تأتي القمة العربية في عمّان في 29 من مارس الحالي 2017؛ لتشكل الدورة الـ28 في تاريخ القمم العربية، في وقت تستمر فيه الأزمات العربية على العديد من المسارات، وتستلزم -كالعادة- قرارات يُتوقع لها أن تكتسب المزيد من الجرأة والواقعية والتكاتف العربي الحقيقي، بعيداً عن الدبلوماسية السياسية، وبما يتوازى مع أحلام الشعوب العربية. وهو أمر يراه المحللون يختلف كثيراً ما بين العاطفة الشعبية وحقيقية التعامل السياسي المطلوب.
تحديات:
القمة العربية القادمة -كما قال فخامة الملك عبدالله الثاني- هي "فرصة لتعزيز وحدة الصف العربي"، كما أن انعقادها "في ظل الظروف الراهنة التي تمرّ بها المنطقة يشكّل فرصة لتعزيز وحدة الصف العربي، وبلورة رؤى مشتركة لتجاوز الأزمات في المنطقة".
الأوضاع الحالية للمنطقة تقتضي طبعاً أهمية تنسيق المواقف حيال مختلف القضايا الإقليمية، وضرورة بذل الجهود لترسيخ العمل العربي المشترك.
أما الوضع العربي فيصفه الكاتب د.محمد المسفر بأنه يتمثل في كون "الأمة العربية تمرّ بأسوأ مراحلها التاريخية، وتجري عمليات تفكيك لمكوناتها القطرية، وتشتيت للجهود في مجال التنمية المستدامة، والنهوض بالتعليم والصحة العامة ورفاهية الإنسان، وتشتيت للجهود الأمنية ومحاربة الإرهاب والمخدرات والفساد".
هذا فيما لا تزال القمة ومناطق الصراع متأججة في المنطقة سواء عسكرياً أو سياسياً، وهي تحديات ليست جديدة؛ بل هي حلقات مستمرة ولكن التعاطي العربي معها هو الذي لا يزال متبايناً ودون المتوقع.
الجامعة وخيبة الأمل:
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط قال مؤخراً في العاصمة الأردنية: "الوضع العربي الضاغط ووضعية الأردن في خضم هذا البحر الهائج سوف يفرض على قادة الأمة أن يحضروا"؛ مشيراً إلى ضرورة أن يُجري المسؤولون العرب مشاورات حول كيفية تطوير أسلوب الجامعة في اتخاذ القرارات والتشاور بشكل أعمق، وعدم اقتصار الأمر على الاجتماعات الدورية في مقر الجامعة العربية بناء على دعوة.
وحديث أبو الغيط يمثل جزئية من أعمق مشاكل الجامعة العربية وقممها؛ فالجامعة التي خسرت الكثير من الموثوقية داخل صدر المواطن العربي -إن صح التعبير- هي بحاجة فعلاً كما قال أبو الغيط إلى تطوير أسلوبها في اتخاذ القرارات وجدّيتها وإبراز موقف عربي موحد وفاعل وصارم تجاه حسم الكثير من القضايا.
ويضيف السيد أبو الغيط: "كل هذه الصراعات والعنف والوضع غير المستقر، يتطلب منا النهوض بالجامعة العربية لكي يكون لها دور فاعل في حل الأزمات، وتكون العامل الموحد للأمة العربية".
الأردن.. تطلعات أكبر:
المملكة الأردنية المستضيف للدورة القادمة والتي جاءت استضافتها بعد اعتذار اليمن، وتعتبر هذه هي المرة الرابعة التي تستضيف فيها القمة، وقد بذلت كل الجهود لحضور الجميع على أعلى تمثيل سياسي لكل دولة، وهي عندما أصدرت طوابع بريدية للمناسبة ووضعت حسابات للقمة على مواقع التواصل الاجتماعي -ربما لأول مرة- ترى أن حضور الزعماء يجب أن يمثل نقلة حقيقية للقمة؛ بحيث تصدر قرارات متماهية مع أهمية المرحلة.
22 دولة عربية في القمة القادمة في مواجهة متجددة وبفرصة قد تصنع في التاريخ قرارات ما أو تؤجل التطلعات لظروف صعوبة اتخاذ القرارات؛ إلا أنها في كل الأحوال تظل فرصة جوهرية أمام الممكن والمتاح، وهما مفتوحان بحسب الاستعداد.
ملفات شائكة:
أما أجندة القمة فلا يصعب توقعها.. يقول الملك عبدالله الثاني في تصريحات في 12 من الشهر الحالي: "المسائل المحورية التي ستركز عليها القمة العربية هي القضية الفلسطينية، والأزمة السورية، والأوضاع في العراق وليبيا، إضافة إلى محاربة التطرف والإرهاب".
وأوضح الملك عبدالله بعض التطلعات: "من الضروري إنهاء الجمود في العملية السلمية، وإعادة إطلاق مفاوضات جادّة وفاعلة تفتح آفاقاً سياسية للتقدم نحو الوصول إلى حل عادل وشامل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على أساس حل الدولتين؛ باعتباره الحل الوحيد لإنهاء الصراع".
وتستضيف الأردن نفسُها القمة وهي تواجه الكثير من التحديات الاقتصادية، كما أن موقعها المحوري ودورها في استضافة اللاجئين السوريين يضع الكثير من التوقعات حول استثمارها لاستضافة القمة.
البحث عن قمة استثنائية:
القمة التي ستشهد أيضاً ضيوفاً من خارج الإطار العربي مثل ممثل لروسيا والأمين العام للأمم المتحدة، وربما ممثلاً للبرلمان الأوروبي؛ هي أيضاً تطمح لأن توجه رسالة للعالم بأن هناك ملفات مشتركة يجب أن تعالَج وفق خطوط متوازية وبتعاون وتنازلات متكافئة أو حتى متقاربة.. حول ذلك يقول المتحدث باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني في تصريحات في 17 من مارس الحالي: إن عمّان وجّهت دعوات إلى عدد من الدول والشخصيات المعنية بقضايا المنطقة العربية والسلام فيها، وإن بلاده تسعى لأن تكون القمة محطة على طريق عودة العمل العربي المشترك.
مضيفاً: المملكة الأردنية تأمل في جعل القمة العربية العادية في دورتها الثامنة والعشرين، استثنائية؛ من أجل توحيد الصف العربي المشتت بفعل اختلاف المواقف حول جملة من الملفات الساخنة وعلى رأسها الأزمة السورية.
أعباء أكثر:
القمة يتوقع لها المراقبون أن يسعى القادة العرب فيها إلى الخروج بتصور مشترك حيال الأزمة السورية، وأيضاً حول القضية الفلسطينية التي تواجه تحديات غير مسبوقة في ظل توسيع الاستيطان في أراضي الضفة الغربية الفلسطينية وسعي العدو الإسرائيلي للتنصل من حل الدولتين وفرض سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين.
القمة العربية القادمة أيضاً تتحدث في العديد من التقارير عن سعيها لتقريب وجهات النظر المتباعدة بين عدد من الدول العربية دون تفاصيل أكثر حول ذلك. وهي تنطلق في ذلك من دور أساسي لها لم يكلل بالنجاح كثيراً في قمم سابقة؛ مما يستدعي المزيد من الجهد ويلقي بالمزيد من الأعباء على القمة.
هذه القمة أيضاً تأتي في ظل المزيد من المصاعب الاقتصادية التي تواجه الكل بلا استثناء تقريباً، وهو ما يحتّم على القادة العرب البحث عن أُطُر مشتركة قابلة للتطبيق وعقد الاتفاقيات العاجلة لتدعيم الاقتصاد العربي في المرحلة الحالية.
أهمية القمة -بلا شك- تخضع لتحديات كبيرة، وأبرزها إعادة الثقة في الجامعة العربية ومكانتها، كما أن التحدي الثاني هو تفادي الاعتذارات من الزعماء والرؤساء العرب؛ إذ إن حدوث ذلك سيحدّ من مدى قوة القرارات التي ستستطيع القمة اتخاذها ومدى تنفيذها.
وستبقى الآمال -على أي حال- معقودة على قرارات عربية منتظرة وفاعلة.