صورة الوزير السعودي وتحولات الرؤية الوطنية
لم يعد من المستغرب أن يتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي من السعوديين، خصوصاً صورة مسؤول كبير بمرتبة وزير وهو ينتظر دوره في أحد المراكز الخدمية، أو هو يقوم بتبصيم شريحة جواله، أو ينتظر دوره في صالون حلاقة.
وبرغم أن مظاهر أخرى مثل قيام وزير مثلاً بالمشاركة في تقديم وجبات إفطار للصائمين أو آخر يتنازل عن مقعده في الطائرة لمسن أو محتاج برغم أنه قد ينظر لها البعض أن معالي الوزير يسعى لاستعراض فلاشات غير مقبول، إلا أن الأمر في النهاية أن الرسمية والإطار لمسؤول بهذا الحجم في السعودية قد تغيرت وتم كسر جدارها الرابع طوعاً أو انسياقاً إن صح التعبير.
بل لقد اكتشف المواطن السعودي فجأة أن التحولات في هذا الوطن الجميل نحت لتقدم صورة المسؤول رويداً رويداً في متناول النقد البناء. وأنه وضع لخدمة أبناء الشعب، وبالتالي فإن عليه أن يخرج ليوضح أو ليرد على انتقادات معلنة، أو حتى تلك التي يتم ترديدها على "تويتر" مثلاً والذي يوصف بأنه البرلمان السعودي الشعبي.
روح الرؤية
خروج وزراء يدير بعضهم أبرز وأهم الحقائب في السعودية حالياً مثل وزير المال ووزير الخدمة المدنية في برنامج تلفزيوني لنقل رسالة أو للرد على الأسئلة المتناثرة هنا وهناك -ربما ليست هي مبادرة طوعية شخصية- ولكنها هي منحى يجب أن يُدرَك أن قيادة الرؤية والتحول أرادت أن تقول للمواطن أن على هؤلاء ومن حقه أن يُجاب عن أسئلته. وأن هذا الوزير أو المسؤول الذي يقود هذا القطاع الخدمي أو المالي لا مشكلة في أن يظهر ليرد على الأسئلة المتعطشة.
وفي حالة مثل حلقة "الثامنة" مؤخراً فكونها مسجلة فهو لضبط المسار لا أكثر. وبرغم ما استُقبلت به من ردود أفعال متباينة إلا أنها فعلاً أجابت عن الكثير من الأسئلة وليس شرطاً أن تلبي الرغبات، فهذه مرحلة الجميع يقر أن الوضع يستوجب الوقوف مع الوطن الغالي فيها.
صورة المسؤول السعودي والوزير تحديداً تتضح تحولاتها في زمن الرؤية والتحول الوطني. وأنه مسؤول عليه أن يتحمل مهامه. وأن عليه أن يخرج ليبرر ويوضح للمواطن عند الحاجة بعدما غُلّفت هذه الصورة برسمية وحصانة فائقتين شملت حتى مجرد الظهور والتوضيح، وهي بالمناسبة قد تكون تصرفاً فردياً وإلا فسياسة البلد منذ عهد المؤسس هي الباب المفتوح.
وحتى لو قلنا إن في الدول المتقدمة هذا هو الأصل إلا أن الواقعية تقول إن تلك الدول مرت بمراحل لتصل لذلك، وإن علينا الصبر للمرور بالوقت المطلوب.
نظام لمحاكمة الوزراء
أيضاً لا يمكن تخطي مواقف حاسمة للقيادة وقفت فيها مع المواطن ضد تصرف مسؤول ولو كان وزيراً والشواهد عديدة حيث رأينا تنحية العديد من الوزراء السعوديين لقرارات تتعلق بمعيشة المواطن وحياته اليومية، بعضهم لمجرد موقف في التعامل مع مواطن يبحث عن إجابة لسؤال.
هذا في الوقت الذي ربما يجهل فيه الكثير من السعوديين أن هناك نظاماً لمحاكمة الوزراء تم سنّه منذ عام 1380هـ تسري أحكامه على أعضاء مجلس الوزراء والموظفين بمرتبة وزير في حال ارتكبوا أثناء تأدية وظيفتِهم أيِّ الجرائم المنصوص عليها في هذا النِظام.
وتضم قائمة العقوبات الحكم بالسجن لمدد قد تصل إلى 25 عاماً، وهناك عقوبات أكثر خاصة في حال الإخلال بالمهام والأمانة الموكلة له مما ينعكس على سلامة الدولة، ومن بعض المخالفات نصاً: "التصرُّفات والأفعال التي من شأنِها التأثير بالزيادة أو النقص في أثمان البضائع والعقارات أو العُملة أو الأوراق المالية، للحصول على فائدة شخصية له أو لغيرِه. وقبول فائدة -أياً كان نوعُها- لنفسه أو لغيره، لقضاء عمل رسمي أو الامتِناع عن عمل رسمي. أو استغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة لنفسه أو لغيره من أية هيئة أو شركة أو مؤسسة أو مصلحة من مصالِح الدولة، وكذلك التدخُّل الشخصي في شؤون القضاء والهيئات والدوائر الحُكومية. وبكل شفافية فنص النظام هذا منشور على صفحة هيئة الخبراء على الانترنت.
وزراء على مواقع التواصل
امتداداً لصورة الوزير السعودي ومواكبة للتطوير وللأهمية التي وصلتها مواقع التواصل الاجتماعي فهناك العديد من الوزراء السعوديين حالياً لديهم حسابات على موقع التدوين العالمي المصغر (تويتر)، وإن وجد تباين كبير في التفاعل والتواصل مع المغردين.
ومن أبرز الحسابات: الأول بلا منازع وزير الصحة د. توفيق الربيعة وهو الأكثر حضوراً وشعبية بتغريدات تفوق 1700 تغريدة وقرابة مليوني ونصف المليون متابع. كان منها جزء كبير إبان قيادته لوزارة التجارة سابقاً.
حساب وزير التجارة والاستثمار الدكتور ماجد، ورصيده أكثر من 200 تغريدة. ووزير الخارجية عادل الجبير وصيده أكثر من 170 تغريدة. ووزير التعليم د. أحمد العيسى وقد غرد أكثر من 255 تغريدة. ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح وقد تجاوز الـ300 تغريدة. وزير العمل والتنمية الاجتماعية بأكثر من 140 تغريدة.
الوزير خالد العرج وزير الخدمة المدنية الذي أثار جدلاً كبيراً مؤخراً بتصريحه عن إنتاجية الموظف السعودي بأكثر من 165 تغريدة. ويكاد يكون وزير الإسكان بنسب ضعيفة فلديه فقط 17 تغريدة وقرابة سبعين ألف متابع فقط. ويمكن القول إن قلة قليلة جداً فقط من الوزراء طبقوا الهدف من هذه الحسابات والتجاوب مع المواطن من خلالها.
شواهد
صورة الوزير السعودي خصوصاً، والمسؤول السعودي عموماً في تحول مستمر في ظل ما فرضته متطلبات الرؤية السعودية 2030. وبرنامج التحول الوطني 2020. ويبدو طبعاً أنه ليس من جانب طوعي، بل هي رؤية تبنت الشفافية، وهي أساس العمل فيها بمشاركة المواطن مع القيادة في تنفيذها في زمن مفتوح إعلامياً.
وعلى ذكر الشواهد فهي كثيرة مثل المؤتمرات الصحفية التي أعلنت تفاصيل مبادرات التحول الوطني كأحد برامج رؤية المملكة 2030 التي قدمها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.
ومن المؤكد أن المملكة تشهد تطورات في غاية الأهمية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو ما يقتضي أن يتماهى المسؤول مهما بلغت حصانته في جهاز الحكومة مع مستوى الوعي المناسب. وهو أمر ينبع من قلب الرؤية السعودية 2030 ومواكبتها في أهدافها وشفافيتها.