أدت جموع غفيرة صلاة الميت على جثمان عميد شعراء العرضة الجنوبية الشاعر محمد بن مصلح بجامع بني سار بالباحة، حيث كان في مقدمة الجموع شيخ قبيلة بني عامر عبدالعزيز بن رقوش وأبناء الفقيد وذووه وأهالي قرى بني سار، فيما شهد العزاء حضور عدد من مسؤولي الإدارات الحكومية، وشعراء العرضة الجنوبية الذين قدموا للصلاة عليه.
وكان الشاعر -رحمه الله- أحد أهم شعراء العرضة الجنوبية، اشتهرت قصائده بالحكمة والموعظة والمدح.
التقت "سبق" عددًا مع شعراء المنطقة الجنوبية الذين حرصوا على الصلاة على الفقيد، فقال الشاعر سعود بن سحبان: "كان أول حضور لنا معًا عام ١٣٨٦هـ، واستمرينا معًا إلى عام ١٣٩٨هـ، ولم يكن في المنطقة إلا أنا والفقيد والشاعر الغويد، وبعد ذلك تناولتنا الأمراض وافترقنا".
وأضاف: "عندما مرضت كان هو والشاعر البيضاني، وكان كفوًا في شعره، إلا أن الأمراض أتعبته كثيرًا، حيث عمل له عملية قلب، وبعد ذلك غسيل كلى، وعاصرت أنا والشاعر ابن مصلح شعراء أقدم منا، وكانوا أعرف منا أمثال ابن خماش، والسلقة، وابن عقار، وابن عقيلي، وابن عايد، والفديم".
وزاد: "تنقلاتنا كانت مشيًا على الأقدام داخل القرى، ونمكث في الزواجات ثلاثة أو أربعة أيام في القرية، ثم أتت بعدها المواصلات، وما يميز ابن مصلح، أنه كان صاحب كرم وكانت له شعبية كبيرة".
وعن المواقف التي يتذكرها مع الفقيد ابن مصلح قال: "المواقف مع ابن مصلح كثيرة، وأذكر منها على سبيل المثال، كنا ذات مرة في المخواة، وقتل رجل في حفلة عن طريق الخطأ، حيث أصيب ببندقية في العرضة التي كانت احتفالاً بالعيد، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن لم يحتفلوا بالعيد مرة أخرى".
وتابع: "عشنا حياتنا في قسوة، وكانت المبالغ التي يتقاضاها الشاعر زهيدة، ولم يكن يعاب على الشاعر إذا حضر بدون دعوة، بل على العكس كان يلام إذا لم يحضر، وكان للشاعر قيمته حينها التي قد تقدم على بعض الشيوخ، عكس حالنا الآن تمامًا الذي تجد في كل قبيلة ما لا يقل عن ٦ شعراء".
وأردف: "الآن يوجد ثلاثة أشخاص غير الشباب الجدد الذين نسأل الله أن يبارك فيهم، والثلاثة هم: البيضاني واللخمي وعبدالواحد الذين قد لا يأتي أحد مثلهم في الشعر فشعرهم فيه الحكمة والمثل".
وختم: "اختلف الشعر قديمًا عن الحديث، فالشيلات الظاهرة اليوم لا يوجد بها فائدة، وكذلك اختلف منطوق الشعر، فلم يكن يقال الكلام غير المناسب في المناسبات كالسب والشتم الذي نراه اليوم، فكان قديمًا الشعر سمينًا، ويحفظ في صدور الرجال بدون مسجلات أو كتابة".
وقال الشاعر سعد بن عزيز: "قدمت من منطقة عسير للعزاء في الشاعر أنا والشاعر مسفر بن حواش، بعد أن بلغنا صباح اليوم الخبر، ووددنا أن نشارك قبيلة زهران بالصلاة والدفن ونحن ندعو له بالرحمة والمغفرة".
وأضاف: "كانت بداياتنا أنا ومحمد بن مصلح والغويد وحوقان ومسفر بن حواش وبن طوير وسعود بن سحبان، لم يكن في جبال السروان غيرنا من الشعراء، وكان محمد بن مصلح مدرسة، فهو أول من فرض بأن يعطى الشاعر حقه، فكان قدوة في المجتمع من غير شعره، ولم يكن هنالك نظام بأن يعطى الشاعر مقابل مادي، بل يعود ذلك إلى كرم صاحب المناسبة إن أتى منه شيء، فالحمد لله، وإن غير ذلك فليس لك عليه شرط، ولكن كان الكرم منتشرًا في القبايل، ولم تكن بالمبالغ التي نراها الآن كان شيئًا معقولاً وله قيمة، فابن مصلح جعل لكل شيء شيئًا، وجعل للشاعر مكانة، وأصبح رمزًا، وجعل من حضوره أهمية".
وتابع: "كان أول لقاء مع الشاعر محمد بن مصلح في قرية المشايعة في سبت العلايا وكان ذلك عام ١٣٩٣هـ وتغلبنا على المصاعب وقتها فلم يوجد وقتها الأسفلت وكانت الحياة شاقة، كانت مقابلاتنا محدودة فلم نكن نلتقي سوى في الحفلات، وبعد توفر المواصلات أصبحنا نلتقي في أي مكان، والقصائد بيننا كثيرة ولكن لا تحضرني حاليًا، ولكن كنا نرمي لبعيد في الشعر، وكانت آخر مقابلة لنا في حفلة في محافظة بيشة قبل مرضه الأخير الذي أعقبه ذهابه لمصر ".
وأردف: "الشعر الآن اختلف فأصبح تمضي حفلتك بأي كلام خلال ساعة أو ساعتين أو ثلاثة، وتذهب فهو مثل الساحة الرياضية، فالآن لا يوجد كلام شعر فالسب والشتم أصبح طابع فنجد بعض الانحلال في الشعر، الشعر قديماً كان يحفظ ويتم تداوله ويتصف بالحكمة والموعظة ".
وقال الشاعر سعيد بن هضبان: "ابن نصلح قدوة ومعلم ومرجع للتاريخ وللشعر وللتراث واستفاد منه كثير من الشعراء، وأنا احدهم فأنا أحد تلاميذه، عرفت ابن مصلح قديمًا منذ أن بدأت في الشعر منذ أكثر من ثلاثة عقود وكنت أحفظ قصائده قبل أعرفه، وقابلته مرات عدة لا أحصيها".
وزاد: "ما يميز ابن مصلح أن أبياته دائمًا سمينة لا يأتي إلا بكلام جزل ونكتة ومزحة مع الناس، فكان يسعد من حوله، فالكآبة لا تجدها في مجلس ابن مصلح".
وقال الشاعر عبدالواحد الزهراني: "أول حفلة حضرتها في حياتي كانت بوجود الشاعر ابن مصلح عام ١٤٠٤هـ، أتذكر أنني قدمت إليه وكنت أرغب أن أرد على قصيدة له فرفض وقال أنا من سيرد ولكن ابنِ لك قصيدة اخرى واخبرني بها قبل أن تلقيها ففعلت وكانت انطلاقتي".
وأردف: "قبل هذا الموقف كان هو صديق مقرب جداً لوالدي، فكانت معاملتهم مثل الإخوة فكان يبيت عندنا بالأيام ونحن كذلك نجلس عنده بالايام وكأننا عائلة واحدة، فكان بالنسبة لي ولإخوتي أب فأعيننا لم تفتّح إلا على ابن مصلح فكان كأنه شقيقا للوالد".
وبين أنَّ "أسلوبه وشخصيته رحمه الله كان فيها نوع من القسوة ونوع من الصرامة والجدية، ولكن كنت أستمع لها وأعمل بها مثل كأنها من والدي، فكان رحمه الله يركز على ذكر الله في شعره، وخاصة في السنوات الأخيرة، وفيها كثير من تجليات الإيمان ثم كان يذكر الانتماء للدولة ثم قبيلته التي كان يفتخر بها".
وزاد " ابن مصلح رجل بأمه، رجل تاريخ فيه صفات نادرة لا أحد يذكر ابن مصلح إلا ويذكر كرمه وشجاعته وذكاءه وسرعة بديهته وحميّته أشياء قلما تجتمع في رجل واحد".
واستطرد: "ابن مصلح رحمه الله ترك الحفلات قبل تكريمه لظروفه الصحية، فكان يغسل الكلى أسبوعياً مرتين أو ثلاث مرات، أما تكريمه فطرح عدة مرات ومن عدة شخصيات وكان الكل يريد أن ينال هذا الشرف والكل كان له رؤية في تكريمه، وربما اختلاف الآراء جعل الموضوع يتأجل أكثر من مره، ثم تشكل فريق يسمى ( مبادرون من زهران ) وعزموا على تحمل التكريم بتبعاته واجتهدوا في رصد الفكرة وفي دعوة الناس للحفل والحمد لله كان الحفل يليق بقامة هذا الرجل فأقيم في مكة المكرمة لأن ابن مصلح رحمه الله كان يقضي وقت طويل في مكة".
وكشف: "شعر العرضة مات فترة طويلة ثم أتى ابن مصلح والغويد ووالدي وسعد بن عزيز القرني ومجموعة أسماء، فأتوا في فترة الناس متعطشين لشعر العرضة فأحيوها من جديد فهؤلاء الرجال كان لديهم إمكانيات شعر كبيرة ولديهم إمكانيات في الصوت فعادت العرضة من جديد".
وقال الشاعر إبراهيم الشيخي: "التقيت بابن مصلح عام ١٤٢٠هـ وكان ذلك في بداية دخولي للشعر وعمري ١٤ عاماً حينها فتعامل معي بغاية الإنسانية حقيقة، فكان ينصحني ويقول لاتتبع بعض الشباب الذين ينزلون إلى المهاترات وليكن شعرك عادلاً".
وأضاف: "علاقتي مع ابن مصلح كانت علاقة الابن مع أبيه، والتلميذ مع أستاذه فكان في كثير من الأوقات كان يصحح لي ويقول لو قلت الرد بهذه الطريقة لكان أفضل، فكان يتعامل معي بالفطرة وليس أن يمارس أستاذيته علي، بل كان حرصاً بأن يكون الشعر جيداً وكنت أتقبل توجيهه بصدر رحب لأني أعلم بأن توجيهاته لي لم تصدر من مكابرة بل كانت من حرص".
وتابع " كان يأتيني باستمرار في بيتي في مدينة جدة من بساطته وطيبته وكان هو من يبادر بالاتصال ويقول أنا في جده ويأتني والحال كذلك بالنسبة لي لما كنت أذهب إلى الباحة لم أكن أتعدى بيته حتى أذهب إليه".
وختم: "كان آخر لقاء لي معه في مركز القوز جنوب القنفذة وكان معنا حينها الشاعر عبدالله البيضاني قبل ما يقارب خمس سنوات وكانت الحفلة جيدة".