تواجه المنظمات الدولية اتهامات مباشرة من الدول العربية والإسلامية، بأنها تميل إلى التمييز العلني والكيل بمكيالين بين الدول الأعضاء، مبتعدة تماماً عن مبدأ العدالة الدولية أو الديمقراطية في ترسيخ علاقاتها مع دول العالم، وهو ما أوجد أصواتاً داخل العديد من الدول العربية والإسلامية بضرورة انسحاب الحكومات العربية من تلك المنظمات؛ اعتراضاً على سياسة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية.
في ظل ذلك بقيت أسئلة حائرة حول أهمية الردّ العربي والإسلامي على ذلك، ممثلاً في الانسحاب. القراءة السياسية تختلف حتماً عن الرؤية العاطفية على ما يبدو في هذا المنحى. "سبق" حملت السؤال لمختصين، فكانت الإجابة:
حلم "إسرائيل"
لا يؤيد السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وأمين عام اتحاد المستثمرين العرب حالياً، الدعوة إلى انسحاب الدول العربية والإسلامية من منظمات الأمم المتحدة تحت أي مبرر، ويرى أن "إسرائيل" تتمنى تحقيق هذه الدعوة بأي ثمن وبأي طريقة، بل وتسعى إليها؛ لتشويه صورة العرب أمام دول العالم أجمع، مشيراً إلى أن سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية كفيلة بالدفاع عن حقوق الأمة العربية والإسلامية، وإيصال صوتها إلى العالم.
ويصف السفير جمال بيومي انسحاب الدول العربية والإسلامية من منظمات الأمم المتحدة بأنه بمثابة "حلم لدولة إسرائيل، تتمنى تحقيقه اليوم قبل الغد".
ويقول لـ"سبق": "هذا الانسحاب إذا تحقق، فهو يصبّ في صالح إسرائيل أولاً وأخيراً، التي حتماً ستستغلّ ذلك في تشويه صورة الدول العربية، واختصارها في صورة الرافض والمناهض لقوانين وأنظمة الأمم المتحدة، التي توافق عليها كل دول العالم".
ويتابع السفير "بيومي": "ما نحتاج إليه نحن كعرب ومسلمين، هو أن يكون لنا صوت مسموع أمام العالم، ولنا شخصيتنا المميزة، المنبثقة من عاداتنا وتقاليدنا وتربيتنا الإسلامية والعربية، وهذا متحقق بالفعل حالياً، حيث يستمع العالم للصوت العربي، ويتفهم جيداً المطالب العربية، والأغلبية منهم يؤيدون هذه المطالب ويتفاعلون معها، ولعل آخر مثال على ذلك، موافقة العالم على قيام التحالف العربي بقيادة السعودية على مساعدة اليمن في استعادة الشرعية التي سلبتها جماعة الحوثيين من الحكومة الشرعية"، متسائلاً: "لماذا إذن نتخلى عن مقاعدنا في منظمات الأمم المتحدة، ونتركها شاغرة، لصالح أعدائنا؟ أو لماذا نبتعد عن الساحة الدولية، فيما يمكننا أن نغيّر في سياسة هذه المنظمات شيئاً فشيئاً، عن طريق صوتنا العالي، واعتماد لغة المنطق والحق والعدل؟".
الصوت السعودي
ورأى السفير "بيومي" أن للمملكة العربية السعودية صوتاً مسموعاً ومؤثراً في منظمات الأمم المتحدة، ويقول: "السعودية استثمرت هذا الصوت في التحدث باسم العرب والمسلمين، وفي توضيح وجهة النظر العربية أمام العالم، الذي يقدّر مكانة المملكة دولياً، ويحترم سياستها القائمة على الحكمة والتعقل وعدم الاندفاع"، مستشهداً على ذلك بحرص الرئيس "أوباما" على زيارة المملكة من فترة إلى أخرى.
ويقول: "أوباما زار السعودية قبل نحو ثلاثة أشهر، والتقى الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ لتوضيح بعض الأمور في علاقات البلدين، وهذا يشير إلى ما تتمتع به المملكة من ثقل دولي ومكانة دينية عظيمة، باعتبارها حاضنة للحرمين الشريفين، كما أنها تتمتع بنفس الثقل اقتصادياً؛ لما تملكه من أكبر احتياطي نفطي، يؤثر في اقتصادات العالم".
وعاد السفير "بيومي" ليؤكد أن تراجع أسعار النفط عالمياً لن يؤثر على الاقتصاد السعودي بالدرجة التي قد يتخيلها البعض، وقال: "المملكة حريصة كل الحرص على دعم اقتصادها، والمحافظة على المكانة التي وصلت إليها، باعتبارها عضواً في مجموعة العشرين، سواء عن طريق النفط أم غيره"، مضيفاً: "من هنا، أعلنت السعودية أخيراً عن رؤيتها الاقتصادية للعام 2030، وهي رؤية متكاملة ذات صبغة شبابية، ستعزز المكانة الاقتصادية للسعودية بأساليب مختلفة، الأمر الذي يحافظ على المكانة السياسية والاقتصادية التي تحتلها المملكة العربية السعودية منذ عقود، وهذا الأمر يعزز دور الرياض دولياً، ويجعل صوتها مسموعاً بين دول العالم، مما ينعكس إيجاباً على الأمة العربية".
ولفت السفير "بيومي" إلى أن ما ينتقص من المكانة العربية والإسلامية عالمياً، هو ارتكاب عمليات إرهاب في دول العالم باسم الإسلام، ويقول: "مطلوب من الدول الإسلامية التوصل إلى آلية تبرّئ بها الإسلام والمسلمين من هذه العمليات، وهذا هو الدور الذي تقوم به السعودية حالياً، ولا بد أن تدعم بقية الدول الإسلامية هذا الدور، عبر مزيد من التنسيق والتعاون البنّاء".
الكيل بمكيالين
من جهته يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود الدكتور محمد بن عوض الحارثي: يتضح من بنية النظام الدولي ومؤسساته كهيئة الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدولي والمحكمة الجنائية الدولية... إلخ أنها قائمة على التمييز ومحاباة ومراعاة مصالح الدول الكبرى.
وأضاف: يرى المراقب للسلوك السياسي لهذه المنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة أنها مخترَقة، وتُستخدم كأداة سياسية ضد الدول الأخرى للضغط أو التحفيز أو الاستمالة من قبل الدول الكبرى؛ لإضفاء الشرعية على قراراتها وخدمة لمصالحها فحسب. وهذا الاستغلال والهيمنة على هذه المنظمات الدولية لم يعد اتهاماً أو انطباعاً، بل يؤكده سجلّ وتاريخ وأدلة متواترة على تسخير هذه المنظمات لمصالح الدول الكبرى، فهي إن رأت مصلحتها حشدت لها القوة والأصوات الكافية لكي تمرر هذا القرار أو ذاك وفق مصالحها، وإذا رأت أن القرار أو حتى التوجه قد يفضي إلى قرارات أو مواقف ضد مصالحها فهي ما تلبث أن تقف بقوة ضد القرار وتضغط على حلفائها للتصويت وفق رغباتها.
وتابع "الحارثي": دول العالم الثالث وعلى رأسها الدول الإسلامية والعربية أول ضحايا سياسات ومواقف هذه المنظمات الدولية. وبنية مجلس الأمن وآلية التصويت فيه، على سبيل المثال، خير شاهد على تحيز السياسات الدولية تجاه قضايا العرب والمسلمين بدءاً من قضية العرب والمسلمين الأولى القضية الفلسطينية وصولاً إلى الأزمة السورية الراهنة. ولو نظرنا إلى التقارير الدورية التي تُصدرها الأمم المتحدة ومنظماته ومجالسها الفرعية غالباً ما تكون مسيسة ومتحيزة ضد المصالح العربية والإسلامية، ولها معايير مزدوجة ومضطربة، وما القرار الأخير ضد دول التحالف في اليمن، والذي تم سحبه بعد جهد دبلوماسي متميز من المملكة، إلا دليل صارخ على السلوك السياسي غير المنصف لهذه المنظمة تجاه مصالح العرب والمسلمين.
وأردف: حتى الوصول إلى المناصب القيادية في هذه المنظمات يراعى فيه مصالح القوى الكبرى ورضاها، عن شهادة حسن السيرة والسلوك السياسي للمرشح، وإلا لن يُكتب له الفوز بأي منصب رفيع في هذه المنظمات، وخاصة إذا عُرف عن هذا المرشح الاستقلالية السياسية أو الحياد تجاه مواقف الدول الكبرى.
وختم الدكتور محمد بن عوض الحارثي حديثه لـ"سبق": السياسة الدولية ومنظماتها تحتفي بالقوة والتحالفات والنفوذ، وهي حتماً عوامل تملكها القوى الكبرى وتفتقدها الدول الأصغر "ضحايا النظام الدولي القائم". ولا مناص لهذه الدول النامية إن أرادت التخفيف من غلواء هذا التحيّز والظلم من الشروع في بناء التحالفات وتنسيق المواقف فيما بينها والنشاط الدبلوماسي المكثف؛ لكي تزيد من قوتها التفاوضية. وأيضاً محاولة زيادة نسبة وحصص العاملين في هذه المنظمات الدولية، ولجانها من أبناء دول العالم العربي والإسلامي. لكن في نهاية المطاف لا بد من الاعتراف بأنه لا مناص من بناء القوة الذاتية وعدم التعويل على الأخلاقيات والشعارات المثالية المرفوعة لهذه المنظمات التي هي أصلاً تحترم القوي وتجعل لمصالحه الأولوية على حساب الأضعف.