نجحت المنظمات الدولية، وتحديداً منظمة "العفو الدولية"، ومنظمة "حقوق الإنسان"، في الضغط على العرب والمسلمين، في إطار مسلسل مستمر منذ سنوات، لاستفزازهم والنيل من مقدراتهم، عن طريق ارتداء قناع مزيّف، تتشدق في مظهره الخارجي بمبادئ الدفاع عن الحريات والمثل الإنسانية العليا، بينما تضمر وراءه الشر للإسلام والمسلمين.
محاربة السعودية
تلزم هذه المنظمات شعوب العالم، بمختلف جنسياتهم وأعرافهم وعاداتهم ودياناتهم بتطبيق قوانين وأنظمة محدّدة من صُنع الغرب، وتدّعي أنها "النموذج العالمي لحماية الحريات وتعزيز حقوق الإنسان في أي زمان ومكان"، متجاهلة تماماً خصوصيات كل شعب أو أمة، بمن فيهم المسلمون، متناسية ـ عن عمد ـ أن الإسلام كديانة سماوية، قرر حقوق الإنسان على نحو يفوق الاتجاهات الوضعية التي عرفها الفكر القانوني قديماً وحديثاً، وتحاول هذه المنظمات الضغط على السعودية، باعتبارها رمز الإسلام والمسلمين، وذلك من بوابة الحرب التي يشنّها التحالف العربي الإسلامي بقيادة المملكة على ميليشيات الحوثيين، لتعزيز الشرعية في دولة اليمن.
عدم احترام الثوابت
على مدى سنوات طويلة، أظهرت هاتان المنظمتان عدم احترام الثوابت الدينية والثقافية للمجتمعات العربية والإسلامية، والخصوصيات الثقافية للشعوب بشكل عام، من خلال محاولة فرض مفاهيم وثقافات أحادية الجانب، وجعل تطبيقها من عدمه معياراً للالتزام بحقوق الإنسان، في مخالفة صريحة لعددٍ من معايير ومرجعيات حقوق الإنسان، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان "اليونسكو" الصادر عام 2001.
من سان فرانسيسكو
ففي عام 1945، وفي أثناء انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو الذي أُقر فيه ميثاق منظمة الأمم المتحدة، تم اقتراح "إعلان الحقوق الأساسية للإنسان"، لكن لم يتم بحث هذا الإعلان بسبب حاجته إلى إعادة نظر تفصيلية، أكثر مما كانت متاحة في ذلك الوقت؛ ولذلك أوصت اللجنة التحضيرية للأمم المتحدة، التي اجتمعت بعد انتهاء جلسات مؤتمر سان فرانسيسكو، بأن ينشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في أول دورة له، لجنة لتعزيز حقوق الإنسان، وقام المجلس بإنشاء هذه اللجنة "لجنة حقوق الإنسان" في سنة 1946.
شرعة دولية للحقوق
ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأولى التي عقدتها في يناير 1946، هذه اللجنة، إلى العمل من أجل إعداد "شرعية دولية للحقوق"، وحينما بدأت لجنة حقوق الإنسان أعمالها في فبراير 1947، كان هذا البند على رأس أولوياتها.
رغم أنف الجميع
يسلم القانون الدولي المعاصر منذ البداية ـ رغم أنف الجميع ـ بعالمية حقوق الإنسان، وعلى هذا الأساس كانت أول وثيقة دولية تُعنى بحقوق الإنسان، تحت اسم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكن في المقابل، تطالب بعض الدول ولاسيما العربية والاسلامية، بخصوصيتها الثقافية والدينية، وهو الأمر الذي اصطدم بغطرسة الغرب ورفضه وتبجحه، وكانت الدول العربية منقسمة فيما يخص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم اتفقت شيئاً فشيئاً على العالمية التي تناشد بها وثائق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ولكن مع هذا بقي عندهم نوع من التحفظ والممانعة والحذر.
تاريخ غير مشرف
يرى سلمان الأنصاري رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية ـ الأمريكية (سابراك)، ومقرها واشنطن، أن منظمتي "العفو الدولية"، و"حقوق الإنسان" لديهما تاريخ غير مشرف.
فضائح وعمليات مشبوهة
يقول لـ "سبق": "كل مَن اطلع على أعمال هاتين المنظمتين يعلم تماماً أنهما مخترقتان وبشكل واضح من جهات متعدّدة"، ضارباً مثالاً على ذلك قائلاً "الخزانة الأمريكية في عام 2013 وضعت أحد مؤسسي منظمة الكرامة الخيرية في جنيف في قائمة مموّلي الإرهاب، وهذه المنظمة لديها اتفاقات كبيرة مع منظمة مراقبة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية"، موضحاً أنه "في عام 2011 تم نشر تقارير تثبت دفع منظمة العفو أكثر من 800 ألف دولار لاثنين من موظفيها، ولم تعلق أو تفسر المنظمة سبب ذلك، فتاريخها مليء بالفضائح المالية والعمليات المشبوهة والنيات الخبيثة تجاه العرب والمسلمين".
تلفيق التهم للمملكة
وتابع الأنصاري: "هناك جهات تتحكم في هاتين المنظمتين اللتين أثبتتا أن العدل عندهما له وجهان، فالمقر الإقليمي للمنظمتين موجود في بيروت، وهذا يفسر وبشكل كبير سبب تطابق تقاريرهم مع ما يتم ذكره لدى وسائل الإعلام التابعة لجماعة حزب الله الإرهابية"، وقال: "مسؤولو المنظمتين لا يتورعون عن تلفيق التهم للمملكة وبشكل يبتعد عن أبسط أبجديات المهنية، وفي المقابل نجدهما يتعمدان التجاهل التام لمعظم الجرائم الإنسانية، التي تقوم بها عصابة الحوثي وصالح، ويتجاهلون أيضا الاعتداءات الإيرانية المتكررة على شعبها، ويتجاهلون أيضاً جميع الممارسات والأعمال الإرهابية والطائفية التي تقوم بها ميليشيات إيران في سوريا والعراق وأماكن أخرى".
خطوة ذكية
ودعا "الأنصاري"؛ إلى فضح هذه المؤسسات المأجورة، بالإثباتات والقرائن لدى الرأي العام العالمي"، معتبراً أن "الخطوة التي اتخذتها دول التحالف العربي بإنشاء فريق مشترك لتقييم الحوادث التي يتعرض لها الأطفال في اليمن، ذكية لدحض اتهامات هذه المنظمات المسيسة، التي لا تراعي القيم الإنسانية والمعايير المهنية" على حد قوله.
تبجح غربي علني
ودأب الغرب على التبجح بوضع قوانين وبيانات تضبط ممارسة الإنسان حقوقه، كما أنه يتبجح بالدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الطفل خاصة، معتقداً بأنه السبَّاق إلى هذه المكرمات، التي غُيِّبت في سلوك المجتمعات البشرية وقوانينها وأعرافها، وقد تعمّد مهندسو هذه الشعارات والقوانين المنظمة لهذه الحقوق أن يقفزوا على مصادر هضمها ومسبّباتها لينزلوا بمظلتهم في ساحة الإسلام الذي يعارض ويشوَّه منذ أن صدع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما أُمر به.
تجاهل متعمّد
يتفق عدد كبير من المحللين العرب والمسلمين والغربيين على أن المنظمات الدولية تتجاهل متعمدة أن لكل أمة حضارتها وثقافتها وتقاليدها وعاداتها وأعرافها ونظمها التي قد تختلف عن أمة أخرى.
محتوى بلا تأويل
ويرون أن التغاير الثقافي أو الديني، أمر ثابت لا يمكن إنكاره، حتى ولو كانت له انعكاسات سلبية على مسألة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، مشددين على أن مفهوم حقوق الإنسان مقيد في المكان وفي الزمان بعوامل تاريخية عدة؛ سياسية، اقتصادية، اجتماعية ثقافية، حتى دينية، ومن ثم، فإن المحتوى الحقيقي لهذه الحقوق يقبل تأويلات عدة.
صناعة غربية
في المعنى نفسه، يقول الفقيه الفرنسي فريدريك صدرا: إن الإعلان العالمي من صنع غربي بطريقة انفرادية، والتأكيد على العالمية هو التأكيد على أن المفهوم الغربي مفهوم عالمي، وهذا عبارة عن إشباع للإحساس بالتفوق الأوروبي- الغربي على العالم.
صراع المفاهيم
يؤكد فريدريك؛ أن "الصراع من أجل حماية حقوق الإنسان، لا يستطع الغربيون تجاهل حقيقة وجود هذه المعارضة، كما يجب أن يتجنبوا البغض العرقي أو الأيديولوجي أو الثقافي عند البحث في أسباب عدم احترام حقوق الإنسان في بعض المناطق الجغرافية"، مبيناً أن "الوثائق الدولية لحقوق الإنسان تعكس النظرة الغربية في مجالات عديدة، ولاسيما مجال الملكية الفردية، الحق في المعتقد، الحقوق المرتبطة بالزواج، ومفهوم الأسرة وغيرها.
الناس سواسية
يقول الدكتور منير العجلاني؛ في كتابه "عبقرية الإسلام في أصول الحكم"، إن "الإسلام هو السبّاق في حماية حقوق الإنسان، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الناس سواسية كأسنان المشط"، "لا فضل لعربي على أعجمي إنما الفضل بالتقوى"، فالإسلام دين القيم المعنوية… وعن ذلك تصدر تشريعاته وفرائضه وتوجهاته وحدوده وقواعده في سياسة الحكم وسياسة المال وفي توزيع المغانم وفي الحقوق والواجبات".
تشكيك في عالميتها
هذا فيما تشكّك الدول الإسلامية بصفة عامة في عالمية حقوق الإنسان؛ لأن الأساس القانوني لهذه العالمية المتمثل في الوثائق الدولية لحقوق الإنسان يحتوي على بعض المبادئ المناقضة للمبادئ وللقوانين وللأعراف الإسلامية، ودفع ذلك بهذه الدول إلى عدم الشعور بارتباطها بهذه الوثائق، خاصة أنها لم تشارك في وضعها من جهة، ولأنها ليس عليها أيّ واقعة أو سلطة بحكم وفائها للإسلام من جهة أخرى.
مازالت ترى قيماً!
في العموم، فإن الدول الإسلامية لا ترفض مبدأ عالمية حقوق الإنسان بصفة قطعية، وإنما تجعله نسبيا؛ بحيث لم تشكّك في الأهداف التي تريد تحقيقها هذه الوثائق الدولية والمتمثلة في "المثل المشتركة التي يجب تحقيقها"، على حد تعبير نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعلى الرغم من التفسيرات والتطبيقات المختلفة لهذه الوثائق، فإن الدول الإسلامية ما زالت ترى في هذه الوثائق قيماً يجب الالتزام بتحقيقها وتطبيقها.