أدرك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- منذ توليه مقاليد حكم البلاد قبل نحو عامين، أهمية تعزيز العلاقات العربية- العربية، والعمل الجادّ والمخلص من أجل توحيد الصف، وتنقية الأجواء، وإذابة المشاحنات والضغائن بين دول المنطقة، وتلافي أسباب الفُرقة والشتات؛ لمواجهة التحديات المستحدثة التي فرضتها الأحداث العالمية على منطقة الشرق الأوسط؛ فكان قراره -يحفظه الله- بتأسيس قوة عربية إسلامية، قِوامها نحو 40 دولة، لمواجهة خطط النيْل من الأمة العربية والإسلامية، ووصمها من قوى عدائية، بأنها تناصر الإرهاب وتشجع عليه. ويُعَد التحالف الإسلامي العسكري خطوة سعودية حاسمة نحو توحيد الصف الإسلامي، وتعزيز الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في العالم.
ولم يصدق العرب أنفسهم -قبل القوى العالمية- نجاح ما أقدم عليه الملك سلمان، بالإعلان الفعلي على أرض الواقع لهذا التحالف، الذي كانت مهمته الأولى التصدي لمحاولة الانقلاب على الشرعية في دولة اليمن الشقيق، والتصدي لجماعة الحوثيين ومَن يقف وراءهم ويدعمهم لإضعاف الوطن العربي؛ في إشارة إلى دولة إيران، التي كشفت عن أطماعها في دول المنطقة، بتدخلها السافر في شؤون دول الجوار، ودعم المليشيات، وإيواء الإرهابيين.
وسبق الإعلان عن التحالف العربي والإسلامي، وبدأ مهمته على أرض الواقع، بالقيام بجولات عدة لمسؤولين سعوديين إلى دول الخليج العربية، وبقية دول المنطقة، وجّه بها خادم الحرمين، ووضع لها سياقها ومعاييرها، التي تضمن الوصول إلى الهدف المنشود؛ ليس هذا فحسب؛ وإنما قام خادم الحرمين الشريفين -بنفسه- بجولات مكوكية، على دول عربية وإسلامية، أثمرت في نهاية الأمر عن توحيد الصف العربي وتعزيز التفاهم والتشاور، وترسيخ مبادئ العمل المشترك، وتطوير العلاقات، بعدما أكد خادم الحرمين الشريفين لقادة الدول، أهمية توحيد كلمة الأمة العربية والإسلامية في هذه الفترة العصيبة.
وتظهر آثار جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لتعزيز مقدّرات دول المنطقة، في اجتماعات القمم العربية، التي باتت تكشف عن قرارات جديدة تتصف بالتفاهم والانسجام والتوافق على كلمة واحدة، بعيداً عن التشرذم والانقسام والاختلاف، الذي سيطر على قرارات القمم في السنوات الماضية. ويُنتظر أن تصدر عن القمة العربية المرتقبة في مملكة الأردن، قرارات عربية جديدة، تتوحد فيها صفوف الدول العربية وتتكاتف فيها الجهود من أجل مواجهة الإرهاب العالمي، والتصدي إلى كل ما يعكر صفو العلاقات العربية- العربية.
ثوابت لا تتغير
وتُعَد المملكة العربية السعودية إحدى الدول العربية الرائدة في حضور مؤتمرات القمة العربية وفي انتهاج سياسة التضامن العربي التي شارك في وضع أسسها الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- منذ أن كانت المملكة من الأعضاء الذين أسسوا جامعة الدول العربية عام 1945م مع الدول العربية المستقلة في ذلك الوقت، وهي مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق واليمن. وارتبطت بداية مؤتمرات القمة العربية ببحث القضية الفلسطينية التي قال عنها الملك عبدالعزيز: "يجب أن تكون موضع عناية الجميع"، ولم ينقطع الحضور والمشاركة السعودية منذ ذلك المؤتمر الأول الذي عُقد بضاحية "إنشاص" بمحافظة الشرقية المصرية عام 1946م؛ حيث تَرَأّس وفد المملكة آنذاك ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز. ونهج قادة المملكة -فيما بعد- نهج المؤسس في تعزيز الصف العربي ومباركة كل جهد يقضي على الخلافات في المهد، ودعم الدول العربية والوقوف بجانبها في الأزمات والشدائد، وهو نفسه النهج التي دعمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بكل قوة وتحد؛ لعلمه أنه لا مناص من وحدة الأمة والتصدي للتحديات الآنية والمستقبلية.
المشاركات السعودية
وما بين القمة العربية الأولى والقمة العربية التي ستُعقد في الأردن، رحلة المشاركات السعودية التاريخية لمعالجة القضايا العربية بصفة عامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة؛ حيث كان الوجود الصهيوني في الأراضي العربية وراء عقد معظم القمم العربية. ومن أهم مؤتمرات القمة العربية التي عُقدت ما بين أعوام 1946- 2015م ولعبت فيها القيادة السعودية الدور البارز من خلال الاشتراك بوفود رفيعة المستوى؛ يوضح اهتمام تلك القيادة بالقضايا العربية؛ على سبيل المثال قمة بيروت في نوفمبر من عام 1956م والتي حضرها الملك سعود بن عبدالعزيز لاتخاذ موقف عربي ضد العدوان الثلاثي على مصر والذي قامت به إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وانتهت القمة بإعلان الوقوف بجانب مصر ومقاطعة الدول المعتدية.
وإذا كانت قمة إنشاص وقمة بيروت أوجدتهما الأحداث العربية المعاصرة؛ فإن جامعة الدول العربية قد تبنّت عقد مؤتمرات القمة العربية عندما أصبحت حاجة ملحّة لتحقيق الآمال العربية والدفاع عن قضايا العرب. وهو ما بدأ عندما قامت إسرائيل بمحاولة تحويل مجرى مياه نهر الأردن عام 1963م؛ حيث دعت الجامعة العربية لعقد مؤتمر القمة العربية الأولى بعد استقلال معظم الدول العربية، وزيادة أعداد هذه الدول؛ فكانت قمة القاهرة في يناير عام 1964م والتي شاركت فيها المملكة بوفد برئاسة الملك سعود، واتخذت عدة قرارات؛ من أبرزها الوقوف أمام المشروعات الإسرائيلية ودعم الوجود الفلسطيني، الذي كان وراء عقد القمة العربية الثانية في سبتمبر في العام نفسه 1964م بمدينة الإسكندرية، وبرئاسة الوفد السعودي الذي ترأسه ولي العهد آنذاك الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، واتخذت أحد القرارات المصيرية في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني، وهو إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وتقديم الدعم المادي السعودي لها، الذي كان مقدمة الدعم العربي، ثم كانت قمة الدار البيضاء بالمملكة المغربية في أغسطس عام 1965م التي حضرها الملك فيصل، والتي عُقدت من أجل الدعوة للتضامن العربي في مواجهة القضايا العربية بدلاً من حالة التفكك والخلاف التي كانت تعيشها الأمة العربية بسبب حرب اليمن والانقسام العربي حولها في تلك الفترة.
ولقد كان مؤتمر القمة العربي الذي عُقد بمدينة الخرطوم عاصمة السودان في آخر أغسطس عام 1967م، من المؤتمرات العربية المميزة للدور السعودي؛ حيث حضره الملك فيصل وعَمِلَ على تصفية الخلافات العربية والوقوف بجانب الدول العربية التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي في حرب يونيو 1967م، وبادر بإعلان قيام المملكة العربية السعودية بدفع ثلث احتياجات مصر والأردن حتى يتم إزالة آثار العدوان الإسرائيلي.
الآمال المعلقة
ويأمل العالم العربي في هذه المرحلة، أن تواصل المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، جهودها وسياستها في تقوية دعائم الأمة العربية، وإيجاد استرتيجية جديدة لتعاضد دولها، واكتشاف وتوظيف مقدراتها، عبر العمل العربي المشترك، وتكامل الفرص.
ويؤكد محللون أن الملك سلمان قادر على التوصل إلى هذه الاستراتيجية، ودعمها بما تحتاجه، يساعده على ذلك الثقل الديني والسياسي والاقتصادي والعسكري للمملكة، وما تتمتع به من احترام وتقدير دوليين، بسبب سياستها الحكيمة والرزينة، وثوابتها التي لا تتغير بتغير العقود، ومن أبرز هذه الثوابت تعزيزُ الوحدة العربية، ودعم القضية الفلسطينية، وحماية الإسلام والمسلمين في كل أصقاع الأرض.