يسمعون صوت التهليل والتكبير منذ أن تقترب باخرتهم إلى رصيف ميناء جدة، تتسارع عشرات الأيدي لربط الباخرة إلى الميناء، ينزل الركاب، ويرتفع صوت التكبير أكثر، إنها باخرة حجاج بحر عام 1379هـ، تحمل القادمين لأداء فريضة الحج، وصلوا بعد مشقة السفر الطويل، وكان في انتظارهم عشرات الإسعافات لتقديم أي طارئ، وحافلات تقف لنقلهم إلى مدينة الحجاج، وأخرى لنقل أمتعتهم إلى الجمرك.
الباحث في تاريخ السعودية عبدالله العمراني يروي لـ"سبق" من خلال بحث مصور أعده تفاصيل وصول الحجاج إلى ميناء جدة قبل 58 عامًا، مؤكدًا اهتمام وحرص المملكة في خدمة ضيوف الرحمن منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا.
وقال: "حين يصل الحجاج يكون في انتظارهم العشرات من سيارات الإسعاف لتقديم خدمات صحية عند الطوارئ، وطابور طويل من الحافلات تنقلهم من الميناء إلى مدينة الحجاج، حيث تنقسم المدينة إلى ثلاثة أقسام كل قسم يضم عددًا كبيرًا من الغرف الواسعة المزودة بالمراوح الكهربائية، وقد روعي في تصميم تلك الغرف أن تكون متوفرة التهوية، وتستقبل مدينة حجاج البحر في ذلك الوقت ما بين ستة آلاف إلى سبعة آلاف حاج.
وأضاف: "في مدينة حجاج البحر جامع كبير تُقام فيه صلاة الجمعة وعدد كبير من الدكاكين والمطاعم ومحال بيع الأقمشة، كما يوجد فيها فروع لكل دوائر الحكومة ذات العلاقة بالحج، كما أنَّ الماء يوفر مجانًا للحجاج".
وتابع العمراني: "يسير الحجاج إلى موظفي الجوازات، حيث يقومون بتأشير جوازاتهم وصفها الحجاج في ذلك الوقت بأنها تتم في دقائق معدودة، ثم يتجهون إلى منطقة السؤال، فيتولى ما يعرف بـ"نقيب المطوفين" سؤال كل حاج عن مطوفه، ويجيب الحاج باسم مطوفه، وفي الحال يستقبله وكيل المطوف، وفي ساحة الجمرك محل متاع الحجاج هناك مستوصف وسيارات إسعاف أيضًا لتقديم الخدمات الصحية.
وتابع: "لكل حاج عملية قيد طويلة مكونة من أربع بطاقات بطاقة تقدم لإدارة الحج حين القدوم وأخرى حين سفر الحاج، ومثلها تقدم لإدارة الجوازات، وهذه البطاقات توضح اسم الحاج وتاريخ القدوم وبلده ووسيلة النقل وجنسه ورقم جواز السفر واسم المطوف والوكيل ومرافقيه، مبينًا أنَّ عدد الحجاج الذين وصلوا عن طريق البحر في ذلك الوقت بلغ 86 ألف حاج، وهذا الرقم كان في أواخر شهر ذي القعدة.