صورة المملكة الرقمية الشعبوية

صورة المملكة الرقمية الشعبوية
تم النشر في

تستثمر الدول بشكل كبير في قنوات ومجالات سياسية وإعلامية واقتصادية وإنسانية ورياضية وغيرها؛ لتضع لها بصمة إيجابية، تساعد في تحسين صورتها.

والسعودية تُعتبر من كبرى الدول التي تستثمر في تلك القنوات انطلاقًا من مبادئها السياسية والدينية والأخلاقية، وسعيًا منها لتكون عنصرًا إيجابيًّا وفعالاً في المجتمع الدولي؛ ما ينعكس على صورتها بشكل إيجابي. لكن المشكلة تكمن في أن تلك الاستثمارات تُتداول فقط في الأوساط المعنية وبعض وسائل الإعلام بشكل مؤقت، وسرعان ما تنساها الشعوب؛ وبالتالي يجب إيجاد طرق أخرى لتوسيع دائرة تأثير تلك الأعمال والاستثمارات التي تقوم بها السعودية لإبراز صورتها الحقيقية للشعوب. ولا أعتقد أننا سنجد أفضل من الوسائل الرقمية في الوقت الحالي.

العوالم الرقمية والفضاءات الإلكترونية أصبحت بفضل تطورها الثوري التقني الأقرب للبشر، والأكثر تأثيرًا على أفكارهم وقناعاتهم ومعتقداتهم.. فعملية بحث بسيطة في جوجل، لا تستغرق ثواني معدودة، قد تنسف كل الجهود المبذولة والأموال المصروفة في تلك القنوات؛ لأن نتيجة هذا البحث قد تكون سلبية ومشوهة للحقائق، أو على الأقل خلاف المرغوب والمأمول به.

إحصائيًّا، هناك ما يقارب ثلاثة مليارات ونصف المليار من البشر متصلين بالإنترنت على وجه الكرة الأرضية، وهم بالطبع يتأثرون بما يشاهدون وما يقرؤون ويسمعون. هؤلاء البشر يتجولون في فضاء رقمي، يحوي ملايين الكتب والمصادر والمحتويات الإلكترونية التي تحوي كمًّا هائلاً من المواضيع والأخبار والمعلومات.. وبالتأكيد يشوبها الكثير من عدم المصداقية، وأحيانًا الغش والكذب والتدليس. ولنعلم ما إذا كنا نحن السعوديين محط اهتمام هذا الكم من البشر أو لا لنرى ماذا يقول محرك البحث الأشهر جوجل.. وفقًا لإحصاءاته، هناك ما يقارب ١٠٠ مليون عملية بحث شهريًّا عن كلمة Saudi، والكلمات ذات العلاقة بها (مليار ومائتا مرة سنويًّا). هذه الأرقام بلا جدال تؤكد أن الشعوب متعطشة للمعرفة أكثر عن المملكة العربية السعودية وشعبها.. لكن السؤال الذي يقلقني أنا شخصيًّا هو: ما المحتوى الذي يجدونه عند البحث؟

تأمل معي أيها القارئ الكريم للحظة، ماذا لو استطعنا تقديم المحتوى المناسب والصحيح عن بلدنا وثقافتنا وديننا لهذا الكم من البشر؟ كيف ستكون صورتنا في أذهانهم؟ صدقوني سنرى المفعول السحري الذي لا يمكن أن نتخيله من هذا الأمر، وسنستطيع بناء صورة عالمية إيجابية، ترسخ في أذهان الشعوب إلى الأبد.

عمليًّا، هذا الأمر يحتاج إلى استثمارات في العالم الرقمي مبنية على خطة استراتيجية طويلة المدى، ومركزة، تتشارك فيها تخصصات وخبرات عدة.. وسأضع بعض هذه الخطة هنا:
أولاً: تكوين فِرق متخصصة، تتألف من خبراء في العلاقات العامة والتسويق الإلكتروني وصناعة المحتوى.. على قدر كبير من المعرفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بأكثر من لغة.

ثانيًا: المشاركة الفعّالة "الذكية" والمكثفة في مواقع التدوينات العالمية التي تكون زياراتها بمئات الملايين شهريًّا، وهي معروفة ومعدودة.

ثالثًا: إثراء وتكثيف المحتوى الإلكتروني الرسمي والشعبي بمواضيع سياسية وتاريخية وثقافية ودينية.

رابعًا: إعادة صياغة وبرمجة المواقع الإلكترونية الحكومية والرسمية؛ لتكون أكثر توافقية مع التقنيات الحديثة والهواتف الذكية؛ لتشمل أكثر من لغة؛ لأن هذا الأمر أصبح متطلبًا أساسيًّا لمحركات البحث؛ ليتمكن محتواك من الظهور في النتائج الأولى.

خامسًا: الاستثمار في الدعايات المدفوعة لإبراز جوانب معينة حيث البحث عن مواضيع ذات علاقة بمكان وزمان الشريحة المستهدفة.

سادسًا: استخدام أدوات لقياس مؤشرات أدائك بدقة، ولمتابعة مدى التأثير بشكل دوري لمعرفة العناصر الأكثر فاعلية للتركيز عليها.

أخيرًا، هذه المبادرة ستوسع دوائر التأثير على شعوب الأرض، وليس الحكومات فقط. وأنا شخصيًّا أعتقد أن الظروف سانحة والحاجة ملحة والكفاءات أكثر وفرة للبدء بمثل هذه المبادرات من قِبل الجهات المعنية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org