تتمتع سلطنة بروناي بكثير من المزايا، التي تجعل منها دولة هادئة وغنية، وهو ما انعكس على مستوى المعيشة لسكانها، الذين يرجعون إلى أعراق شتى، ولكنهم يعيشون في سلام وتآلف مستمر؛ حيث تستقبل سلطنة بروناي اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في إطار جولته -يحفظه الله- على عدد من الدول الآسيوية.
وبروناي تعرف رسمياً باسم "بروناي دار السلام" أو "أمة بروناي" أو "أرض السلام"، وهي دولة تقع على الساحل الشمالي لجزيرة بورنيو في جنوب شرق آسيا، وتنقسم إلى منطقتين تفصلهما بلدة "لمبانج" التابعة لولاية سراواق الماليزية، التي تحيط ببروناي بشكل كامل، باسثناء ساحل بروناي الشمالي المطل على بحر الصين الجنوبي، وهي الدولة المستقلة الوحيدة على جزيرة بورنيو؛ حيث تتقاسم ماليزيا وإندونيسيا بقية الجزيرة.
اقتصاد فولاذي
وتعد بروناي من أقوى الاقتصادات في العالم، ويصف المختصون اقتصادها بأنه من "فولاذ"، تصل نسبة الديون فيه 0%، لذا يرون أنه من غير المتوقع أن تتعرض هذه الدولة لأي أزمة اقتصادية في القريب، والقريب هنا يقصد به عشرات السنين المقبلة.
ويُعتبر اقتصاد بروناي سادس أقوى اقتصاد في العالم، لتتفوق بذلك على كل من الولايات المتحدة والإمارات العربية وسويسرا والكويت على التوالي في نسبة دخل الفرد، ووفقاً لتقارير اقتصادية، فإن سلطنة بروناي تبوأت هذا المركز، بعد أن تبين أن الناتج المحلي السنوي لها بلغ 52.7 مليار دولار سنوياً، متخطية بذلك دخل الدولة التي تصدر أوراق الدولار في الأساس، أي الولايات المتحدة الأمريكية.
النفط والغاز
وتعتمد بروناي على النفط والغاز، وتشكل عوائد صادرات البترول الخام والغاز الطبيعي، المصدر الرئيس للدخل القومي بالنسبة للسلطنة، ويقدر معدل النمو الذي حققته سلطنة بروناي بنحو 5%، وهي نسبة تعد ضخمة جداً في عالم المال والأعمال، وأمام الطفرة الصناعية والتجارية التي أحدثتها إدارة السلطنة، لم تعد عائدات البترول تشكل سوى 45% فقط من إجمالي الدخل.
إرتقاء و2000 مشروع
وتسعى السلطنة إلى الارتقاء باقتصادها، ومن الملاحظ أن خطط سلطنة بروناي المستقبلية دائماً طموحة، وهي تعمل على تطوير آليات التنمية الاقتصادية من خلال خطط قصيرة المدى، في الغالب تكون خططاً خمسية، وخلال الفترة ما بين عامي 1990: 1995م، والتي كانت تأمل من خلالها إقامة ألفي مشروع صناعي، يمكن من خلاله توفير أكثر من 40 ألف فرصة عمل، هذا بجانب تخصيص نسبة كبيرة من إجمالي الدخل العام؛ للإنفاق على المشاريع العمرانية.
نشأة السلطنة
ترجع نشأة بروناي للقرن السابع الميلادي، عندما كانت دولة لمملكة سريفيجايا تحت اسم "بوني"، وأصبحت في وقت لاحق دولة تابعة لإمبراطورية ماجاباهيت قبل اعتناق الإسلام في القرن الخامس عشر، وخلال ذروة امتداد إمبراطوريتها، امتدت سيطرة السلطنة لتشمل المناطق الساحلية من ما يعرف في هذه الأيام بسراوق وصباح وأرخبيل سولو والجزر الواقعة قبالة الطرف الشمالي الغربي من جزيرة بورنيو.
وبدأت الإمبراطورية بالتراجع بعد إجبارها على التنازل عن سراواق لجيمس بروك، والتنازل عن صباح لشركة شمال بورنيو المسجلة البريطانية، وبعد خسارة ليمبانج، أصبحت بروناي محمية بريطانية سنة 1888، ثم أقام بها حاكم بريطاني سنة 1906.
وبعد انتهاء الاحتلال الياباني للبلاد، أعلنت بروناي دستوراً جديدا وخاضت ثورة مسلحة، ثم استعادت استقلالها من المملكة المتحدة في الأول من يناير 1984، وأدى النمو الاقتصادي خلال السبعينيات والتسعينيات، والذي وصل معدله إلى 56% ما بين سنتي 1999 و 2008، إلى تحويل البلاد إلى دولة صناعية حديثة تحتل المرتبة الثانية في مؤشر التنمية البشرية، بعد سنغافورة، بين دول جنوب شرق آسيا، وتصنف على أنها دولة متقدمة، ووفقا لصندوق النقد الدولي، تحتل بروناي المرتبة الرابعة من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد، في ظل تعادل القدرة الشرائية.
بدايات الإسلام
وهناك اختلاف حول الفترة التي دخل فيها الإسلام إلى بروناي لأول مرة، إلا أن عدداً من الآثار تشير إلى أن الإسلام مورس في الجزيرة منذ القرن الثاني عشر الميلادي، ومن بين الآثار شواهد قبور وجدت في مقابر إسلامية متعددة في بروناي، وخاصة شاهد القبر الذي وجد في مقبرة رانجاس لمسلم صيني اسمه بو كينج شو مينه؛ حيث دفن هناك سنة 1264، وكان هذا قبل مائة عام على اعتناق أونج الك بيتاتار للإسلام، الذي أصبح لاحقاً السلطان المسلم محمد شاه، أول سلطان لبروناي.
ادّعاء ومؤرخون
وادّعى عدد من المؤرخين الأوروبيين أن بروناي لم تصبح دولة مسلمة حتى القرن الخامس عشر، إلا أن مرجعاً صينياً، ذكر أن ملك بروناي سنة 1370 كان ماهوموساً. على الأرجح أن هناك موجتين من التعاليم الإسلامية التي قدمت إلى بروناي، حيث قدمت الأولى عن طريق التجار القادمين من الجزيرة العربية وبلاد فارس والهند والصين، أما الموجة الثانية فحدثت بعد اعتناق السلطان محمد شاه للإسلام، ومع الموجة الثانية، انتشر الإسلام في بروناي بوتيرة متسارعة.
الشريف علي
وقاد الشريف علي، الذي يرجع نسبه إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من خلال أحفاده الحسن والحسين، نشر الإسلام في بروناي؛ حيث وصل الشريف علي إلى بروناي قادماً من الطائف، ولم يلبث إلا فترة قصيرة قبل أن يتزوج ابنة السلطان "أحمد"، وقام الشريف علي ببناء مسجد في بروناي.
حرب الإسبان
وترسخ الإسلام في بروناي في القرن السادس عشر، وبنت بروناي أكبر مساجدها سنة 1578، حيث زاره المسافر الإسباني ألنسو بلتران، ووصفه بأنه مكون من خمسة طوابق ومبني على الماء، والأرجح أن الطوابق الخمسة رمزت إلى أركان الإسلام الخمسة، وفي يونيو من العام ذاته، قامت إسبانيا بتدمير المسجد، وأدى التأثير الأوروبي إلى القضاء على بروناي كقوة إقليمية؛ حيث خاضت بروناي حرباً وجيزة مع إسبانيا، احتلّ خلالها الإسبانيون عاصمة بروناي، ولكن الحرب انتهت بانتصار بروناي، رغم خسارتها لعدد من أراضيها.
أحداث متوالية
وصلت سلطنة بروناي ذروة ضعفها في القرن التاسع عشر، عندما خسرت معظم أراضيها للملوك البيض حكام سراوق، وهو السبب في كون بروناي حالياً صغيرة المساحة ومقسمة إلى منطقتين منفصلتين، وأصبحت بروناي محمية بريطانية سنة 1888 حتى سنة 1984، واحتلتها اليابان ما بين 1941 و1945 خلال الحرب العالمية الثانية، ثم حصلت ثورة صغيرة ضد الملكية سنة 1960، إلا أنها أخمدت بمساعدة من المملكة المتحدة، وعرف هذا الحدث بثورة بروناي، وكانت الثورة أحد أسباب فشل فدرالية شمال بورنيو، كما أثرت جزئياً في قرار بروناي بالانسحاب من الفدرالية الماليزية.
اعتراف دولي
علاقات بروناي مع المملكة المتحدة وطيدة؛ حيث أصبحت العضو 49 في رابطة دول الكومنولث مباشرة يوم استقلالها في 1 يناير عام 1984، وانضمت بروناي لمنظمة أسيان في 7 يناير عام 1984 كمبادرة أولى نحو تحسين العلاقات الإقليمية لتصبح العضو السادس في المنظمة، وانضمت في وقت لاحق للأمم المتحدة في الدورة 39 الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأصبحت عضواً كاملاً في 21 سبتمبر عام 1984 كوسيلة لتحقيق الاعتراف بسيادتها واستقلالها الكامل من طرف المجتمع الدولي.
ولكونها دولة إسلامية أصبحت بروناي دار السلام عضواً كامل العضوية في منظمة المؤتمر الإسلامي في يناير عام 1984 في مؤتمر القمة الإسلامي الرابع الذي عقد في المغرب، بعد انضمامها إلى منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك"، وفي عام 1989 استضافت بروناي القادة الاقتصاديين للأبيك في الاجتماع الذي عقد في نوفمبر عام 2000 والمنتدى الإقليمى للآسيان في يوليو 2002.
العلاقات الاقتصادية
أما بالنسبة للعلاقات الاقتصادية الأخرى، فقد أصبحت بروناي دار السلام عضواً أصلياً في منظمة التجارة العالمية منذ أن دخلت حيز التنفيذ في 1 يناير عام 1995، وتعتبر لاعباً رئيساً في منطقة النمو في شرقي الآسيان التي تم تشكيلها خلال اجتماع الوزراء الافتتاحي في دافاو في الفلبين يوم 24 مارس 1994.
المساحة والسكان
وتتكون بروناي دار السلام من جزأين منفصلين بمساحة إجمالية قدرها 766.5 كم2 (226.2 ميلاً مربعاً)، يعيش 77% من السكان في الجزء الشرقي من البلاد، بينما يعيش نحو 10.000 شخص في الجزء الجبلي الجنوبي الشرقي (إقليم تيمبورونغ)، يبلغ مجموع سكان البلاد من 428.000 (2010) يعيش 130.000 منهم في العاصمة بندر سري بكاوان.
المشاريع الأجنبية
اقتصاد البلاد الغني هو مزيج من المشاريع الأجنبية والمحلية وتنظيم الحكومة وتدابير الرعاية الاجتماعية والتقاليد القروية، ويشكل إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي، كما يوجد دخل كبير من الاستثمارات الخارجية يكمل الدخل الإنتاج المحلي، وتوفر الحكومة كل الخدمات الطبية وإعانات الأرز والإسكان.
قلق الزعماء
يشعر زعماء بروناي بالقلق تجاه اطّراد الاندماج في الاقتصاد العالمي، مما سيقوض التماسك الاجتماعي الداخلي، على الرغم من أن البلاد أصبحت لاعباً أكثر بروزاً من خلال منصب رئيس منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي "أبيك" عام 2000.
"بروناي حلال"
أطلقت بروناي دار السلام في يوليو 2009 مخطط العلامة التجارية الوطنية "بروناي حلال" والذي يسمح للمصنعين في بروناي ودول أخرى باستخدام علامة بروناي حلال التجارية؛ لمساعدتهم على اختراق الأسواق المربحة في البلدان التي فيها أعداد كبيرة من المستهلكين المسلمين.
اللغة الرسمية
اللغة الرسمية للدولة هي لغة الملايو (البهاسا ميلاوية) على الرغم من وجود أقلية معتبرة تتحدث الصينية، وفرع الملايو المحلي كيدايان أو بوكيت ملايو هي لغة يتحدث بها ثلثا السكان وفيها تباين واضح جداً عن الملايو القياسية، وأهم لغات السكان الأصليين إيبان ولغتين أخريين تدعيان توتونغ يتحدث بكل منهما نحو 20.000 شخص، وتستخدم اللغة الإنجليزية على نطاق واسع، حيث يقطن البلاد عدد كبير من المغتربين من المواطنين البريطانيين والأستراليين.
دولة إسلامية
الإسلام هو الدين الرسمي لسلطنة بروناي بنسبة 67% والسلطان هو رئيس الدين في البلاد؛ حيث تشمل الديانات الأخرى البوذية (13% وبصورة رئيسة من قبل الصينيين) والمسيحية (11%)، ويشكل المفكرون الأحرار نسبة 7% وهم بمعظمهم من الصينيين على الرغم من أن معظمهم يمارس بعض أشكال الدين مع عناصر من البوذية الكونفوشيوسية الطاوية إلا أنهم يفضلون تقديم أنفسهم على أنهم لا دين رسمياً لهم، وبالتالي يُعتبرون ملحدين في التعدادات الرسمية، وتشكل الأديان الأصلية نحو 2% من السكان.