"داعية القارّات".. شيّع جثمانه ٣٠ ألفاً واهتدى بسببه المئات وهنا قصة مدمن المخدرات

"الحمودي" لـ "سبق": رافقت شقيقي في رحلته الأخيرة وشاهدت بناء المساجد والمعاهد
"داعية القارّات".. شيّع جثمانه ٣٠ ألفاً واهتدى بسببه المئات وهنا قصة مدمن المخدرات
تم النشر في

شيع أكثر من 30 ألف شخص جثمان الداعية الشيخ صالح بن محمد بن الحمودي – رحمه الله -في منظر مهيب بعدما شهدت عملية نقله للمقبرة صعوبة عالية في حركة الأقدام، حيث تسابقت الأيادي للمشاركة في عملية الدفن، وانهمرت دموع المحبين وهم يُعزون بعضهم، تاركين خلفهم رسالة عنوانها: "داعية القارّات.. بكتهُ أرصفة الشباب وعنابر السجون، وحزنت عليه أدغال القارّة السمراء".

عُرِف "الحمودي"، الذي اختارته "سبق" لتُسلّط الضوء عليه في زاوية "كانوا معنا" الرمضانية، بعد وفاته في مطلع شهر ربيع الأول من العام الماضي في أحد مستشفيات الرياض متأثرا بعدوى "الملاريا" التي أصابته في جمهورية رواندا جنوب القارة الإفريقية، بصاحب الجهود الدعوية الدولية والمحلية.

وللفقيد أدوارٌ عظيمة في توجيه الشباب ونصحهم وتوعيتهم، بل حتى بدعمه السخي للجمعيات الخيرية، وإشرافه على بعض المدارس النسائية، بالإضافة لمساهمته في تأسيس مبنى مركز الوسط الجنوبي لتحفيظ القرآن، ودعم المعلمين والمعلمات في تلك المراكز، وإنشاء معهد محمد بن صالح الحمودي للمعلمين.

"سبق" التقت "أحمد الحمودي" شقيق الفقيد، والذي كان رفيقاً له في رحلته الأخيرة بـ "رواندا" الأفريقية، والتي توفي عقبها، وتحدّث عن بعض مآثر وصِفات "الراحل"، حيث قال: "طلب مني مرافقته ومعي شقيقي وابنه، وكأن لسان حاله يقول هذا ما أفعل في أفريقيا، وشاركوني الأجر قبل رحيلي، وبفضل الله كُنَّا شاهدين على جهوده الدعوية التي تكلّلت بإسلام أكثر من 100 شخصٍ في (رواندا) فقط".

وأضاف: "ما تردّد في بعض الصحف عن كون شقيقي مرض أو توفي بـ "رواندا" هناك؛ ونُقل للسعودية، غير صحيح، بل عاد وهو بصحة جيّدة، وألقى كلمات في بعض المدارس في اليوم التالي، وشعر بأن الحمّى قد أصابته، غير أنه صبور ولا يحب الذهاب للمستشفيات، إلا أننا اضطررنا لنقله، وكان ذلك بعد عودته بـ 5 أيام تقريباً، واكتشفنا بأنه مصاب بعدوى (الملاريا)، ولربما أنها كانت قديمة، ولكن تمكّنت من جسده بعد رحلته الأخيرة رحمه الله.

وأكّد "الحمودي" أن شقيقه الذي يُعد من مواليد الرياض، وله 8 أولاد وبنات، وتوقّفت حياته وهو ابن الـ 48 عاماً، قد رزقه الله بزوجة صالحة، في إشارة منه إلى أنها كانت تُشاطره تربية الأولاد ورعايتهم؛ أثناء انشغاله بالدعوة محلياً ودولياً.

وتابع بقوله: "والدي كان يقول، بأن صالح صالح مُنذ صغره، وهذا مؤشر رضاه على ابنه؛ الذي لم يكن يوماً يتحدّث في الغيبة والنميمة أو في الفتن والسياسة، وبفضل الله لم تكن هناك ملاحظات من قِبل الدولة على تنقّلاته الدعوية بل كان محبوباً، وما إن يذهب حتى يترك بصمة خير يُحتذى بها".

وعن برامجه "الدعوية" قال "الحمودي": "شاهدت بعيني في رحلته الأخيرة في رواندا.. بناء المساجد والمعاهد، ومناظرة القسيسين الذين أسلموا بعد ذلك، وغيرها من المجهودات الدعوية، وأما محلياً؛ فقد أنشأ في الحرم المكي مبادرة أسماها بـ "تعارفوا تآلفوا"، وبفضل الله تبنّتها رئاسة الحرمين، وعمِلت على التوسّع بها".

وأما برنامجه "الرمضاني" فقال: "عرفنا شقيقي، إما أن يكون في مكّة المكرّمة بين المعتمرين، يتناول معهم الإفطار، ويقدّم لهم برامج دعوية ينتفعون بها، أو يكون في الرياض يتنقّل بين المساجد ما بين إفطارٍ وإلقاء كلمات دعوية، وهكذا كان همّ الدعوة تحيط بحياته".

وأشار "الحمودي" بقوله: "أتذكّر يوماً أن أحد أولياء الأمور قد سئم من ابنه الذي كان عاصياً ومقصّراً في حقّ الله، ويتعاطى الممنوعات، فأخبر الفقيد بذلك، فما كان منه – رحمه الله – إلا أن طلبه للسفر معه في رحلة دعوية لمدة 3 أيام، وعندما عاد؛ ذُهِل والده من توبة وهداية ابنه وعودته لطريق الحق".

وأضاف: "زارنا أحد الشباب لتقديم واجب العزاء في الفقيد، وقال أتعلمون بأن فقيدكم قد زارني في البيت قبل 17 سنة، وأنا لا أعرفه، بل وصلني عن طريق المدرسة، وقدّم لي النصح والهدايا لعلّي أتوب، وفعلاً حقّقت له مُراده، ولمّا علِمت بوفاته تألمت وجئت معزّياً وداعياً له بالمغفرة".

وعن أبرز صفاته وحياته التي يعرفها أهل بيته أكثر من غيرهم قال "الحمودي": "صالح ترك فراغا كبيرا.. ولم نعرف ذلك سِوى بعد رحيله، كان بعيداً عن أمور الدنيا؛ بل زاهداً فيها، وباراً بوالِديه، ولا يحب أن ينتقد أحداً، وجُلّ وقته وأحاديثه هموم الشباب، فلم تجِده يتتبّع أماكن تواجدهم كساحات التفحيط والثمامة، ستجده في زيارة لأحد السجون لتذكير الشباب بالله".

وواصل "الحمودي" حديثه عن شقيقه يقول: "عندما تُلقي نظرة على مركبته، ستجدها مليئة بالهدايا التي يحرص على اصطحابها معه لأماكن تجمّعات الشباب، رغم كون حالته المادية متواضعة، حتى عُرِف في أوساط الشباب بكونه من يُعطّر مجالسهم ويؤنس وحشتهم ويُخفّف عنهم ضغوطاتهم النفسية، وتسمّى في حياته بـ(المركز الأمني للشباب)".

وعن همّ الدعوة التي كانت تُحيط بالفقيد، قال "الحمودي": "شقيقي لم يكمِل درجة البكالوريوس، ولكن طلب العلم على يد العُلماء الموثوق بهم، كالعلّامة ابن باز وابن عثيمين – رحمهما الله -، وكان لا يرى نفسه طالب علمٍ؛ بقدر ما يرى هاجس الشباب وصلاحهم يجري في قلبه، وكان يحترق لأجلهم، ويعتصر ألماً لضياعهم".

وأفصح "الحمودي" عن كونه كان مُستاء من شقيقه آنذاك، باعتباره كان يترك منزله كثيراً لأجل تتبّع أماكن تجمّعات الشباب وقيامه برحلات دعوية لأفريقيا، إلا أنه لم ينس كلمة قالها الفقيد آنذاك ولم يستوعبها سِوى لاحقاً، عندما قال: "يا أحمد اللي حريص على خلق الله، لن يُضيّع الله أهله"، فرزقه الله بزوجة صالحة وأولاد صالحين، وكتب له القبول في الأرض، فشهِد جنازته أكثر من 30 ألف مُشيّع".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org