يشعر القادم إلى المدينة المنورة براً وجواً بالفخر والاعتزاز وهو يشاهد مآذن الحرم النبوي من عشرات الكيلومترات تتصعّد في السماء، ويقوده مشهد "البياض" إلى عصر صدر الإسلام؛ حيث الرسول الكريم وأصحابه، ثم الحراك الإسلامي الذي أحدثه خلفاء الدولتين الأموية والعباسية، وتمر الثواني سريعاً مستعرضاً مشهد اهتمام العثمانيين بالحرمين الشريفين، وأخيراً العناية الفائقة التي أولاها حكام الدول السعودية الثلاث.
وبات منظر المآذن العشر علامةً فارقة بين آلاف الصور التي ترمز للأشياء، ودلالة راسخة لاستمرار النور المبين الذي يشع بين جنبات قبور النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحجرة النبوية و"البقيع"، ورسائل صادقة حول شرف الخدمة يشاهدها الزوار ويتناقلها الركب للعالم.
وتعد مآذن المسجد النبوي الشريف حضارةً إسلاميّة خالدة، وأحد رموز فن العمارة الإسلامية التي تتصعد في السماء شموخاً وروحانية، فيما تؤكد المصادر التاريخية أنها ظهرت في القرن الهجري الأول، وتشير إلى أن أول من بنى المآذن في المسجد النبوي الخليفة عمر بن عبد العزيز في التوسعة الأموية عندما كان أميراً للمدينة المنورة في عهد الوليد بن عبد الملك في عام ٨٨هـ.
البداية.. 4 مآذن:
من جانبه قال الباحث والمهتم بتاريخ المدينة المنورة "فؤاد المغامسي" لـ"سبق": إن المصادر تشير إلى أن مآذن المسجد النبوي كانت أربع مآذن في كل من أركان المسجد النبوي الأربعة في بادئ الأمر، وكانت إحدى تلك المآذن الأربع تطل على بيت مروان بن الحكم، وكان ينزل بها أمراء بني أمية، وكانت كاشفة للمنزل فأُمر بإزالتها فأزيلت فأصبح للمسجد النبوي ثلاث مآذن؛ في الجهة الجنوبية الشرقية واحدة، والشمالية الشرقية واحدة، وفي الشمال الغربي واحدة.
وأكد "المغامسي" أن هذه المآذن ظلت حتى نهاية العهد العباسي، وأما في عهد المماليك وتحديداً في عهد السلطان "أشرف قيتباي" تم بناء مئذنة "باب الرحمة" التي استمر وجودها حتى التوسعة السعودية الأولى.
وبين أنه في العهد العثماني استقر المسجد النبوي بعد العمارة المجيدية بخمس مآذن؛ وهي: المئذنة الرئيسة، ومئذنة باب السلام، ومئذنة باب الرحمة، والمئذنة المجيدية، والمئذنة السليمانية.
70 متراً.. النقلة النوعية:
وأفاد الباحث "المغامسي" أنه في العهد السعودي كانت هناك نقلة نوعية في تاريخ مآذن المسجد النبوي؛ ففي التوسعة الأولى التي وضع حجر أساسها الملك سعود رحمه الله، فكما أشرنا أعلاه تم هدم مئذنة باب الرحمة، واستقر المسجد على أربع مآذن؛ حيث لا تزال المآذن الجنوبية كما هي، فقط رممت، وأما المآذن الشمالية فتمت إزالتها وتوسعة المسجد النبوي من الجهة الشمالية وإعادة بنائها بتصميم جميل وفريد؛ حيث بلغ ارتفاعها ٧٠ متراً، وفي توسعة الملك سعود استقرت المآذن الأربع ولا تزال للآن.
وأكد "المغامسي" أنه في توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله تمت إضافة 6 مآذن للمسجد النبوي بنسق وفن معماري مميز وجميعها بارتفاع ١٠٤ متراً، وعندها أصبح للمسجد النبوي عشر مآذن جميعها تحمل طابعاً فنياً ومعمارياً إسلامياً مميزاً؛ حيث تمازج في مآذن المسجد النبوي جميع التصاميم المعمارية للمآذن سواء الفن المملوكي والعثماني والطراز السعودي.