الآخر؛ ليعيش بلا أي قدرة على التحليق.. وبرغم هذه المآسي التي عززت هاجس الموت في وجدانه؛ فإنه ظَلّ يعيش بروحه النبيلة في صلح مع نفسه ومع الناس، وهو الذي لا يعرف للعتاب مذاقاً حتى مع مَن يقصّر في حقه.

وعن أخلاقه، أضاف: "حين يعاتبك؛ فإنه يفعل ذلك بودّ دون أن يترك لك فُسحة للإجابة؛ وكأنه يريد أن يعفيك من حرج الأعذار والذرائع المتهافتة، نفسه النقية طهرت روحه، وشفته من الأمراض؛ هكذا أعتقد".

وأوضح: "مَرِضَ قبل سنوات، وتعطلت كليتاه عن العمل، وخضع للغسيل؛ لكنه شُفِيَ بنقاء قلبه، وصفاء علاقته بالله -لا أزكيه- لكني أحيل لطف الله به إلى بياضه؛ لأني أؤمن بعفو الكريم".

وعن رحلته المرضية نفسه هو وابنه عبدالسلام، قال عنها "السلمان": "قال لي ذات مرة: إنه لا يشعر بآلام جسده؛ لكنه يتألم لتعب ابنه عمر الذي رافقه بكل البِر في رحلة المرض، وكل رحلات ومحطات حياته".

وبيّن: "شُفِي (أبو عبدالسلام)، وتخلص من غسيل الكلى، وعاش بعدها ست سنوات بلا أي شكوى سوى شكوى الشيخوخة، التي لم تهزم روحه الشابة، ولا عذوبته النابهة.. إنه حقاً العاشق الأديب، عاشق الأصالة، وعاشق الطيبة وعاشق البساطة، رحمه الله، وعوّضه داراً خيراً من داره، وأكرم ضيافته بالعفو والمغفرة".

ويعتبر "عاشق الهذال" من مطوّري الحركة الثقافية بحائل، مع صديقه الأديب فهد العلي العريفي، الملقب بـ"الجبل الثالث"؛ باعتبار أن مدينة حائل تقع بين الجبلين الشهيرين "أجا" و"سلمى". ويعتبر "العريفي" رمزاً ثقافياً حائلياً.

وقال الباحث والأديب، محمد بن عبدالرزاق القشعمي، في أحد لقاءاته الصحفية، الذي بدأت علاقته مع "الهذال" قبل أربعين عاماً: "نِعم الصديق والزميل"، واستعرض "القشعمي" زيارة الاثنين لدولة البحرين قبل أربعين عاماً، والتي أكد فيها أنه عرف عنه صفاء معدنه، ومدى حبه لعمل الخير، وتشجيعه الرجال العاملين المخلصين.

وأضاف أنه دعا الراحل للمشاركة بالكتابة ضِمن "سلسلة هذه بلادنا" التي تصدرها الرئاسة العامة لرعاية الشباب -الشؤون الثقافية- حينما كان "القشعمي" مديراً للفرع بحائل في 1419هـ.

ووصفه نائب رئيس النادي الأدبي رئيس فرع جمعية اللهجات والتراث الشعبي في منطقة حائل سابقاً "عبدالسلام بن إبراهيم الحميد"، بـ"شيخنا العاشق"؛ فيما أشار إلى أن "الهذال" أمضى عدداً من السنين ينحت صخراً ليؤسس للفاعلية الثقافية المحمّلة بالجمال بعدما كسدت الثقافة، واستمر مجتهداً يسترجع عوالم الثقافة والمعرفة بعقل متماسك لا يعرف الشكوى وإنْ شابَ المناخ الثقافي ما شابَهُ، ولم يهتم بأن الثقافة والأدب لا يؤكلان عيشاً، وكان رأيه أن ذلك منطق مَن هُم خارج عالم الثقافة والمعرفة، ويصدق هذا المنطق الأعوج بعض المستقفين، واثقاً أن مَن يقول كسد الأدب فقد كذب.

وتابع: "ظل عاشق هذا الرجل المهيب وفياً للثقافة، مواظباً على العطاء السردي، شريكاً في بناء ثقافة محلية مميزة، يصنع من فن السرد شاهداً لا يغيب عن ساحة الإبداع السردي العربي؛ ليعكس من خلال كلماته البسيطة وبنائه السردي السلس في إبداعاته البسيطة، ضميرَ الإنسان السعودي المتحول، ووفاء هذا الإنسان لأرض وطنه وقيمه التي صنعها أجداده عبر تاريخهم الطويل، ووجهاً مُيَمِّماً شطر المستقبل، يتنسم رائحة التغيير بروح متفتح وعقل نابه.

يُذكر أن "الهذال" شَرَع في عام 1426هـ في التأليف عن تاريخ حائل وموقع حائل منذ فترة ما قبل الإسلام حتى الوقت الحالي؛ وذلك بعد جمعه لكل المصادر لذلك؛ إلا أن تأليفه لم يرَ النور لأسباب لا أحد يعرفها.

وقد صدر للأديب الراحل، عدة مؤلفات هي: مختارات من الشعر النبطي المعاصر الذي ألّفه عام 1392هـ، العصامي: أقاصيص وحكايات من البيئة عام 1393هـ، عرس في المستشفى عام 1397هـ، دلال الحمير عام 1400هـ، الكلب والحضارة عام 1403هـ، الفرسان والفارس عام 1405هـ،، سلسلة "هذه بلادنا" التي أصدرتها الشؤون الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب بحائل عام 1419هـ.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org