
مع اقتراب انتهاء شهر رمضان المبارك، ونحن نعيش نهاية العشر الأواخر منه، تبرُز لدى المُترائين والفلكيين "دكة الحلواني" في الهدا بالطائف، حيث ارتفاعها والذي يُمكن من رؤية الهلال.
ويروي ممثل عائلة "الحلواني" محمد بن خليل حلواني، قصة دكة الحلواني" مرصد الأهلة، حيث كانت أول مرة يُرصد فيها هلال رمضان من واقع صحيفة أم القرى سنة 1352هـ، حيث كان وقتها النائب العام الأمير فيصل بن عبدالعزيز موجوداً بالطائف، ولم تكن متتالية في الأعوام التي بعدها، بل متناوبة، حيث تُعلن محكمة مكة المكرمة حين كانت هي العاصمة عن رغبتها في تحري هلال رمضان، أو شوال، أو ذي الحجة، وغالباً ما كان يأتي البرق "البرقية" من العُلا أو من الشمال.
وبعد العام 1376هـ فتحَ "عبدالوهاب الحلواني" الدكة الثانية بجوار درب الجمّالة، والتي كان من المفترض أن تُصبح مطار الهدا إلا أنها أصبحت مرصداً للأهلة.
وزارَ "دكة الحلواني" الكثير من الأعيان، حيث يذكر عبدالعزيز بن عبدالشكور بن عبدالوهاب حلواني، الحفيد الثاني للشيخ الحلواني، أن أبرز من ارتاد الدكة بكثرة هم كل من: الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله-، والأمير مشعل بن عبدالعزيز -يرحمه الله-، والأمير سطام بن عبدالعزيز -يرحمه الله-، والأمير محمد بن عبدالعزيز الكبير، وأمير الكويت سالم الصباح، والأميرات دليل، وسارة، والعنود، وصيتة، وهيا، وحصة بنت عبدالعزيز، هذا بالإضافة لرحلة البعثة البريطانية التي كانت في ضيافة الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وأبرزهم: ايرل اثلون، والأميرة أليس، وحافظ وهبة، أثناء صعودهم إلی دكة الحلواني في الهدا عام 1356هـ.
وبتلك الدكة، تم اختبار أول اتصال سلكي بين الطائف ومكة أجراه الملك سعود -رحمه الله-، ثم اتصل بالقاهرة، وصارت الدكة مرصداً للأهلة لتحري هلال شهر رمضان المبارك، وعيد الفطر المبارك، وشهر الحج.
ويذكر محمد الحلواني أثناء توثيق تاريخ جدهم من قبل محمد عبدالرحمن المسلم، أنه حضر من الرياض وهو طفل صغير مع الأميرة الجوهرة بنت عبدالرحمن شقيقة الملك المؤسس -رحمهما الله جميعاً-، وأنه يتذكر بقاءهم في مخيم الحوية، وأن الملك سعود -رحمه الله- نصحهم بالذهاب إلى منطقة الهدا، فقالوا له إنه لا توجد منازل هناك، فقال لهم: "اذهبوا لدكة الحلواني".
ويستطرد كلامه أنها كانت شعلة النور الوحيدة بمنطقة الهدا، ولا يوجد هناك سوى دكة الحلواني، والمزارع فقط، وعاد ليتذكر جولاته بالطائف ويوم وفاة الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، حيثُ كانوا بمنزل الأميرة الجوهرة، والذي أصبح اليوم مبنى الدفاع المدني المقابل لقصر الكعكي.
وكما قدم خالد رباح مشكوراً وثيقة نادرة عن أول حفل أقيم لنادي الاتحاد الرياضي لكرة القدم، كان في دكة الحلواني في الطائف، وقد كانت الفكرة نابعةً من فريد مخلص، كبير مذيعي إذاعة جدة، واستمر الحفل لمدة ثلاثة أيام أولها في الهدا، والشفا، وقصر احتفالات المثناة، وشارك في التنظيم القائد الكشفي صالح حلواني، وتبرع بمبلغ قدره 17 ألف ريال، واستلم درعاً تكريمية من إدارة النادي.
ويروي محمد حلواني عن عمه صالح حلواني، الحفيد الأول حيث يروي له الشيخ "محمد الشافعي" -رحمه الله- أنّه كان حاضراً حين نقل إليه "الطبيشي" في "قصر شبرا" خبر وفاة "عبدالوهاب حلواني"، إذ قال الملك فيصل: "لا حول ولا قوة إلا بالله.. عبدالوهاب مات؛ مات الطائف"، فيما يروي الشيخ "عمر حلواني" أنّ والده كان عائداً من منطقة (الشفا) الذي شق بها الطريق إلى عتبة (الشفا)، وأثناء عودته إلى بيت المالية بـ (الطائف)، شعر بالإغماء، حيث إنّه كان مريضاً بداء السكري، فساعده "أحمد الفتة"، وطلب من المعلم "قاسم اليماني" أن يستدعي الطبيب وأبناءه، فذهب المعلم إلى بيت الصحة المجاور لبيت المالية، واستدعى الطبيب الخاص بالملك فيصل، رحمه الله، الدكتور رفعت السيد علي، وحين قدِمَ الشيخ "عمر حلواني" لوالده شاهده مستلقياً، وبجانبه الدكتور رفعت السيد علي، وأحمد الفتة، وقاسم اليماني، وأخوه، عبدالشكور حلواني، وما هي إلا لحظات، إلاّ ونطقَ -رحمه الله- بالشهادة، وتوفيَ من ساعته.
ووصل الخبر للملك فيصل الذي أوصى أبناءه بحضور العزاء، وحين حضر الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- قال رحمه الله: "كان نعم العون لنا في الطائف"، والأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله- هو الآخر الذي أبلغ لأبناء الحلواني تعازيه، وقال: الوالد يقول لكم: "العصايه إذا انشقرت ما توجع" فلقد تأثر الملك فيصل -رحمه الله- جداً بوفاة الشيخ عبدالوهاب حلواني، وأطلق لقب "كوبري الحلواني" على الطريق المؤدي إلى مكة المكرمة من أعلى منطقة (الهدا -الكُر)، وذلك وفاءً لجهود وأعمال "عبدالوهاب حلواني"، رحمه الله رحمةً واسعة، وأصدر أمراً سامياً لتقسيم إرث وعقارات الشيخ عبدالوهاب حلواني تحت إشراف لجنة سامية لهذه البلدان والمزارع لما لها من مواقف تاريخية وتذكارية في أكثر من 360 عقاراً مختلفاً، وأطلق على الجسر الذي حل محل ملف الحلواني في أعلى الهدا لقب "كوبري الحلواني".
وفي مقالٍ للكاتب عبدالله عريف في وفاة الحلواني قال: "بموت الشيخ عبدالوهاب حلواني – في نهاية الأسبوع الماضي- أرجو ألا تموت فكرة فتح الطريق بين الطائف وشتى القرى، والمسالك منه وإليه، لقد احتضن الرجل فكرة فتح الطريق منذ زمنٍ بعيد، ففتح الطريق بين الطائف ووادي محرم، ثم بين الطائف، وليه، وبلاد ثمالة، وأخيراً قبل أن يُقرر تنفيذ طريق الطائف مكة، افتتح هو خطاً مستقلاً إلى منطقة الهدا، وقد نعُم الجمهور العام بهذا الخط، كما استفاد المزارعون منه أكبر استفادة، وما كاد ينتهي من خط الهدا حتى انتقل إلى افتتاح خط بين الهدا والشفا، وبدأ الناس يرتادون هذا الطريق الجديد بسهولةٍ ويسر، ولا أدري إن كان العمل بهذا الطريق سيتم أو أنهُ سيتوقف عند النقطة التي وصل إليها العمل، وبودي لو أن ورثتهُ من بعده يحتضنون الفكرة التي عاش والدهم عليها سنوات طوال– أنهم باحتضانهم الفكرة سيحيون ذِكرَ والدهم ويتمون ما بدأه، ومما لا شك فيه أن الناس سيتذكرونهُ سنوات طويلة، ولن يستطيع أحد أن ينكر نتائج أعمال فكرته مهما حاول أن يبرر دوافعها وأسبابها، ولقد كان يزيد من تقدير أعماله هذه لدى الخاصة الذين يرتادون هذه الأماكن لمدة يوم أو يومين، إن الرجل هيأ هناك محال خاصة بالنزول وقضاء أيام بها مجهزة بكل وسائل الراحة، فكان ذلك من أسباب تقديره وتقدير عمله".
وتابع: "مما يُذكر له بالتقدير مساعدته المادية بأسلوبه الخاص للفلاحين الذين يثق فيهم، وفي قدرتهم على التسديد بتقسيط قيمة المكائن الزراعية عليهم لمدد طويلة في حدود طاقته المحدودة وإعانتهم بالدريكترات مقابل أجور مخفضة، وبذلك مكنهم من إصلاح مزارعهم والاستفادة منها، لقد مات الشيخ عبدالوهاب حلواني، وترك وراءه الكثير مما يستحق الذكر والإشادة، تُرى هل خلفَ وراءه من أبنائه أو من غير أبنائه من المواطنين من يحذون حذوه في افتتاح الطرق والمسالك.. ذلك ما أرجو ألا نفتقده ونبحث عنه، أو نسأل في قريب الأيام أو بعيدها".
ويختم محمد خليل حلواني، ممثل عائلة الحلواني، والباحث في تاريخ جَده لـ"سبق" ذكريات الشيخ عبدالوهاب حلواني، بذكريات البيعة المباركة التي تشهدها المملكة العربية السعودية في العشر الأخيرة من رمضان المبارك في ليلة السابع والعشرين، وكيف كان جدهُ عبدالوهاب من أوائل من بايع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وكان مع وفد الطائف لمبايعة الأمير سعود بن عبدالعزيز ولياً للعهد آنذاك -رحمه الله-، وانفردت "سبق" في نشرات سابقة عن قصة قصر الحلواني الذي شهِدَ الحفل الخاص لتسمية المملكة العربية السعودية.
وبهذه المناسبة قال محمد حلواني: "أصالةً عن نفسي ونيابةً عن أسرتي نبايع نحن أبناء وأحفاد الشيخ عبدالوهاب حلواني -يرحمه الله - وأبناء وأحفاد الشيخ صالح حلواني -يرحمه الله- صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولياً للعهد، ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، واستمراره وزيراً للدفاع على السمع والطاعة، وفِي المنشط والمكره، وفِي اليسر والعسر، كما نرفع أعذب آيات التهاني والتبريكات والدعاء في هذه الأيام المباركة، والعشرة الأخيرة، والأوقات الفضيلة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- على اختياره السديد، ومُباركاً للأمتين العربية والإسلامية على هذا الخبر السعيد".
وتؤكد أسرة آل حلواني من أبناء وأحفاد الشيخ عبدالوهاب بن محمد حلواني -رحمه الله- المعني بشؤون الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بالطائف، وأبناء وأحفاد الشيخ صالح حلواني، وجميع أفراد الأسرة، كبيرها وصغيرها، على رأسهم عميد أسرة الحلواني الشيخ عمر بن عبدالوهاب حلواني، ورئيس مجلس العائلة الشيخ أحمد بن صالح حلواني؛ مبايعين وطائعين وسامعين وممتثلين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.