قصة ضابط سعودي وثّق منطقة غرقه بأمريكا.. 20 دقيقة تروي نهاية حياته بـ"الشهادة"

طلَب السباحة بعد الفجر وعَجِزَ عن إنقاذه سباحان أجنبيان.. ولا يزال مفقوداً إلى اليوم الثالث
قصة ضابط سعودي وثّق منطقة غرقه بأمريكا.. 20 دقيقة تروي نهاية حياته بـ"الشهادة"

لم يكن الضابط السعودي الذي غرق، السبت الماضي، في إحدى شواطئ ولاية "تكساس" الأمريكية المطلة على خليج المكسيك، يعلم أن إيقاظه لزملائه وإصراره على اصطحابهم للنزهة باكراً، ورفْضه كل العروض المقدمة له من الانتظار حتى تناول وجبة الإفطار أو الذهاب لوجهات أخرى مقترحة؛ سينتج عنه نتائج لا يُحمد عقباها؛ بدءاً من مصارعته للموت 20 دقيقة في عمق البحار، وابتلاعه بفعل الأمواج التي لا ترحم، وأخيراً بفقدان العثور على جثمانه لليوم الثالث على التوالي.

 

تلك القصة كان خلفها الملازم الغريق محمد بن خالد جروة السبيعي، أحدُ الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل 3 أسابيع، مبتعثاً برفقة عدد من زملائه في كلية الملك عبدالعزيز الحربية للانخراط في دورة طيران لمدة عامين؛ فيما كان مرتبطاً بإحدى قريباته دون أن يحدد موعداً قريباً لإعلان الزفاف.

 

قصة فقدانه رواها لـ"سبق" قريبه الطالب الذي يستعد لإنهاء دراسته هناك بتخرجه في تخصص الهندسة الكهربائية "راجح بن محمد السبيعي"، بقوله: إن حادثة الغرق كانت يوم السبت الماضي، عندما استيقظ "الغريق" مبكراً لأداء صلاة الفجر، وأيقظ زملاءه الذين ينامون معه، وكان هو ينام معهم ذلك اليوم؛ حينها طلَب منهم الذهاب للنزهة بأحد شواطئ "ولاية تكساس الأمريكية" المطلة على خليج المكسيك؛ رافضاً انتظار وجبة الإفطار التي لم يحِن موعدها في مكان إقامتهم، أو الذهاب لوجهة أخرى مقترحة؛ وكأنه يعلم بأن مصيره سيكون هناك.

 

وافق أفراد الرحلة البالغ عددهم 6 أشخاص، وجميعهم كانوا قادمين من السعودية مع الغريق مبتعثين من كلية الملك عبدالعزيز الحربية للانخراط في دورة طيران تمتد عامين كاملين، ويرافقهم طالب الابتعاث المدني ومَن يُعد دليلهم السياحي في المنطقة؛ بحكم إقامته التي امتدت لأعوام في دراسة الهندسة الكهربائية هناك.

 

20 دقيقة فقط كانت كفيلة بحدوث تفاصيل مؤلمة ستظل عالقة في أذهان أصدقاء الرحلة؛ بدءاً من توثيق صديقهم "الراحل" منطقة غرقه وكأنه يعلم بأنها وداعية حياته، وقام بإرسالها لمتابعيه في تمام الساعة 11:01 صباحاً عبر تطبيق "سناب شات".

 

وتلخصت تلك الدقائق المرعبة والمؤلمة باستشعار أصدقاء الرحلة أن مصير حياتهم قد يكون بين أمواج لا ترحم؛ حينها تمكن اثنان من الهرب من المصير، وتعرض أحدهما لحالة إغماء وإعياء شديد، ولم يتبقَّ إلا الغريق "محمد السبيعي" وقريبه "راجح"، اللذان ظلا ممسكين ببعضهما ويحاولان استخدام طرق سليمة لا تتأثر بفعل الأمواج التي تقترب منهما، وهما على بُعد 500 متر من منطقة الأمان، وما هي إلا دقائق معدودة حتى حدث ما لم يكن في الحسبان؛ حيث تمكنت الأمواج العنيفة من ابتلاع "محمد السبيعي" وهو يردد بأعلى صوته: "لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله"، ويحاول الآخر مصارعتها والهرب من جحيمها الذي لا يرحم.

 

سمع تلك الاستغاثات شقيقان من جنسية أمريكية كانا يتنزهان بقرب منطقة الخطر؛ فهرع كل منهما قاصداً إنقاذ الشابين، وتمكّن الأول من إنقاذ طالب الابتعاث "راجح السبيعي"، وعاد مجدداً لمساندة شقيقه في إنقاذ الآخر "محمد السبيعي"، واستطاعا الإمساك به؛ إلا أن تلك البُشرى لم تَدُم سوى ثوانٍ معدودة؛ ليعاود الموج هيجانه وكأنه غضبان من إنقاذهما للأخير؛ ليقوم بابتلاعه مجدداً بعد أن أفلت من أيدي الشقيقين، وسط محاولاتهما الغوص داخل البحر واللحاق به والبحث عنه، دون أن يتمكنا من ذلك؛ بفعل الأمواج وازدياد قوة الرياح التي قيل إن السباحيْن الماهريْن قد يجدان صعوبة في التعامل معها في مثل هذه الظروف المناخية الصعبة.

 

تَعَرّض طالب "الهندسة" لانهيار عصبي حادّ كاد أن يُضر حياته، بعد أن شاهد رفيق دربه ومَن كان سبباً في ذهابهم لهذا الشاطئ -وإصراره على السباحة مبكراً- يغرق ويستنجد دون أن يقوى على مساعدته؛ إلا أن ما هوّن عليه هو إيمانه بأن نطق الشهادتين ليس بالأمر الهيّن في لحظات الموت الأخيرة، وهو ما يدل على حُسن الخاتمة إن شاء الله.

 

ومنذ 3 أيام متتالية وفِرَق البحث والإنقاذ الأمريكية تقوم بعمليات بحثها المكثف عن جثمان الضابط الغريق دون أن تتمكن من ذلك، وسط رضا وإيمان بالقضاء والقدر من قِبَل عائلته التي تَقَبّلت ذلك بالصبر والاحتساب.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org