سوق الإعلانات السوداء

سوق الإعلانات السوداء

استقلالية الوزارات والهيئات الحكومية بميزانية الإيرادات والمصروفات أمرٌ جيد كجزء من رؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، ولكن الحذر أن تضر عمليات الإصلاحات بالمواطن كتعويض عن نقص في الإيرادات ناتج من قصور في تطبيق بعض الأنظمة والقوانين التي يُفترض أن تجلب إيرادات كثيرة. والأخطر من ذلك عندما تذهب تلك الأموال لاقصاديات دول أخرى.

ليس من الخطأ أن تفرض الأمانات والبلديات رسومًا على خدمات كانت تقدمها مجانًا، مثل رسوم النفايات، وليس من الخطأ أن ترفع من رسوم الرخص للمحال والبناء وغيرها؛ لتحصل على مقابل مالي لتلك الخدمات التي كانت تقدمها مجانًا، وبأسعار مختلفة؛ لتغطي بها مصاريفها، ولكن أن يكون لدينا هدر في أقسام المفترض منها تنمية استثمارات الدولة، تذهب إيراداتها المهولة لتجار محليين ولشركات خارج السعودية، مثل سوق الإعلانات الخارجية في الشوارع والمحال التجارية والمنشآت الحكومية وغيرها، والسبب أن الأنظمة غير مكتملة وغير مفعلة بأكمل وجه، وغير متبعة دائمًا.. فهذا أمر يستحق المراجعة، ويفترض أن يدخل كمؤشر لتحسين الأداء في الوزارات المعنية.

قرأتُ قبل أسابيع قليلة لقاء مع الرئيس التنفيذي لأكبر شركة إعلانات بالسعودية. وقد وضح شاكيًا من هذه الشوائب بهذه السوق. وأعلم أن هناك أسواقًا أخرى تعاني التشوهات نفسها، منها أسواق سوداء في الأدوية هنا داخل السعودية. ولم أكن أتوقع أنه يوجد لدينا سوق سوداء في "سوق اللوحات الإعلانية"، يعمل عليها أفراد ووكالات أجنبية، للحصول على مكاسب مالية عالية مستغلين التكلفة المتدنية من وسائل غير نظامية، التي لا يستفيد منها اقتصادنا من الحجم الحقيقي لسوق الإعلان، بل يحد من نموها، ويذهب الفرق من الدولة إلى التاجر المحلي والخارجي كأرباح مهولة. وهذا وجه من شوائب السوق التي تستغل عدم اكتمال الأنظمة والقوانين، وعدم اتباع بعض الموجود منها.

أمرٌ يجب أن تنظر له القطاعات المعنية، وخصوصًا الأمانات والبلديات؛ كونها الأقرب للإعلانات الخارجية بأنواعها وتراخيص المحال التجارية ومحطات الوقود.. وأيضًا يجب أن تنظر له وزارة الشؤون البلدية والقروية، وتركز على تفاوت تطبيق أمانات المناطق في هذا الشأن؛ فبعض الأمانات لا تطبّق الأنظمة مثل الأمانات الأخرى.

وجود بعض النواقص في أي تنظيم أو في تطبيقه يُعتبر أمرًا يمكن استدراكه، ولكن إذا كان منتشرًا، وشركات محلية قائمة على هذا الأساس، ويشرف عليها تجار من خارج البلاد، فإن ذلك يعتبر أمرًا خطيرًا. ونحن لم نعد كما السابق عندما كانت الهوامش تغطي الأخطاء. نحن في زمن يتطلب فرض تطبيق الأنظمة والقوانين وتحسين الأداء، وأي وزارة أو قطاع يتأخر في عمله فسيكون مصيره مكشوفًا في مؤشرات الأداء. المشهد سيكون واضحًا؛ فأي خلل (قضية فساد مثلاً) ستعمل القطاعات المعنية بالتحقيق والتدقيق (نزاهة أو ديوان المراقبة العامة أو غيرها) على قضيتهم فيه، وتكتشف ضعف الأنظمة والقوانين حتى وإن لم يكن لها علاقة بالقضية. القضية فقط فرصة لمراجعة طرق وتتبُّع الأعمال؛ فأنصح وزارة الشؤون البلدية والقروية بالقيام بذلك، وتصحيحه قبل أن يقوم به قطاع رقابي؛ فيكون الضحية المسؤول الذي يعتقد أن الأنظمة والقوانين في وزارته أو هيئته كاملة ومتَّبعة.

غياب الأنظمة، سواء لعدم اكتمالها أو لعدم اتباعها، يتسبب في إيجاد شوائب في الأعمال والعمالة والنزاهة والغش والاستغلال.. وقد حرصت الأنظمة الجديدة المستهدفة في رؤية السعودية 2030 على معالجة هذه الشوائب؛ ولذلك تجاهلها المباشر ينعكس على المنظومة التنموية بالكامل، وخصوصًا أن الدخل الآخر المتوقع أن يغطي هذا الخلل سيكون على حساب المواطن والمحال التي ستحوِّل الفاتورة على المواطن.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org