رمضان وأهل الشك..!!

رمضان وأهل الشك..!!

ديننا دين حياة؛ فقد جاء بكل ما ينظِّم حياتنا بدقة متناهية، كيف لا وقد أخبرنا الله - عز وجل - بأنه قد أتمَّ هذا الدين وارتضاه لنا بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} المائدة (٣).

فقد جاءت العبادات واضحة الأركان محددة الشروط، لا مجال فيها للآراء والأهواء، ومن ذلك صوم هذا الشهر المبارك الذي جاءت كل أحكامه وسننه ونوافله واضحة تماماً، لا مجال فيها للاجتهاد والتأويل، بدءاً من أول صيامه، وانتهاءً بعيده؛ فقد قال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: "صومُوا لِرُؤيتِه،وأفْطِرُوا لِرُؤيتِه فإنْ غُمَّ عليكم فأكْمِلُوا شعبانَ ثلاثِينَ". إذن، الأمر واضح جلي.. الصوم يبدأ برؤية الهلال، وإن لم نتمكن من رؤيته نُتمُّ عدَّةَ شعبان ثلاثين يوماً؛ فلا مجال للتشكيك والآراء والأهواء.. ولم يُترك الأمر هكذا، بل جاء في حديث آخر: "صومُوا لِرُؤيتِه، وأفْطِرُوا لِرُؤيتِه، وانْسُكُوا لها، فإنْ غُمَّ عليكم فأتِمُّوا ثلاثينَ، فإنْ شَهِدَ شاهِدانِ مُسلِمانِ فصُومُوا وأفْطِرُوا". وهنا الأمر أكثر تفصيلاً؛ فقد ربط الأمر بشهادة شاهدَينِ مسلمَينِ، وهذا ما تسير عليه البلاد الإسلامية -ولله الحمد -؛ فهي تحرص كل الحرص على السير على نهجه - صلى الله عليه وسلم -؛ فتأمر المسلمين بترائي الهلال، وتقديم الشهادة، وتثبيتها عند القضاء؛ حتى لا تترك مجالاً للشك، وطريقاً للمشككين.. فإن لم يتقدم أحد بالشهادة أعلنت إتمام عدَّةَ شعبان ثلاثين يوماً. والأمر ذاته تفعله في إعلان عيد الفطر.

ولكن - وللأسف الشديد - في كل عام يظهر لنا بعض مَنْ اتخذوا التشكيك لهم غاية؛ فلا همَّ لهم إلا أن يشكِّكوا عباد الله في صيامهم؛ فتجده بعد يومٍ أو يومين "تَزاوَرُ" عيناه؛ يغمض واحدة، ويفتح أخرى، ينظر إلى الهلال فيطلق أحكامه (صوَّمونا غلط.. الهلال ابن يومين أو ثلاثة) منتشياً، وكأنه جاء بما لم يأتِ به الأوائل، وكأن ما يقوله فتح عظيم، بينما هو لم يكلف نفسه حتى النظر إلى السماء حين أُمر بترائي الهلال.. إن كنتً بهذا الفهم، والدراية، والمعرفة، وتمتلك عيني زرقاء اليمامة فَلِمَ لم تكلف نفسك وترى لنا الهلال يا هذا؟!!!! أم أن المسألة تشكيك وحسب؟!!!

ولا يقف هذا الأمر عند بداية الشهر فحسب، بل يمتد التشكيك ذاته إلى العيد، وبالطريقة نفسها التي عفا عليها الزمن..!!!! فالهدف - كما قلنا - مجرد تشكيك، وقلة ثقة من هذه العينة بأصحاب القرار.

والتشكيك زاد عند آخرين؛ فلم يقف عند رؤية الهلال وبداية الشهر ونهايته، بل ظهر لنا فئة أخرى تشكك في الفجر، في التوقيت الزمني الذي وُضع للصلاة، وبخاصة صلاة الفجر؛ فبعضهم أخذ يتحدث عن أذان الفجر حسب التوقيت المعمول به، وأنه لا يوافق الفجر الصادق، وأنه لا يوافق قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبينَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ...} البقرة (١٨٧).

وكل ذلك من باب التشكيك، ومن باب التنطع في الدين، والتضييق على المسلمين..!!! وإلا ما الذي يدعوك لهذا وأنت في ذمة دولة، حددت لك هذه المواقيت بناءً على دراسة وعلم..؟!! والحمد لله أن بعض أهل الخير اقتطعوا جزءاً من وقتهم، وتتبعوا الفجر على مدى أكثر من نصف عام، فوجدوا أن الفارق طفيف، ولا يكاد يُذكر - ولله الحمد والمنة -، ولكن بعض البشر - هداهم الله - أصبح التشكيك يجري في دمائهم، نسأل الله العفو والعافية.

هذه بعض الملحوظات التي أحببتُ أن أخصها بالذكر؛ لأنها أصبحت تتكرر من البعض كل عام؛ فرأيت من الأهمية بمكان أن نعطيها حقها، وننبه المسلمين عليها؛ كي يلقموا كل مشكك حجراً يسد فمه.

وهناك ملحوظة أخرى، لا تقل أهمية عن هاتين الملحوظتين؛ فلا بأس أن نعرج عليها، ونبيِّنها للناس؛ لعلهم يرشدون، ألا وهي "الإمساكية" كما يسميها البعض، وهي باختصار شديد وقت يضعه البعض في توقيت رمضان، فيفردون خانة في التقويم يسمونها "الإمساك" أو "الإمساكية"، تسبق وقت أذان الفجر بدقائق معدودة، ويعتقدون أنه لا بد أن يمسك من أراد الصوم عن الأكل والشرب عند حلولها، وليس عند الفجر..!! وهذه ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يقل بذلك أحد من علمائنا الأجلاء، بل لم يقل بذلك أحد من صحابة نبينا محمد من قبل، ولم يرووه عنه صلى الله عليه وسلم.

لذا يجب علينا أخذ ديننا الحنيف عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أمره به ربه - عز وجل -، والامتثال لأمره سبحانه وتعالى حين قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الحشر (٧).

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org