تطالب الكاتبة الصحفية لمياء باعشن المدافعين عن قصيدة "مخطوطة القرى والظلال" أو "سكنانا" كما عرفها الناس، للشاعر حيدر العبدالله، أن يقدموا أدلة دفاعهم بأبيات وشواهد وأدلة من داخل القصيدة، وليس بالحديث عن موهبة الشاعر وجوائزه وانتماء شاعرها إلى سلسلة شعراء فطاحل، كما ترفض الكاتبة اتهام جمهور المتلقِّين، بالجهل، والتحجُّر، والتحيُّز الطائفي، لأن الإلقاء لم يرقْ لهم، أو لأن القصيدة لم تعجبهم.
تندر الناس
وفي مقالها "قصيدة حيدر العبدالله: أين براهين الدفاع؟" بصحيفة "المدينة" تقول باعشن: "لم تنقطع تلك التعليقات الكوميديَّة حول (مخطوطة القرى والظلال)، للشاعر حيدر العبدالله، منذ أن ألقاها في حضرة خادم الحرمين الشريفين، خلال زيارته للمنطقة الشرقيَّة، فالنَّاسُ ما زالوا يتندَّرون بها وعنها. ولنكن أكثر دقَّة، ونقول إنَّ الأجزاء التي جذبت السامعين لا تتعدَّى كلماتٍ من القصيدة، فهم يردِّدون جملة «نحنُ لا نسكنُ البيوتَا»، وكلمة «سُكنانا» فقط".
مزايدات
وترفض باعشن اتهام الجمهور بالجهل والطائفية، وتقول: "لذلك حين تُتَّهم الجماهير الساحقة، التي اندمجت في التندُّر بأنَّهم لا يفهمون فنون الشعر، وبأنَّهم تقليديُّون ومتحجِّرُون لا يستسيغُون إلاَّ ما اعتادوه، أو بأنَّهم يكرهُون الشاعر، أو يحسدُونه، أو يتحزَّبُون ضدَّه، فتلك مزايداتٌ مغلوطةٌ. لا الشاعر هو المقصود، ولا من أحد يكرهه، أو ينتقد قصيدته، والسَّامعُون توقَّفوا عند موقع معيَّن أثار ضحكهم، فانطلقوا به كمحفِّزٍ للتنكيت".
لا تجبر الناس
ثم تبدأ الكاتبة برصد الرؤى النقدية التي رأت في القصيدة ضعفًا، وفقرًا فنيًّا، وتقول: "هناك آراء جادَّة تعرَّضت بالنقد للقصيدة، ورأت فيها ضعفًا، وفقرًا فنيًّا، لكن الطرح النقدي كان رزينًا، ولم ينخرط في تهكُّم، أو إساءة. لا أحد يستطيع أن يجبر النَّاسَ على الإعجاب بعملٍ فنيٍّ مهما رأى صاحبه أنَّ له طاقةً جبارةً، وجمالاً طاغيًا، وقيمةً رائعةً، فذائقة التلقّي حرّة، تميل حيث تشاء، ومعادلة النجاح الجماهيريّ لا يمكن ضبطها، ولا التحكم بعناصرها. لذلك فليس من حقِّ المدافعين عن حيدر العبدالله التحقير من شأن المتلقِّين، واتِّهامهم بالجهل، والتحجُّر، والتحيُّز الطائفي، وغير ذلك من تُهم تحطُّ من قدرهم، وتهزأ من قدراتهم. إن لم يرقْ لهم الإلقاء، ولم تعجبهم القصيدة، فهذا شأنهم وحقُّهم، ولا يجوز لأحدٍ أن يلعب معهم دور العالِم المُربِّي، ويتعالى عليهم، وهو ينهرهم ويُعيِّرهم بانحطاط وعيهم الثقافيِّ والفكريِّ ".
الدفاع عن القصيدة
وعلى الجانب الآخر، ترصد الكاتبة أساليب الدفاع عن القصيدة وتقول: "كيف دافع فريق المتعاطفين مع الشاعر عن قصيدته؟ من السبل التي لجأوا إليها الإغراق في مدح الشاعر، وتمجيد إنجازاته السابقة من جوائز وألقاب، وتضخيم موهبته؛ كونه صغير السن، والاستشهاد بأقوال نقَّاد البرنامج التلفزيونيِّ التصويتيِّ عن محاسن شعره.
أين أدلتكم؟
وتمضي الكاتبة متسائلة: "لماذا لا يحدِّثوننا عن القصيدة؟ وقد يلوم المتعاطفون طريقة الإلقاء على إضعاف القصيدة الفذَّة، وقد يتبرَّع أحدهم لإلقائها بالطريقة التقليديَّة؛ ليثبت جودتها، ولكن دون جدوى، فالمتلقِّي يسمع ويقرأ الكلمات، بعيدًا عن الإلقاء، وهو بحاجة إلى دفاع تدعمه الأدلَّة، والإثباتات. لذلك فإن الكلام الإنشائي المرسل الذي يمتدح الشاعر يصل إلينا باردًا خاليًا من المعنى. من السهل أن تكتب أن القصيدة «كاملة البناء، رائعة التكوين، راقية البيان، فصيحة النسج»، دون أن ترتكز إلى مثال واحد من أبياتها، كما أن من السهل أن تختصر التجربة الشعريَّة للشاعر قائلاً: «إنَّه يرتقي في مدارات جديدة، ويبتكر أصفى النجوم لبناء سماء قصائد باذخة الجمال»، ولا تتوقف عند سطر واحد يحدد صورة بلاغيَّة واحدة في القصيدة الجدليَّة".
ما علاقة طرفة بن العبد؟
وترفض باعشن الحديث عن سلسلة نسب الشاعر للدفاع عن القصيدة وتقول: "هناك من يدافع عن القصيدة بتميّز الخلفيَّة البيئيَّة للشاعر، فهو ابن الأحساء، حيث «اكتسب شموخ النخل، وثقافة لين الطين، الذي يلد الهدوء المتناهي، كما يلد أثمار النخيل الزاهية.. وحيث اكتسب صوته نداوة الماء، وخضرة الأرض». هذا ليس دفاعًا منطقيًّا، ولا علاقة له بجودة هذه القصيدة بالتحديد، فكيف بمَن يدافع عنها بانتماء شاعرها إلى سلسلة شعراء فطاحل، كجدِّه طرفة بن العبد، على مر الحقب الزمنيَّة؟ وحين يعترض أحد على خفَّة القصيدة يأتي الدفاع بأنَّها من البحر الخفيف، ثمَّ يسرد درسًا عن ذلك البحر، وكل القصائد التي كُـتبت عليه، ما دخل هذا في إثبات جودة هذه القصيدة؟".
هاتوا برهانكم
وتنهي الكاتبة قائلة: "ليس هناك من داعٍ لتحويل حيدر العبدالله إلى «كبش محرقة»، فالناس لا تستقصده، ولا تستهدفه، هناك ما حفـَّزهم على الضحك فضحكوا، وتمادوا في أبعاد النكتة. إن كان المناصرون يؤمنون بعبقرية هذه القصيدة، فليقدِّموا للمتلقِّين والمتذوِّقين أدلةَ جودتها، ومنطق تميّزها من داخلها مباشرة".