عملية "درع الفرات" هو ما سيحفظه السوريون جيداً، هي فصلٌ من فصول ثورتهم المأساوية؛ جاءت عبر تدخُّل عسكري تركي في سوريا يستهدف رسمياً الميليشيات الكردية وتنظيم "داعش"، سيطر عبرها مئاتٌ من المعارضين السوريين مدعومين بدبابات وطائرات تركية، في بضع ساعات على بلدة جرابلس السورية؛ قرب الحدود التركية، ونجحوا في طرد مسلحي "داعش" من المدينة؛ حيث تحمل هذه العملية أسرار تخلي أمريكا عن الأكراد، وترويض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تحرُّك مفاجئ
التحرُّك التركي المفاجئ، بحسب مراقبين، قد يشكل مفترق طرق في الثورة السورية، وربما قد يكون هو التحوُّل الدراماتيكي الكبير في المشهد السوري المتغيّر الذي ستظهر مفاعيله قريباً جداً.
المنطقة العازلة
يرى مراقبون أن عملية درع الفرات، هي المنطقة الآمنة أو نواتها التي لطالما نادت بها أنقرة والرياض والدوحة طويلاً، واستعدوا لدعمها بكل الوسائل من أجل حماية السكان السوريين من التهجير والإبادة التي يتعرّض لها الشعب السوري المستضعف, لكن التخاذل الأمريكي المتعمّد كان أقوى من النيّات الطيبة.
تخلٍ أمريكي
على الرغم من النفي الأمريكي من التخطيط لمنطقة عازلة في جرابلس؛ إلا أن دعوة "بايدن"؛ الصارمة للقوات الكردية المدعومة أمريكياً، بعدم التقدُّم والانسحاب من المناطق التي تسيطر عليها، أوحت بدور أمريكي ما يتم التحضير له.
مسؤول بالطائرة
بحسب مسؤول أمريكي، طلب عدم كشف هويته، كان على متن الطائرة التي أقلت "بايدن" إلى أنقرة، في تصريح لوكالة "رويترز"، إن الولايات المتحدة ستقدم غطاءً جوياً للقوات التركية المشاركة في العملية، مضيفاً نريد مساعدة الأتراك على تخليص الحدود من وجود "داعش".
مشهد معقّد
لكن المشهد قد يتجه للتعقيد في حال اندلعت مواجهات مسلحة ما بين الجيش الحر بدعم الأتراك والقوات الكردية الديموقراطية المدعومة أمريكياً، وهو النزاع الذي بات وشيكاً؛ بل بدت معالمه تتشكّل وهو ما يعد اختباراً حقيقياً لنيّات واشنطن.
الجيش الحر
التوغل التركي الذي تأخّر كثيراً كان محل ترحيب من قِبل المعسكر الداعم للمعارضة المعتدلة؛ حيث يقود الجيش الحر العمليات على الأرض، وهو الفصيل الذي يحظى بدعم كبير من قِبل الاطراف الفاعلة في الصراع السوري.
معسكرات المقاتلين
أكّدت مصادر داخل المعارضة السورية، أن أكثر من 1200 مقاتل سوري يتبعون فصائل فرقة الحمزة، وفيلق الشام، والسلطان مراد، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وحركة نور الدين الزنكي، وجيش التحرير، وصقور الجبل، والجبهة الشامية، أقاموا معسكرات مشتركة مع القوات الخاصّة التركية على مدار الأسبوع الماضي، فيما قالت مصادر أخرى إن العدد يفوق أربعة آلاف مقاتل شاركوا في درع الفرات.
الأبواب المغلقة
من الناحية السياسية نجح أردوغان في تحييد موسكو تماماً في هذه العملية، ولا يُعرف ما الذي دار خلف الأبواب المغلقة في ظل المعلومات التي تقول: إن موسكو وطهران وضعتا في الصورة الخطوة التركية سلفاً بعد التناغم الكبير بين الأطراف الثلاثة عقب الانقلاب الفاشل.
بيان خفيف اللهجة
فموسكو التي لطالما هدّدت باستهداف أيّ طائرة تقترب من الحدود السورية، ورفضت بشدة قيام منطقة عازلة في سوريا بدت راضيةً تماماً على العملية وعبّرت عن قلقها الذي رفع الحرج عنها ببيان خفيف اللهجة يطالب بالتنسيق مع دمشق في هذه العملية.
سقوط ضحايا
وبحسب بيان "الخارجية" الروسية عبّرت موسكو عن قلقها لما يحدث عند الحدود "التركية – السورية"، وبحسب البيان فإن احتمال تدهور الوضع بشكل إضافي في منطقة النزاع يشكل مصدراً للقلق، معربة عن خشيتها لاحتمال سقوط ضحايا من السكان المدنيين وتفاقم الخلافات بين الأكراد والعرب، وأضافت الوزارة أن الأزمة السورية لا يمكن أن تحل إلا على أساس القانون الدولي وعبر حوار بين الأطراف السورية بمشاركة كل المجموعات الاثنية والطائفية بما يشمل الأكراد.
التراجع التركي
لكن مصادر إعلامية محسوبة على المعسكر الروسي - السوري، كشفت أن الصمت الروسي ثمنه تخفيض تركيا سقف مطالبها في الأزمة السورية, هذا التخفيض جاء على لسان الحكومة التركية ممثلة في "علي يلدريم" الذي قال في مقابلة تلفزيونية على قناة "خبر" التركية، إن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن تجاهلها من أجل إيجاد حل سياسي للصراع السوري المتعدّد الأطراف.
خطوة غير محسوبة
وهو الأمر الذي فسّرته التسريبات التي تقول: إن تركيا لا ترى مشكلةً في بقاء الأسد في السلطة خلال الفترة الانتقالية وهو ما كانت ترفضه قطعاً منذ بداية الثورة السورية؛ حيث من المتوقع أن تستمر هذه المرحلة لثمانية عشر شهراً، وهي ربما ستكون خطوة قد تكون غير محسوبة أقدمت عليها أنقرة؛ حيث لا توجد ضمانات على عدم ترشح الأسد مجدّداً أو التفافه على الخطة الانتقالية وبقائه في السلطة بمساندة موسكو التي لا تأبه بالقانون الدولي أو قرارات مجلس الأمن.
نهاية الحلم الكردي!
وفي انتظار جلاء المشهد يجب التسليم، أن الحلم الكردي في سوريا انتهى، والمنطقة العازلة باتت حقيقةً وواقعةً على الأرض، وهي مطلب إنساني لا مواربة فيه، وستعتمد بشكل كبير على المقاربة التركية للأزمة السورية في الأيام المقبلة التي عادت كلاعب قوي من واجهة "جرابلس"؛ بعد أن أضاعت فرصة حسم الأزمة السورية قبل التدخُّل الروسي.