مسرحية "الثامنة" أعدها ونفذها وعمل على بطولتها الإعلامي داوود الشريان، وشاركه البطولة ثلاثة وزراء، لكنهم - مع الأسف - لم يجيدوا التمثيل؛ فالعمل كان مكشوفًا للمشاهد منذ بدايته حتى توديع الشريان المشاهدين؛ فقد أرادوا تهدئة المواطنين فشحنوهم. ولا أعلم هل كان يدور في خلدهم أن المواطنين ما زالوا يجهلون ما يدور حولهم، أم أن الشق أكبر من الرقعة، وحاولوا تغطيته فلم يستطيعوا؟
لم يعلم الشريان والوزراء أنهم يتحدثون لشرائح مختلفة من المشاهدين، الذين تجمعوا خلف الشاشات لمعرفة ما سيُقدَّم لهم - بوصفهم مشاهدين - من معلومات يجهلونها، وتناسوا أن هناك من يتفوق عليهم في الاقتصاد والثقافة، فتناوبوا على إهدار الوقت دون الخروج بما كان يتطلع إليه المواطن.
لقد فاجأنا وزير الخدمة المدنية بمعلومة، كنا بالفعل نجهلها، حينما قال "إن الموظف لا يعمل إلا ساعة واحدة في اليوم"، أي خمس ساعات في الأسبوع، وعشرين ساعة في الشهر، وهو بهذا يريد أن يقول إن الراتب الذي يصرفه لا يستحقه، وما تقدمونه من جهد لا يوازي ما تتسلمونه من أجر.. ولا نعلم من أين أتى الوزير بهذه المعلومة، أم أنه يعيش في كوكب آخر؟! فما نعلمه أن الساعة هي راحة، تتخلل العمل اليومي، وربما كان يقصدها الوزير فخانه التعبير. أم أن معاليه نسي أن هناك من يعمل من الساعة الثامنة صباحًا حتى الرابعة عصرًا في المستشفيات والمراكز الصحية، وفي الإدارات الأخرى من السابعة والنصف حتى الثالثة عصرًا، وفي التعليم لا يقل العمل عن ست ساعات.. فهل من المعقول أن يداوم الموظف ثماني أو سبع أو ست ساعات ولا ينتج إلا ساعة واحدة؟ وماذا تراه يعمل في بقية الساعات؟!
كنت أتمنى على الوزير أن يقول إن إنتاجية الموظف لا تتجاوز نصف دوامه، وربما يكون مبالغًا فيها ومجحفًا في حق غالبية الموظفين في الدولة، الذين يجتهدون في خدمة دينهم ومليكهم ووطنهم.. وماذا سيكون موقف الوزير لو نفَّذ الموظفون مقولته، واكتفوا بساعة واحدة للإنتاج يوميًّا؟ فهل سيبقيهم في أعمالهم؟
لقد تناقلت وسائل الإعلام الغربية وغيرها أقوال الوزير، وتنبأ بعضها بأن السعودية قادمة على الإفلاس؛ لأنها تواجه موظفين كسولين، لا يعملون؛ ما سيُضعف الإنتاج، ويتسبب في انهيار الاقتصاد المحلي لها.
العتب على المقدِّم الشريان الذي كان (يطبطب) على ما دار في الحوار، وكأنه أراد أن يجامل الوزراء لاستجابتهم لدعوته في سبق إعلامي، لم يرقَ إلى مستوى وعي وثقافة المواطنين، الذين أصبحوا يعايشون مَن حولهم، ويعرفون الغث من السمين، والصحيح من الخطأ، والمعلومة المفبركة من الصادقة.
إننا نتطلع من الوزير العرج أن يكون على قدر المسؤولية، وأن يعتذر لموظفي الدولة؛ حتى يردم الهوة التي وضعها بينه وبين العاملين المخلصين في هذا الكيان الكبير.