شباب يخوضون معركة الصورة ضد التطرف.. متمسكون بقيم الحوار والتعايش عبر أفكارهم وأفلامهم

"سبق" تقرأ مسابقة "حواركم" وقصص الأفلام المشاركة
شباب يخوضون معركة الصورة ضد التطرف.. متمسكون بقيم الحوار والتعايش عبر أفكارهم وأفلامهم

ستون يوماً من عمر مسابقة "حواركم" للأفلام القصيرة لم تكن كفيلة فقط بكشف عدد من المواهب التي يتمتع بها شباب وشابات المجتمع في تصميم وإنتاج الأعمال التلفزيونية وكتابة السيناريو، بل الأهم من ذلك كشفت عن تنوع الأفكار والمخزون الفكري الوطني الإنساني الذي يحملونه والمسؤولية المجتمعية التي يشعرون بها لا سيما وقد ناقشوا من خلال أفلامهم التي وصل عددها إلى (124) فيلماً قضايا وطنية مهمة وقيم مجتمعية أصيلة تعكس آرائهم وأفكارهم حول أهمية التعايش والتسامح وتعزيز الوحدة الوطنية ومبدأ الحوار في المجتمع، "سبق" قامت بقراءة المسابقة التي كشفت بدورها عن أفلام رائعة قدمت الدور الفني المبتكر الذي يمكن أن يقوم به أصحابها من الشباب عبر تقديم مضامين التوعية والدعوة إلى مثل هذه المواضيع من خلال منصات الإعلام الجديد مثل اليوتيوب.

ورغم عدد الأيام المعدود في مسيرة المسابقة التي ينظمها ويرعاها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، إلا أنها كانت طويلة بالنسبة للمشاركين، بدأت بالبحث عن الفكرة الوطنية الملهمة ثم العمل لتجسيدها أمام الكاميرا وتحويلها من مجرد فكرة إلى عمل ذي رسالة من خلال الإخراج والتمثيل الفعلي أو تصميم الرسوم المتحركة، ثم بعد ذلك الانتظار والترقب من أجل إعلان الفائزين بجوائز المسابقة التي بلغت أكثر من 150 ألف ريال سعودي، وسيتم تقديمها للأفلام المميزة التي تحصل على المراكز الخمسة الأولى، وسيكون موعد الحفل وتوزيع الجوائز يوم الاثنين المقبل 29 ربيع الثاني الموافق 8 فبراير، وطرح المتسابقون عبر أفلامهم القصيرة سيناريوهات وفيديوهات متنوعة عالجت قضايا وطنية أهمها الدعوة للتسامح والتعايش ورفض التطرف والتعصب.

ومن فيلم (نبقى متسامحين) والذي حصل على تقدير وتكريم لجنة التحكيم يقول المتسابق عمار الخليفة إن الفيلم يتحدث عن "كيف نكون متسامحين مثل طفولتنا، ننسى مقابل أشياء بسيطة دون تعقيد وبسهولة، وكيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الذين اعتدوا عليه حين قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ويبين الفيلم "قصر الحياة التي لا تحتاج لحمل الحقد والكره والبغض والتفكير والتوقف على عيوب الآخرين، فلنجعل منهجنا التسامح والتعايش كي نرقى ونصبح متسامحين" وهذه رسالة الفيلم.

وتدور أحداث فيلم (عسر هضم) للمتسابق أحمد الناصر حول "قطة سوداء تصول وتجول بين أفراد المجتمع مسببة الفتنة فيما بينهم وإشعال فتيل ما هو جالب للشر والجلبة حتى يتضح أن هناك من يشاهد الأحداث عبر الشاشة فتظهر لهم أيقونة الشر "القطة السوداء" فيقومون بسد الباب في وجهها وطردها بغية دحض الفتنة الطائفية حول ما جرى من خلال المشاهدة" وهذه ما يحاول الفيلم إيصاله وهو محاربة الفتنة.

ولأن التسامح والتعايش موضوعان حيويان في الحياة، فقد أخذا حيزاً كبيراً في نسبة الأفلام المشاركة، ويطرح فيلم (Coexistence) ويعني التعايش، فكرة فيلم بسيطة تقدمها المتسابقة مودة عامر، ويظهر حالة "التضاد في حال الإنسان ذي العقل البدائي الذي يشعر بالتهديد من كل طرف مختلف عنه، والإنسان المتحضر الذي يتناغم بالعيش مع الأطراف الأخرى، وكم من عقول بدائية لا تتعلم ولا زالت تكدر صفو عيشنا في زمننا الحاضر".

وحول نبذ الطائفية والعنصرية في المجتمع أراد سعد السرحاني عبر فيلمه (هم ليسوا منا) إيصال رسالة مباشرة لنبذ مثل هذه الظواهر في بلادنا، ورفع راية "هم ليسوا منا" في وجه كل من يحاول المساس بالوحدة الوطنية، ولا يذهب بعيداً عنه فيلم (لا فرق) للمشارك صالح فؤاد الذي يعالج التعصب القبلي ويعزز الوحدة الوطنية بمفهوم "لا فرق" بين قبيلة وأخرى أو منطقة وأخرى، أيضاً فيلم (الحرية في التسامح) للمتسابق محمد أدهم يدعو للتسامح ونبذ الفرقة، حيث يدور الفيلم حول "شخصين يسيران في طريق يعبر عن طريق حياتهم، ويمسكان بأيديهما حقيبة تعبر عن المشاحنات والبغضاء التي تنشأ بسبب الخلافات، ثم يتوقفا ليفعلا ما هو مفترض أن يفعلاه، وهو ترك الحقيبة ثم يكملا طريقهما ويكملا حياتهما متسامحين متحابين.

وتبقى العنصرية موضوعاً مهماً بحاجة للطرح والمعالجة عند عدد من المتسابقين، ولذلك تقوم فكرة فيلم (ذرّة) والذي حصد المركز الثالث في المسابقة على الحوار في شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" وما يتضمنه من عنصرية وتعصب، حيث يبدأ الفيلم "بعنصرية الجنس بين النساء والرجال، ثم عنصرية المناطق ثم عنصرية المذهب"، ويوضح الفيلم خطورة هذا الأمر محاولاً إيصال رسالة مفادها أن هذا الوطن جزء واحد غير قابل للانقسام مثل الذّرة تماماً.

كما يتحدث فيلم (منتنة) للمخرج صخر الهذلي عن أولوية القضايا التي تهم المجتمع، ليرفض قضية القبلية، وأن هناك قضايا وطنية أكثر أهمية منها، مؤكداً على أن الوطن وطن للجميع وتأسس على العدل المساواة، وأن حمايته وتطوره أولى الأولويات للجيل الناشئ وليس للقاءات العنصرية عديمة الفائدة.

كما يتحدث فيلم (رمادي) للمخرج فهد العماري عن العنصرية العرقية المتمثلة في افتراض النوايا السيئة عند بعض الأشخاص ونظرتهم الخاطئة تجاه من هم مختلفين عنهم في لون البشرة، ويدعو الفيلم إلى تقبل الآخرين وحسن الظن بهم مهما كان لونهم أو عرقهم.

وترتكز فكرة فيلم (المدرسة) للمخرج عبدالله زايد والفائز بالمركز الرابع على فكرة أنه "في المدرسة تنتصر الفطرة على كل أساليب التفرقة التي يقودها المحرّضون الطائفيّون، حيث تعبر المدرسة عن الوطن، والمعلّمون عن القدوات وقادة الفتنة، والطالبان عن المجتمع، وهو أنا وأنت"، وتدور الفكرة حول زين و بدر وهما طالبان من مذهبين مختلفين تربطهما صداقة وثيقة، لكن هذه الصداقة تتأثر كثيراً بسبب الشحن الذي يمارسه المعلمون في المدرسة، وفي النهاية تتغلب الطفولة النقية على كل الممارسات الكيدية بسبب الآباء المصلحين الوطنيّين من أجل أن تبقى المدرسة ولا يشّق صفّها، ويعتمد الفيلم أسلوب تعبيرياً عن مدى تغلب الصغار أو المجتمع ككل على كافة الضغوط؛ بمساعدة الوالدين والمصلحين من أبناء الوطن.

وفي فيلم (الخطة البديلة) للمخرج عمر العيسى والذي استحق تقدير وتكريم لجنة التحكيم، تحضر فكرة "المواطن هو رجل الأمن الأول" عندما يتكلم الفيلم عن شاب يقضي وقته بين شبكات التواصل الاجتماعي مقدماً الفائدة للمتابعين والجمهور، مستخدماً برنامج "سناب شات" لتصوير مقاطع متكررة عن ضرورة الأمن، ومحذراً ممن يحاول تفكيك وزعزعة الأمن من الجماعات الضالة والإرهابية، حتى يصل الشاب إلى تصوير مقطع من أمام أحد المساجد، وحينها يلاحظ أحد المشاهدين لمقطع المسجد وبعد تكرار المشاهدة بوجود أشخاص مجهولي الهوية مثيرين للريبة خلف كاميرا جوال الشاب، الأمر الذي جعله يذهب على وجه السرعة بصحبة أصدقائه للمسجد ليكتشفوا بحسهم الأمني أن الشخصين المجهولين كانا مفخخين بنية تفجير المسجد، ويحولوا دون حصول التفجير، وتتم عملية إنقاذ المصلين، وهذه رسالة الفيلم "بأننا يد واحدة مع أمن الدولة سواء مواطن أو مقيم أو أي شخص آخر".

وعبر فيلمه (اللاعب الخفي) يسعى عادل الخليفي لفضح أصحاب الحسابات الوهمية على شبكة الإنترنت، والتحذير من تأثيرهم وغاياتهم، لذلك يقوم الفيلم على التوعية بخطورة " أصحاب الحسابات الوهمية وكيف يستغلون تأثير المواقع الاجتماعية لتحقيق غايات تهدف لفريق أبناء الوطن الواحد عبر لاعب متخف بينهم بأسماء وحسابات وهمية يلعب على الجانبين ويستغل تأثير مثل هذه الشبكات من خلال إنشاء حسابات وهمية يشعل بها الجدل بين أبناء الوطن الواحد، ويثير الفتنة واختلاف وجهات النظر ليحقق هدفه وهو الفرقة"، ويعرض الفيلم في النهاية الحل لمواجهة مثل هذه الحسابات، وهو إلغاء متابعتها وحظرها من قبل الجميع حتى لا يكون لها أي تأثير وباب تنفذ منه.

وعندما تكون الحياة كاللوحة تحمل عدة ألوان ومعان واختلافات، يحضر فيلم (تحلو الحياة) للمتسابق المخرج محمد سنجاب والذي حصل على تقدير وتكريم لجنة التحكيم، حيث تدور قصة الفيلم حول "شخص يكره من حوله ومن هم من غير جنسيته فلا يلقي التحية ولا يرد السلام، حسود فلا يتمنى الخير لغيره حتى من أبناء جلدته وعرقه وبلده، يختلف بالرأي وينتقد غالبية الناس والآراء على شبكات التواصل الاجتماعي، وحتى بسبب تحفة فنية تافهة تتضخم الأمور وتُخلق المشاكل مع من حوله"، ولذلك تحلو الحياة بألوانها وهي اختلافاتنا، وخلال الفيلم وفي تسليط الكاميرا على منظر اللوحة يختفي لون من ألوان الحياة ولذتها عند حدوث كل مشكلة أو تفرقة أو عدم تعايش، فيختفي لون ثم لون ثم لون من اللوحة، ومع تكرار اختفاء الألوان تختفي جميعها لتصبح اللوحة باللونين الأبيض والأسود فقط، فتخلو الحياة حينها من معانيها وألوانها.

ونبقى في رسم ألوان الحياة، حين يأتي فيلم (لون الحياة) للمخرج عبدالعزيز الخنين الذي يحاول إيصال تشبيه غير مباشر للمشاهد، بأن أسلوب التعامل هو لون الحياة وأن الحياة هي اللوحة التي نرسم عليها تعاملاتنا وأخلاقنا، ولذلك "فعند كل موقف سلبي يتذكره الرسام يضمحل لون من الألوان الموجودة في اللوحة حتى لا يبقى فيها سوى اللون الأسود شاحباً بسوداويته، معبراً عن أبشع الأساليب التي يطبقها الإنسان في حياته، فيستمر الرسام بإكمال اللوحة باللون الأسود لتصبح لاحقاً قبيحة الرؤية والمنظر لعدم توفر الألوان الأخرى، وفي النهاية "يأتي شخص ينتقد لوحة الرسام بأسلوب غير جيد ولا مبال، وقبل أن يرد عليه الرسام بنفس الأسلوب يتذكر المواقف والأساليب السلبية التي كان يقوم بها وكيف كانت نتيجتها على لوحته، ثم يتعلم منها، حينها تعود الألوان إلى اللوحة إلى أن تمتلئ بها وتعود اللحظة إليه ليرد على من انتقد لوحته بأسلوب لطيف".

ويخوض فيلم (مارق) صاحب المركز الثاني معركة التسامح ضد الإرهاب، شخصيتان تتقابلان في مواجهة بين نور الحياة ومشهد الموت، مواجهة تكون بين قيمة التسامح وما تحمله من صفح ونسيان للماضي الأسود القريب وليس البعيد، وبين غياب العقل والتطرف والانقياد لأفكار الآخرين الدموية، حيث لا حياة إلا بالتسامح والتعايش.

بينما يأتي فيلم (المعاني المفقودة) صاحب المركز الأول ليذكرنا بقيمة هذه المعاني التي فقدناها وهي بين أيدينا، معاني المحبة والاحترام والتواصل فيما بيننا، وكيف يمكن لها أن تعود في غضون لحظات قليلة، ولا تتطلب الوقت الطويل ولا الجهد الكبير، فهي معان إنسانية مغروسة في نفوسنا وبحاجة إلى بصيص ضئيل من النور لتخرج من خلال ابتساماتنا وكلماتنا وإيماءاتنا وطريقة إصغائنا للآخرين لننعم براحة البال والطمأنينة وبالأمن المجتمعي فيما بيننا.


وتطرقت الأفلام الأخرى لمجموعة من القيم المهمة مثل الوحدة الوطنية ومحاربة التطرف الإرهاب، ومكافحة التعصب الرياضي وحتى الابتسامة والكلمة الجميلة كقيم بسيطة سامية، وفي الوقت نفسه بينت ضرورة الحوار المعتدل والتسامح والتعايش والتكاتف معاً من أجل بناء وطن جميل آمن نجتمع فيه على الكلمة الحسنة والمودة الصادقة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org