"سبق" تقف على طريقة تحضير "دهن الورد الطائفي" عطر الملوك والأمراء

عبق التاريخ قبل 200 عام.. وتُغسل به الكعبة المشرفة مرتين
"سبق" تقف على طريقة تحضير "دهن الورد الطائفي" عطر الملوك والأمراء

(تصوير: رائد عبدالعزيز): تعيش محافظة الطائف موسم قطف الورد الطائفي، الذي تظل صناعته حاضرة، ومن أقدم الحرف بالمحافظة. ويصف الأهالي أنه ليس هناك أجمل من الورد إلا رائحته، ولا أجمل من الطائف عند أهل الطائف إلا وردها، وإن كان الورد سهل طريقه ويسير قطفه فالورد الطائفي يأبى أن تتفتق أكمامه إلا على جبال السروات في محافظة الطائف، التي تبعد عن مكة المكرمة ثمانين كيلومترًا.
 
ورصدت "سبق" عملية قطف الورد الطائفي خلال موسمه المتزامن مع فعاليات مهرجان الورد الطائفي الدولي الـ12 بمنتجع الشعلة السياحي، ورافقت في بداية جولتها الخبير بالورد الطائفي خالد القرشي المشرف على مصنع الكمال للورد الطائفي الكائن بالهدا، الذي تقدم بشرح موجز لخطوات التحضير والإنتاج ومرحلة قطف وجني الورود، وقال: إن أفضل وقت لقطاف الورد يكون قبل شروق الشمس، ويأتي من مزارع مختلفة، ويبدأ بالوزن، وينتقل لداخل المعمل؛ ليمر بمرحلة الطبخ والتقطير الذي يستغرق على الأقل 12 ساعة متواصلة مرورًا بمراحل التبخير، ومن ثم مراحل التكثيف والتبريد، وأخيرًا مرحلة الفصل النهائية بين الدهن عن الماء بواسطة القطارات؛ لينتج في نهاية المطاف المنتجات المميزة من ماء الورد والدهن الطائفي. وتستهلك التولة الواحدة من 25-40 ألف وردة، تُقطف ثم تُطبخ، ثم تُقطر، ثم يتم سحب دهن الورد وماء العروس.

وأضاف القرشي: ويعتبر عطر الورد الطائفي من أغلى عطور الورد في العالم. وبحسب المزارع، فإن أثرياء ووجهاء الخليج يحجزون مسبقًا كميات كبيرة من المعامل التقليدية العريقة قبل عرضها، وتتراوح سعر تولة دهن الورد الأصلي من المعمل مباشرة بين 1500-2000 ريال، ويباع عند بعض تجاره بفارق سعر كبير جدًّا.

ويؤكد صاحب أقدم مصانع الورد بالطائف (معمل الكمال)، لصاحبه خالد كمال، أن دهن الورد الطائفي ليس فيه درجات، أو قطفة أولى أو ثانية كما يشاع بين الناس فـ"هناك فقط نوع جيد، وآخر رديء"، والجيد منه هو الذي يتم استخلاصه من أربعين ألف وردة.
 
سر التميز

وأشار خالد كمال إلى ارتفاع مدينة الطائف عن مستوى سطح البحر بـ6400 قدم؛ ما ساهم في أن تكون مزارعها مثالية ومناسبة. ويكمن سر تميز وردها عن غيره في أنه يُسقى عادة بماء المطر وندى الضباب. ويقول: إن مزارع الورد بالطائف سمادها عضوي، وعطرها طبيعي 100  %، ولا تدخل في صناعته أي مواد كيميائية أو مثبتات.
 
الورد الطائفي.. تاريخ عريق يمتد لـ200 عام

ومن جانبه، قال المرشد السياحي أحمد الجعيد: "امتد تاريخ الورد الطائفي لأكثر من 200 عام". كما يرى أنه جُلب من خلال حكام الدولة العثمانية من تركيا إلى حكام الحجاز في مكة، وتمت زراعته في الطائف، وكان أهالي الطائف مهتمين بهذه الشجيرة كزراعتها على أطراف المزارع كساتر بالنسبة للمزرعة، وكانوا أيضًا مهتمين بزراعة الفواكه مع مرور الزمن خلال شهري مارس وإبريل من كل عام ميلادي، وتنتج هذه الشجيرة العشرات من الورود، ومع مرور الزمن أصبحت شجرة الورد الطائفي في قلب المزرعة، وبعد ذلك بحث الأهالي عن هذه الشجيرة ومصدرها وطريقة تقطيرها، وبدأت المصانع تزداد في محافظة الطائف. وبحسب الإحصائيات الأخيرة لوزارة الزراعة والمياه بالطائف، فقد بلغ عدد المصانع 50 مصنعًا، وعدد المزارع يصل إلى أكثر من 800 مزرعة في المحافظة، وتنتج أكثر من 30 ألف تولة خلال الموسم. وطالب الجعيد بإنشاء جمعية للورد الطائفي، تساهم في دعم المزارعين والمصنعين، وإيجاد حلول للمشاكل الذين يتعرضون لها، وإيجاد حلول لقلة المياه وأثرها على المحصول بشكل عام، وكذلك مشكلة قلة العمالة وطلب قروض ودعم المزارعين.. فوجود جمعية يساعد على تطوير المنتج وإظهاره بشكل أنيق في طرق عرضه ومنافذ البيع.
 
وبالنسبة لطريقة تحضير دهن الورد فهي في الغالب قائمة على الطريقة التقليدية بالغاز، كما يوجد 5 مصانع تستخدم طريقة طبخ بالحطب، وكذلك استُحدث الآن مصنعان يستخدمان الطريقة الحديثة، ونتمنى نجاحهما؛ حتى تعمم على بقية المصانع.
 
50  تولة و20 لترًا من ماء العروس استخدمه خلفاء وملوك الدولة الأموية والعباسية والعهد العثماني وبداية العهد السعودي كهدايا ثمينة، إلى جانب استخدامه بعد مزجه بماء زمزم وماء الزهر في غسل الكعبة المشرفة باستهلاك 50 تولة وأكثر من 20 لترًا ماء العروس، وكذلك يستخدم عبر مرشات تعطير لأجواء المسجد الحرام.
 
استخداماته

وتتعدد استخدامات ورد الطائف؛ إذ يضاف لمياه الشرب لإضفاء نكهة خاصة، كما يستعمل كعلاج للصداع وأمراض القلب وآلام الأسنان. وكان بعض نساء الطائف يضعنه بين خصلات شعورهن على شكل أكاليل وعقود توضع على الرأس والعنق للفتاة المتزوجة وأقاربها بليلة الزفاف. وقال عدنان بن سفر القرشي مشرف علاقات مهرجان الورد الدولي الـ12: إنه يعرف جودة دهن الورد الأصلي من المغشوش من رائحته المميزة "لا يمكن تقليدها، ودهنه ذو لون مصفر ضارب إلى اللون الأخضر قليلاً، والأخضر الواضح منه سيئ، وليس لزجًا لزوجة الزيت، بل هو خفيف، لا يترك أثرًا زيتيًّا على الملابس أو الجسم عند التطيب به".

وينتج من الورد - إضافة إلى دهنه - "ماء العروس"، وهو الماء المكرر من غلي الورد لاستخراج الدهن. كما ينتج أيضًا ماء الورد المعروف الذي يدخل في كثير من الطبخات والحلويات الشرقية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org