"قضية فلسطين" على طاولة ترامب.. تردد وتجاذبات وأولوية للمصالح الإسرائيلية

تُواجه تصريحات كارثية في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة
"قضية فلسطين" على طاولة ترامب.. تردد وتجاذبات وأولوية للمصالح الإسرائيلية

تُراوح القضية الفلسطينية مكانها، في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يحدد بعدُ آلية تعامل إدارته مع تلك القضية التي بلغت من العمر 100 عام دون حل عادل. وبرغم الجهود التي بذلها العالم من أجل التقارب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط؛ فإنها باءت جميعها بالفشل الذريع، على وقع اختلافات جوهرية بين الجانبين، تتعلق بالقدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم بعد السلام وغيرها من القضايا العالقة، التي سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى إيجاد حلول لها؛ ولكنها لم تتمكن من ذلك. ويتخوف البعض من طريقة تعامل إدارة ترامب مع القضية الفلسطينية، وتباين هذه الطريقة مع طرق أسلافه من رؤساء الولايات المتحدة. ويرى المحللون أن الحكومة الإسرائيلية كانت السباقة في التأثير على رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة، الآخذة في التبلور بشأن استئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
 
ونجح ترامب في إثارة الجدل حول القضية الفلسطينية، عندما وعد الإسرائيليين -صراحة- أثناء حملته الانتخابية في أواخر العام الماضي (2016)، بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى مدينة القدس المتنازَع عليها من قِبَل طرفيْ الصراع، وكرّر ترامب وعده بعد توليه منصبه في بداية العام الحالي؛ وفي الوقت نفسه انهالت التحليلات من سياسيين في الشرق والغرب بأن ما وعد به ترامب يحمل مجازفة ومُخاطرة كبيرة، لا يمكن أن يُقدِم عليها؛ وإلا كانت العواقب وخيمة في الشرق الأوسط؛ مشيرين إلى أن وعد ترامب ما هو إلا وسيلة لاجتذاب أصوات اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تَضَمّن خطاب ترامب الانتخابي، خلال حملته الانتخابية وكذلك تصريحاته الصحفية ما بعد إعلان فوزه بالرئاسة، كل ما من شأنه أن يثير قلق ومخاوف الفلسطينيين والعرب من إمكانية مواصلة العملية التفاوضية مع الاحتلال الإسرائيلي بشأن حصولهم على حقهم في دولة مستقلة تفاوضوا عليها لأكثر من عقدين؛ وفق مبدأ حل الدولتين.. ليس هذا فحسب؛ وإنما اعتبر ترامب أن الاستيطان في الضفة الغربية -بما فيها القدس الشرقية والتي جرى احتلالها من قِبَل إسرائيل في عام 1967 والتي تعتبر مع قطاع غزة إقليم الدولة الفلسطينية المنشودة- لا يمثل عقبة أمام السلام؛ الأمر الذي شكّل انقلاباً على ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية لعقود مضت.
 
مثير للجدل
وأثار ترامب الجدل مجدداً عندما أطلق تصريحه المدوي أثناء استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتخليه الصريح عن خيار حل الدولتين، وهو الخيار الذي تَبَنّاه ثلاثةٌ من أسلافه، وسلّم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بكونه السبيل الوحيد لإنهاء النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
 
تصاريح ترامب المثيرة، قابَلَها بعض الزعماء العرب بكثير من التحفظ والانتقاد المباشر للموقف الأمريكي؛ فقد أكد ملك الأردن عبدالله الثاني أن "أي تحركات لإنهاء الجمود في العملية السلمية وإعادة إطلاق مفاوضات جادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ يجب أن تكون على أساس حل الدولتين؛ لكونه الحل الوحيد لإنهاء هذا الصراع".. تصريح ملك الأردن، فتح الباب أمام القادة العرب لاتخاذ موقف مماثل؛ خاصة السلطة الفلسطينية التي واجهت هذا الانقلاب في السياسة الأمريكية بالتصريحات المتحفظة وإحياء قنوات الاتصال بين أجهزة استخباراتها ونظيرتها الأمريكية.
 
ومنذ تَسَلّمه مهامه رسمياً في العشرين من يناير الماضي؛ استقبل ترامب في البيت الأبيض خمسة من زعماء المنطقة؛ كان أولهم الملك عبدالله الثاني ملك الأردن، ونتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
 
وكان الرئيس ترامب قد أجرى كذلك عدداً من الاتصالات مع زعماء المنطقة، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس من بينهم؛ إذ دعاه -خلال هذا الاتصال- رسمياً لزيارة البيت الأبيض للتباحث بشأن استئناف عملية التسوية المتوقفة منذ فترة طويلة.
 
ضبابية السياسة الخارجية
وفي محاولة لتحديد المبادئ الأساسية التي ستقوم عليها سياسة ترامب الخارجية، وأولوياته على صعيد كل منطقة؛ فهناك مَن يرى أن ترامب لا يملك رؤية استراتيجية متماسكة للسياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام، وأنه قليل الخبرة في هذا الجانب، والدليل على ذلك تصاريحه الكارثية تجاه القضية الفلسطينية؛ لكنه ومع ذلك -بحسب المحللين- يعتقد أنه الأقدر على إدارة السياسة الخارجية وتوظيفها لخدمة شعاره الانتخابي "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"؛ على أساس أنه رجل أعمال ناجح يُتقن فن التفاوض والمساومة. وهناك آخرون يقولون إن أهم ما يثير القلق من ترامب هو التناقض في تصريحاته السياسية؛ فهو يقول الشيء ثم يناقضه بعد قليل، ويضيف هؤلاء أنه على الرغم من ذلك فإنه يمكن فهم رؤيته من خلال التركيز على الخطوط العريضة في خطابه، وأهم هذه الخطوط شعاره الانتخابي "أمريكا أولاً"؛ وبالتالي فهو يدعم كل دولة لها مصالح مع أمريكا، وفي مقدمتها إسرائيل، وقد يتراجع إذا شعر أن مصلحة بلاده مع الدول العربية.
 
إشارات إيجابية
لم تقتصر الإشارات الأمريكية تجاه قضية فلسطين على الإشارات السلبية منها فحسب؛ وإنما تَضَمّنت إشارات إيجابية مبشرة، جاءت على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه، الذي قال إن الإدارة الأمريكية الجديدة "تفكر جدياً" في حل القضية الفلسطينية؛ وذلك بعدما التقى جايسون جرينبلات، مبعوث ترامب لعملية السلام في الشرق الأوسط.
 
وقال عباس: إن الحوار متواصل مع الإدارة الأمريكية، وهناك عدد من القضايا التي كانت تريد رأينا فيها أو إجابتنا عليها، ونحن قدّمنا لهم موقفنا من كل تساؤلاتهم.
 
ومن المقرر أن يتوجه الرئيس الفلسطيني في نهاية إبريل الحالي، إلى واشنطن، للقاء ترامب، وقبل أيام أعلن الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أن الرئيس عباس سيؤكد خلال لقائه ترامب "التزامه بسلام عادل وشامل من أجل أن يساهم ذلك في تحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم".
 
ويمكن القول إن لقاء ترامب وعباس سيكشف عن ملامح السياسية الخارجية التي ستتبعها الإدارة الأمريكية في تعاملها مع القضية الفلسطينية، بعيداً عن الوعود التي أطلقها الرئيس ترامب لصالح إسرائيل؛ فهناك عدد وافر من المستشارين في الإدارة الأمريكية، يمكن أن يكشفوا لرئيسهم خطورة هذه الوعود، وضرورة التمهل ودراسة الأمر على أرض الواقع، ومنح الفرصة الكاملة للتفاوض بين الجانبين، مع الإشراف المباشر على عملية التفاوض ودفعها إلى الأمام، بمساعدة دول عربية، مثل المملكة العربية السعودية ومصر والأردن.
 
ويُتوقع أن يستمع ترامب -لدى لقائه عباس- للطرح الفلسطيني وحدوده مباشرة، وربطه بالطرح العربي الذي يؤيد مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- المطروحة في القمة العربية 2006، وسيعرض ترامب في المقابل رؤيته للحل، وكيف يمكن استئناف عملية السلام في المرحلة المقبلة بقصد الاستماع للرد الفلسطيني الرسمي على الرؤية المطروحة.
 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org