كانوا معنا: "الراشد" عراب الصحفيين.. 50 عاماً برفقة صاحبة الجلالة

عُرف بالفكاهة وحسن استقباله وولعه بالكتابة ولُقِّب بالمثقف الخلوق
كانوا معنا: "الراشد" عراب الصحفيين.. 50 عاماً برفقة صاحبة الجلالة

غيّب الموت في الـ 25 من ربيع الأول أحد قامات الإعلام السعودي والصحافة العربية، حيث تناقلت وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها بنأ وفاة الكاتب راشد بن فهد الراشد رحمه الله.

الفقيد الذي وُلد يوم الأربعاء 1 ربيع الآخر من عام 1362هـ بدأ حياته كأي فتى يريد أن يحقق طموحاته، ونشأ على التعليم المتوافر حينذاك بالدرعية، وحلم بأن يعبّر عن نفسه، وداخله كان يكتب على الجدران عبارات تعجب الكبار، وكان يكتب في أوراقه شجونه وأحلامه التي يراها أمله ومستقبله.

كانت البداية

في السابعة عشرة من عمره كانت البداية الحقيقية لـ"راشد" حين حاول أن يعمل محرراً في مجلة "الجزيرة" الشهرية، وسطر اسمه مع الرعيل الأول الذي بدأ على يديه تأسيس الصحافة السعودية منذ ما يقارب 60 عاماً، وعمل مع خاله الشيخ عبدالله بن خميس في مجلة "الجزيرة" الشهرية، وثقلت مهارته وتعلم فنون الصحافة، وأبدع حين كتب أول مقالاته في المجلة، وكانت عن التعليم، والتقط الكثير من خيوط الاحتراف الصحفى من خاله.

وحين تحولت المجلة إلى صحيفة أسبوعية "الجزيرة الأسبوعية" تحمّل مسؤولية تحريرها في كثير من الأوقات، وكان أول من أفرد للمرأة السعودية مساحات في الصحيفة، ولم يسبقه أحد في هذا الشأن، وتعرض للكثير من المتاعب والمضايقات، وحتى الاتهامات، والتي طالته وطالت أسرته، إلا أنه أبى إلا أن يستمر ويتطور.

المحطة الأكثر تأثيراً

انتقل في العام 1992 إلى بيروت بعد الحرب الأهلية واتفاق الطائف، انطلق "راشد" وعائلته ليمكث في بيروت ما يفوق 17 عاماً مسؤولاً عن مكتب "الجزيرة" في بيروت، عاش فيها وربى أولاده بمدارس بيروت، ورافق أدباءها وشعراءها وناظرهم، وتفوق عليهم بالحجة والهدوء والدلائل، وبشهادة أصدقائه اللبنانيين أنفسهم؛ يقول الشاعر الأديب اللبناني الخوري رائد إن راشد الراشد لم يكن صحفياً بحسب، بل سفيراً من الدرجة الأولى لبلده وللثقافة العربية.

السعودي الخلوق

عرف راشد الراشد -رحمه الله- بالفكاهة وحسن استقباله وولعه بالكتابة، والقريب منه يدرك أن ضحكته التي تهز المكان من فرحته للقاء غائب عنه أو مشتاق له.

عرفه اللبنانيون بالسعودي الخلوق المثقف الوديع، وعندما كان يسير في ساحة الشهداء والتي كانت تسمى ساحة التحرير وكافية الحمراء يسلم على هذا، ويضحك مع ذاك فقد كان معروفاً للجميع حتى الشاطئ والبحر.

مفاجأة العزل

تقول زوجته السيدة هالة الزير: كان موقفاً صعباً حين أقيل "راشد" -رحمه الله- من مكتب "الجزيرة" في بيروت بعد كل ما فعله من أجلها ووطنه، وقرر أن يترك الكتابة وانتقل لعمل آخر.

مفاجأة العودة

يقول عميد الصحافيين الخليجيين تركي السديري: "راشد تعب وعانى وتألم كثيراً؛ جراء موقف مسؤولي الجزيرة منه، ولأنى أثق في قدراته وأعرفه جيداً، فعرضت عليه مكتب صحيفة الرياض ببيروت أيضاً، فوافق وبدأت صفحة جديدة في حياة رجل القلم السعودي في صحيفة الرياض".

عراب الصحافة

يتحدث سليمان العصيمي رئيس تحرير صحيفة "الرياض" قائلاً: الراشد قامة إعلامية في سماء الإعلام السعودى كان يضيء من صحيفة "الرياض"، فهو في نظري "العراب"، وفي الفترة التي رافقته صرت أنظر إليه كأخ كبير يقف بجانبي يقدّم لي الإرشاد والنصيحة، حتى أصبحت أكبر الخاسرين لفقدانه.

ربما أكون مخطئاً

وقال: كانت هناك اختلافات كثيرة ربما أكون أنا المخطئ أو ربما يكون هو لكنه كان يتعامل بكل مودة وتسامح، وكان إذا أخطأ هو يبادر إلى الاعتذار وطلب السماح، فأنا من أكثر الناس تأثراً لفقدانه، فعندما اشتدّ به المرض وهو رئيس تحرير رشحني بدلاً منه رئيس تحرير.

نتكاشف الأخطاء

وأشار: كانت هناك أسرار مرتبطة بالعمل، ولكن كنا الأقرب إلى بعض نتصارح في العمل نتكاشف، نبيّن الأخطاء والعيوب، نحاول حل ما يمكن حله، نتخذ القرارات، فغالباً كانت هناك أشياء مرتبطة بيننا.

آخر كلمة قالها لي: "أنا معك وسندك بعد الله، لا تشتكِ من شيء وأنا موجود، نتحدى كل من يقف في الطريق، ليس هناك شيء صعب، أنت إنسان قادر على أن تقود السفينة".

"نصرواي" يحب الجميع

يؤكد هيثم الراشد نجل راشد الراشد: والدي كان أحد مؤسسي نادي النصر، وأبرز مشجعيه، وكان في ذات الوقت يحب الجميع ويقف موقف الحق مع أي نادٍ وإن كان حتى ضد نادي النصر ويحب الرياضة، وخاصة المشي والسباحة، وأثناء علاجه في لندن كان يسير يومياً 3 أو 4 كيلومترات، ويثير تعجّب الأطباء الإنجليز أنفسهم، رغم تعرضه لموجات إشعاعية قوية لعلاج المرض.

"جومانا".. كلمة السر

هي من تعرف كل شيء عنه، وهي من تحتفظ بقصاصات والدها السرية والعلنية، هي أكثر البشر الذين كانوا معه ليلاً ونهاراً، ويتحدثان أكثر من عشر مرات يومياً.

تقول "جومانا": لم يكن أباً بالمعنى المعروف، بل كان أخاً وصديقاً وزميلاً وقائداً، أبي لم يكن أبي بل أبي وأمي وأخي وكل شيء.. كان الموجّه بلا سوط، وكان العرف بلا قيد، أعتبره نموذجاً لن يتكرر، أفتقده كفقدان الإنسان للماء.

حر وليس متحرراً

تجيب "جومانا": أبي لم يكن له علاقات خاصة أو سرية؛ فهو يعرّفنا من يعرف ويصادق، كان شفافاً وصادقاً لا يخاف شيئاً ولا يهاب، كان يعرف ومتواصل بشكل كبير مع الملك سلمان -حفظه الله- عندما كان أميراً للرياض يعرفه جيداً.

قالت: أبي كان حراً فعلاً وليس متحرراً، وعلمنا جميعاً الالتزام والصدق والمعاملة الحسنة مع الآخرين، كما علمنا أن نصل أرحامنا.

يعشق الصحافة

ويقول أحد أبرز صحفيي "الرياض" ومسؤول القسم الثقافي سابقاً بالجريدة سعد الحميدين: فقدْتُ وفقدَت الصحافة السعودية أحد أبرز عناصرها بوفاة "راشد" وللآن نشعر بحصار مهني لفقدانه، وأقول إن "راشد" لم يأخذ حقه رغم أنه أكثر الأشخاص الذين بذلوا الكثير، لم يفلح في أي مهنة أخرى، حاول ولكنه فشل، كأنه كان متزوجاً من الصحافة للصحافة، كان يعود سريعا ويعترف بضعفه أمام الكلمة والقلم.

رفيقة الدرب

تقول زوجته السيدة هالة الزير: نفتقد الزوج والأب الرجل الإنسان، وأسأل الله أن يشمله بواسع رحمته ورضوانه رحمك الله  يا "راشد".

وطالبت "الزير" من المسؤولين أن يعطى "راشد" عبر المسيرة الممتدة إلى أكثر من نصف قرن ما يستحق، فقد أعطى الكثير ولم ينل إلا القليل، ولا يستحق هذا الأمر، ويستحق التكريم، وإن كان قد تأخر، ولكن يظل تكريماً من الوطن الذي عشقه وأفنى من أجله عمره.

 

مكتب راشد الراشد رحمه الله خالياً
مكتب راشد الراشد رحمه الله خالياً

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org