شاهد.. "سبق" تروي كارثة الطائرة السعودية ترايستار قبل 37 عامًا

​العثور على أسطوانات غاز بين أمتعة الحجاج الإيرانيين
شاهد.. "سبق" تروي كارثة الطائرة السعودية ترايستار قبل 37 عامًا

 مثلت كارثة طائرة الترايستار السعودية، التي راح ضحيتها 301 راكب في مطار الرياض، والتي وقعت يوم الثلاثاء بتاريخ 8/ 10/1400هـ، الموافق 19/ 8/ 1980م، كارثة قضائية قدرية ربانية. فقد أدرك قائد الطائرة في ذلك الوقت وجود حريق منذ لحظة بدايته؛ وأخبر برج المطار بذلك، وعاد إلىالمطار للهبوط اضطراريًّا فيه، وأخبر البرج حتى بعد الهبوط بأنه وزملاؤه سيحاولون إخراج الركاب عن طريق أبواب الطوارئ. ومنذ لحظة الاتصال الأول مع برج المراقبة اتخذ الدفاع المدني الإجراءات والاحتياطات القصوى كافة اللازمة لإخماد النيران لإنقاذ ركاب الطائرة المنكوبة، ولكن كلمة الله وإرادته نفذت؛ فاستحالت على كل القوة التي أعدها الدفاع المدني لإطفاء الحريق ولفتح أبواب الطائرة بكل الوسائل؛ لأن الأجل قد حان. وهذه هي المرة الأولى في كل تاريخ الخطوط الجوية العربية السعودية التي تقع فيها مثل هذه الكارثة المفجعة.   

 

في هذا التقرير تروي "سبق" حكاية الطائرة المنكوبة على لسان الباحث في تاريخ السعودية عبدالله العمراني، الذي أعد بحثًا حصريًّا، اشتمل على تفاصيل هذه الكارثة بالصور.

 

يقول العمراني: كانت إحدى الطائرات التابعة للخطوط الجوية السعودية من نوع Lockheed L-1011) ترايستار) تقوم برحلتها ذات الرقم 163، وكانت قادمة من كراتشي عن طريق المطار القديم الموجود حاليًا على امتداد طريق الملك عبدالعزيز بالرياض برحلة مسائية الساعة العاشرة مساء، ومتجهة إلى جدة. وبعد إقلاعها من مطار الرياض في طريقها إلى جدة، وعلى بعد 50 ميلاً، ووفقًا لما ورد من تفاصيل الصندوق الأسود، فإنه بعد 7 دقائق طيران، وعلى ارتفاع 15000 قدم بالجو، تم إبلاغ كابتن الطائرة بوجود رائحة حريق بمخزن الأمتعة الخلفي؛ فاتصل قائد الطائرة الكابتن الشهيد محمد الخويطر - رحمه الله - ببرج المراقبة في مطار الرياض، وأفاد بأن لديه حريقًا داخل الطائرة، وأنه في طريق عودته للهبوط في مطار الرياض تحت ظروف اضطرارية.   

 

وأضاف الباحث العمراني: "انقطع الاتصال بعد ذلك بين الطائرة والبرج إلى أن نزلت الطائرة في مطار الرياض، وخرجت من المدرج الموازي، وتوقفت في نهايته، ثم أفاد قائد الطائرة بأنهم سوف يحاولون إخراج الركاب بالوسائل الاضطرارية، فيما كانت سيارات الدفاع المدني وسيارات الإسعاف وطائرات الهليكوبتر الخاصة بالدفاع المدني عند نهاية المدرج؛ إذ باشرت في الحال مكافحة الحريق، وكانت النيران حين وقفت الطائرة مشتعلة في أعلاها، وكان ركابها ما زالوا أحياء، لكنهم كانوا يواجهون خطر الموت احتراقًا أو اختناقًا أو ذعرًا".

 

محاولات الإنقاذ

 

  وتابع: أمام موقف كهذا كان التفكير كأمر بديهي يتجه لمحاولة إخراج الركاب بأية وسيلة؛ لأن أي تأخير في إخراجهم سوف يؤدي حتمًا لموتهم، وكان من المنتظر اقتحام الطائرة فورًا لتفتح أبوابها، أو يُشقُّ هيكلها، أو يُنتزع جزء منه كمؤخرة الطائرة. والمعتقد أنه قد هُيِّئ للدفاع المدني - خاصة في مكان حساس كالمطار - من الوسائل والإمكانات ما يجعل ذلك الاقتحام غير متعذر، لكن تفكير الدفاع المدني في تلك اللحظة نحا - فيما يبدو - منحى آخر، هو محاولة إطفاء الحريق أولاً، وبذلك لم تنجح عملية الإنقاذ. ولا يشك ذو عقل في إخلاص من وقفوا ساعات يسلطون خراطيم المياه على جسم الطائرة، ويحاولون إنقاذ من كانوا فيها، كما أنه لا يشك في أن كل طاقم الإنقاذ كانوا مستعدين للتضحية في سبيل الإنقاذ.  

 

وأضاف: كانت النار تشتعل من المؤخرة باتجاه مقدمة الطائرة، ثم غطت ألسنت اللهب جسم الطائرة. وتحت ضغط النار من مؤخرة الطائرة اندفع ركاب الدرجة السياحية كلهم نحو الدرجة الأولى عند مقدمة الطائرة؛ إذ حدث هناك تراكمهم فوق بعض محاولين البحث عن مخرج من الطائرة المحترقة. وللأسف، فقد تسبب تدافعهم وتراكمهم فوق بعض عند مقدمة الطائرة وأمام المنافذ في عدم إمكانية فتح أي منفذ للطائرة من الداخل؛ إذ عجز ملاحو الطائرة عن ذلك.  

 

معلومات مفصلة عند وصول الدفاع المدني

 

وقال: عند وصول فرق الدفاع المدني كان الحريق قد انتشر في الجزء العلوي من الطائرة بأكمله، وأدى إلىانصهار معدن الجزء العلوي تمامًا؛ إذ باشرت فرق الدفاع المدني عمليات الإطفاء، وتمت السيطرة على الحريق في منطقته وحصره في سقف الطائرة؛ ما ساعد على عدم وصول النيران إلى خزانات الوقود أو مستودعات الأمتعة. ومما ساعد على سرعة انتشار الحريق في أجزاء الطائرة هو تكوين الطائرة وهيكلها المبني من المعادن الخفيفة من الخارج ومواد بلاستيكية من الداخل، إضافة إلى مقاعد الطائرة الإسفنجية، التي تشتعل سريعًا، وتساعد في سرعة امتداد الحريق. وجسم الطائرة مشيد بصفائح مغلفة ومليئة بمواد سريعة الاشتعال مكونة من الغاز الخانق.  وأضاف: كل هذه الظروف فرضت على فِرق الإطفاء القيام بعمليات الإطفاء من الخارج أولاً؛ لتبريد الأجزاء الأخرى من الطائرة، التي قد تصل إليها النيران بين لحظة وأخرى. ولاشك في أن سرعة وصول فِرق الإطفاء لمكان الحادث ساعدت في عدم اشتعال النيران في الطائرة كلها؛ وبالتاليمنع ذلك انفجار خزانات الوقود فيها.  

 

وتابع: اقتربت فِرق الإطفاء كثيرًا من جسم الطائرة الذي تحول إلى قطعة حديد حمراء في سبيل القيام بواجبهم لإحداث فتحات في جسم الطائرة في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الركاب، وذلك أثناء عمليات الإطفاء الأخرى وعمليات التبريد. وتمكنت بعد ذلك من الدخولإلى الطائرة، ولكن - بكل أسف - بعد أن استُشهد جميع من كان بداخلها، سواء بالاحتراق الكامل، أو بالاختناق من الغازات التي نتجت من مواد جسم الطائرة المحترق، سواء في الهيكل الداخلي أو الجسم الخارجي.  

 

بيان رئاسة الطيران المدني والخطوط الجوية العربية السعودية

 

وقال: أصدرت رئاسة الطيران المدني والخطوط الجوية العربية السعودية بيانًا إلحاقيًّا عن الحادث المؤسف لطائرة الركاب السعودية. وقد أوضح البيان أن عدد ركاب الطائرة وملاحيها بلغ 301 شخص، منهم 82 راكبًا، قدموا على الطائرة من كراتشي مرورًا بمطار الرياض في طريقهم إلى جدة. كما استقل 22 حاجًّا كانوا قد وصلواإلى مطار الرياض على رحلة أخرى قادمين من إيران في طريقهم إلى جدة، إضافة إلى عدد من الركاب السعوديين والجنسيات الأخرى استقلوا الطائرة من الرياض. ومما يؤسف أن هذا الحادث الأليم أدى إلى وفاة جميع ركاب الطائرة وملاحيها البالغ عددهم الإجمالي 301 شخص.

 

 التحقيقات

 

وقال الباحث العمراني: قامت مجموعة من المسؤولين في الطيران المدني والخطوط الجوية السعودية بإجراءالتحقيقات، وذلك بالاستماع إلى شهود العيان من رجال المطافئ والمراقبين الجويين وموظفي الخطوط السعودية الذين شهدوا الحادث، ولآخرين غيرهم، إضافة إلىالاستماع إلى شريط التسجيل الموجود في برج المراقبة الجوية، الذي يحتوي على المحادثة التي تمت بين قائد الطائرة وبرج المراقبة والمعدات الأرضية. وبعد البحث تم العثور على أجهزة التسجيل الموجودة داخل الطائرة المعروفة اصطلاحًا بالصندوق الأسود. وأضاف: اتضح من التسجيل الموجود في البرج أن قائد الطائرة أفاد برج المراقبة مرتين بأن هناك حريقًا وسط مقصورة الركاب، ويبدو أن النيران قد امتدت بعد ذلك إلى مؤخرة الطائرة، ثم إلى مقدمتها وإلى غرفة القيادة. كما كان واضحًا تدافع الركاب وتجمعهم عند أبواب الخروج الرئيسية في مقدمة الطائرة حيث وُجدت أغلب الجثث؛ ما يحتمل أن يكون قد أدى إلى إعاقة ملاحي الطائرة عن القيام بواجباتهم؛ وبالتالي تعذر فتح مخارج الطوارئ من الداخل.

 

العثور على "أسطوانة غاز" بوتاجاز بين أمتعة الحجاج الإيرانيين

 

وأضاف: أثناء التفتيش داخل مقصورة الركاب بالطائرة عُثر على موقد غاز صغير (بوتاجاز) بين أمتعة الحجاج الإيرانيين في الجزء الأوسط من الطائرة، وآخر في مؤخرة الطائرة حيث تركز الحريق. كما عُثر على طفاية حريق في المنطقة نفسها، وقد استُعملت من قِبل الملاحين (وقد جرت العادة في تلك الفترة أن يحمل بعض الحجاج معهم خفية مثل هذه المواد القابلة للاشتعال). واتضح أيضًا أن محركات الطائرة الثلاثة وُجدت في حالة جيدة وسليمة، وفي مكانها حين وبعد هبوط الطائرة. كما أن خزانات الوقودكانت بحالة جيدة، ولم يصل إليها الحريق؛ ما يدل على أن الطائرة كانت في حالة ميكانيكية جيدة. ولم يجد رجال الأمن سوى جثة واحدة لم تمسها النار، قد ماتت بسبب الاختناق.  

 

دوريات الأمن بالرياض

 

وقامت دوريات الأمن بالرياض بجهد مضاعف في ليلة الحادث؛ إذ قامت بإحضار أكثر من أربعين صهريج مياهللمساعدة في تبريد الطائرة، وإطفاء حريقها. وقد ناوبأكثر من 100 شخص من منسوبي الدوريات، ووزعواالعمل بينهم؛ فقد قامت مجموعة منهم بإحضار عمال المقابر، وإحضار الشيولات لتهيئة القبور، كما قامت بإحضار عدد من الثلاجات المتنقلة لوضع الجثث فيها،كما قامت فرق أخرى من الدوريات بالاتصال بالمستشفيات. ولم يبقَ من الطائرة المحترقة إلا أجزاء بسيط منها، هي القطع الحديدية. وقد وُجد مساعد (الكابتن)الشهيد إبراهيم العياف على باب الطائرة، الذي يبدو أنه كان يحاول فتح الباب لإنقاذ الركاب، لكنه لم يستطع. كما أن كابتن الطائرة الشهيد (الخويطر) بذل جهدًا لإنقاذ الركاب.  

 

اجتماعات

 

 وشهد مطار الرياض في مساء يوم الحادثة عددًا كبيرًا من الاجتماعات التي حضرها كبار المسؤولين، وعلى رأسهم الأمير سطام بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وكيل إمارة منطقة الرياض في تلك الفترة. وقد بُلّغت غرفة العمليات بالدفاع المدني بمركز الملز بطلب المساعدة في مطار الرياض في الساعة العاشرة وخمس دقائق، ووصلتإلى الموقع فعليًّا في الساعة العاشرة وعشر دقائق بفرقتي إطفاء حريق فقط، وفق ما طُلب منها. وكان دورها مساندة قوات المطافئ في مطار الرياض. وعند وصول الفرقتين من الدفاع المدني بقيادة مدير الإدارة لمنطقة الرياض تم استدعاء ثلاث فرق أخرى للإطفاء وثلاث فرقإنقاذ، إضافة إلى وحدات الإنقاذ الجوي، وذلك بعد التأكد من حجم الحادث.  

 

مطارات السعودية

 

وقال: المعروف أن جميع مطارات السعودية مزودة بوحدات إطفاء، ترتبط بمدير كل مطار، وتختص بعمليات إطفاء حرائق المطارات، وهي حرائق تختلف تمامًا عن حرائق المساكن مثلاً، وغيرها من المنشآت، سواء من حيثالمواد التي تستخدم خلال عمليات الإطفاء، أو في نوعية الآلات والمعدات.

 

توجيه وزارة الداخلية

 

ووجَّهت وزارة الداخلية نداء لذوي الضحايا بمراجعة إمارة منطقة الرياض لاستلام المكرمة الملكية، وقدرها 50 ألفًالكل شخص راح ضحية لهذا الحادث الأليم. وقد أشرف الأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله - نائب أميرمنطقة الرياض في تلك الفترة على عملية تسليم جثث ضحايا الطائرة، وأُديت الصلاة على أرواح مجموعة ركاب الطائرة المنكوبة ظهر يوم الجمعة الموافق 12/ 10/1400هـ، أي بعد 3 أيام من وقوع الكارثة. وكان من بين من أُديت عليهم الصلاة قائد الطائرة الكابتن محمد علي الخويطر ومساعده إبراهيم العياف - رحمهما الله -. وقد تقدم الأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله - نائب أميرمنطقة الرياض حينها جموع المصلين على أرواح الضحايا الذين تم التعرف عليهم من ذويهم. ومن الأمور العجيبة في حادثة الطائرة السعودية أن أحد الركاب كان معه نسخة من القرآن الكريم، وأن هذه النسخة قد احترق كل ما حولها، حتى حاملها، ولم تمتد إليها السنة اللهب، لا من قريب ولا من بعيد، ولم يصبها إلا بعض البلل. وقد اطلع عليها كبار المسؤولين الذين صعدوا إلى الطائرة، وعلى رأسهم الأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله -. والنسخة حُفظت ضمن مخلفات الطائرة لدى الجهة المختصة بمطار الرياض.

 

معلومات عن الطائرة

 

يوجد بطائرة الترايستار نوعان من الصندوق الأسود، أحدهما يسجِّل معلومات عن السرعة والارتفاع والاتجاه وارتفاع الكابينة والوقت، والآخر يسجل الحديث الذي يدور في غرفة القيادة وكذلك الحديث الذي يدور بين قائد الطائرة والبرج. وعدد كراسي الطائرة 279 كرسيًّا عدا كراسي الملاحين. وقد استلمت الخطوط السعودية طائرة الترايستار من المصنع بتاريخ 21 أغسطس 1979م، وتعرضت للحادث يوم 17 أغسطس من عام 1980م، أي أن عمرها منذ الاستلام حتى وقوع الحادث عام إلا يومين. وبلغ مجموع الساعات التي طارتها هذه الطائرة3020 ساعة.

 

بيان الديوان الملكي

 

وقال العمراني: أصدر الديوان الملكي بيانًا حينها، أعلن فيه تبرع الملك خالد - رحمه الله - بمبلغ 50 ألف ريال لأسرة كل فرد من ضحايا الطائرة السعودية تعبيرًا عن عمق مواساة الملك خالد لأسر ضحايا الحادث، ورغبة في تخفيف وقع هذا المصاب الأليم على نفوسهم. وجرت عمليات التعرف على الضحايا في ساحة مستشفى الرياض المركزي. وقد عُلقت الصور التي تم التقاطها لجثث الضحايا لتسهيل التعرف على هوياتهم في قسم خاص. وبلغ عدد الصور المعروضة نحو 292 صورة. وقد تم التعرف من قِبل اللجنة الخاصة التي شكلها الأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله - على 162 راكبًا، إضافة إلى8 ركاب. وبهذا يكون مجموع الركاب الضحايا الذين تم التعرف عليهم من قِبل اللجنة وذويهم 170 راكبًا. أما باقي الجثث، التي بلغت 131 جثة، فقد استحال التعرف على أصحابها من قِبل ذويهم ومندوبي السفارات الذين راجعوا لجنة التعرف والتسليم. وقد فوضوا اللجنة بإتمام عملية الدفن، وخُصص لكل جثة قبر خاص بها. وتمت عمليات الدفن والصلاة على أرواحهم ظهر يوم الجمعة الموافق 25 شوال 1400هـ بمقبرة العود.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org