صمتُ طفلٍ بألفِ كلمةٍ

صمتُ طفلٍ بألفِ كلمةٍ

صمتُ الأطفال الشهداء أو الجرحى والمنكوبين أصبح اليوم أبلغ من ألفِ كلمةٍ يُمكِنُ أن تُقال اليوم، فبالأمس كانت صورة الطفل محمد الدرة وهو مسجى خلف والده قتيلاً برصاص الغدر والعدوان الصهيوني تقدم رسالة بليغة عن ظلم وقهر وبطش العدوان الإسرائيلي ثم نسي العالم تلك الصورة، لتجيء بعدها صورة جثة الطفل السوري الغريق على ضفاف البحر لتقدم نموذجاً آخر عن بطش النظام السوري ومن خلفه من داعمين فثار العالم ثم عاد لصمته، واليوم جاءت صورة الطفل "عمران" وهو يخرج من تحت الركام ولكن هذه المرة حياً ولم ينطق بكلمة واحدة بل حاول أن يمسح دموعه فلم يجدها، ووجد بدلاً عنها دماء تنزف من رأسه الصغير ورغم ذلك صمت ولم يبكِ ليبكينا نحن.

لا أعرف ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين كل تلك الصور، ولكنها في مجملها تعبر عن حال أمتنا وما وصلت إليه من ذل وهوان أصبحت تشير إليه صور الأطفال تارة وهم موتى وتارة وهم أحياء، فهم برهان واضح ودليل ساطع ليس على هوان هذه الأمة فقط بل وعلى موت العالم بأسره، كيف لا وقد أصبحنا نرى كل يوم القذائف وهي تتساقط على رؤوس الأطفال وسكان البيوت وطلاب المدارس لتهدمها وتقتل من فيها ليل نهار على مرأى ومسمع من العالم كله ولكن لا حياة لمن تنادي.

إن المنظر الذي ظهر به هذا الطفل البريء بهذه الصورة الصامتة المؤلمة يختزل معاناة وآلام مئات الآلآف من الشهداء والمصابين واللاجئين الفارين من بطش طاغية الشام والذين يعانون منذ عدة سنوات من الصراع الدائر في بلادهم، فهم إن بقوا في منازلهم سقطت عليهم البراميل المتفجرة وإن هاجروا وفروا من مناطق الصراع بحثاً عن ملجأ أو مستقر لقوا حتفهم بالموت سواء غرقاً أو اختناقاً أو قتلاً من بعض الجماعات الإرهابية الموجودة هناك، فهم يفرون من موتٍ إلى موت وما ذاك إلا شهادة تأكيد على موت الضمير العالمي.

لقد بكى الكثير حول العالم وهم يشاهدون هذا المنظر وغيره من المناظر المشابهة وأظهرت وسائل الإعلام العالمية دموعهم وتعليقاتهم على ذلك المشهد، ولكن دموع بعضهم كانت دموعاً كاذبة وتعليقاتهم كانت وهمية، فهم كمن يقتل القتيل ثم يأتي للعزاء فيه، فهم أنفسهم مسؤولون عن هذه المآسي وهم من شارك في حدوثها وهم من عمل على التمكين للقتلة والطواغيت الذين ينشرون القتل والدمار والرعب في تلك المناطق، ولعل صورة "عمران" الأخيرة جاءت صامتة ولسان حاله يقول: وإن لم تكن لدي دموع أو كلمات، إلا أنني أعرف كذب دموعكم وكلماتكم كما أعرف عجز هذا العالم اليائس والذي أصبحت تسيطر عليه قوى الشر والظلم والفساد، وهي نفسها تلك القوى التي قبلت بأن يصبح هذا مصيري ومصير غيري من أطفال سوريا.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org