لا يمكن وصف بيان الأمم المتحدة الأخير حول وضع الأطفال في اليمن سوى بالمهزلة، فالمنظمة الأممية، وأمينها العام "أنطونيو جوتيريس" تركوا الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب اليمني، والأطفال اليمنيين في تعز وصنعاء وبقية المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الانقلاب الحوثي، وأنصار المخلوع "علي عبدالله صالح"؛ ليلقوا الاتهامات جزافًا على التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
ويبدو جليًا أن المنظمة الأممية سقطت ضحية لتقارير المنظمات المشبوهة التابعة للحوثيين، والقطاع الخاص المستفيد من الوضع، أو الموالي للانقلاب في مناطق سيطرته، ولكن يبقى السؤال الحائر لماذا تغض الأمم المتحدة البصر عن فظائع الانقلاب وأهله؟!!
مشاهد من الوضع الإنساني المتأزم في اليمن
إن حصار الانقلابيين طال أكثر ما طال مدينة "تعز" وأهلها الذين بح صوتهم وهم يستصرخون ضمير الأمم المتحدة؛ لإنقاذهم من الموت جوعًا ومرضًا، كما تتعمد الميليشيات المتمردة الانقلابية اتخاذ الأطفال الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة دروعًا بشرية، ونقل الصراع إلى الأماكن المأهولة بالسكان، ويقطنها المدنيون الأبرياء العُزل؛ حتى تُظهر ضربات التحالف العربي بقيادة السعودية بأنه عدوان على المدنيين والأطفال، ولكن لا تنطلي هذه الأفعال على المتابعين والمدققين للأمور.
ومع الخسائر المتتالية لقوات "الحوثي" لجأ الانقلاب إلى تأزيم الوضع الإنساني من خلال حرب التجويع، وعبر حصار المدن، والسطو على المعونات الغذائية والدوائية المقدمة للمتضررين من الحرب، كما أنه يتحكم في المناطق التي يسيطر عليها بتوزيع المواد التموينية والمشتقات النفطية، مما رفع من أسعارها لمستويات خيالية، جعلتها بعيدة عن متناول ملايين اليمنيين، فضلاً عن أنه كثيرًا ما توقف ميليشيات الحوثي والمخلوع تدفق المساعدات؛ لأنهم يرغبون في التحكم في توزيعها، وتحقيق المكاسب المادية من ورائها.
ولم تتوقف فظائع الحوثي وميليشياته عند ذلك فكان هدم بيوت شيوخ القبائل عقوبة على التعاون مع الحكومة الشرعية، والجيش الوطني، كما كان من صنيعهم تدمير المستوصفات الصحية في صنعاء وغيرها من المدن المنكوبة تحت وطأة سيطرتهم.
كما أصبح من المألوف أن تقرأ يوميًا في الصحف خبرًا عن تعرض فريق إغاثي دولي لإطلاق نار من قِبل ميليشيات الحوثي والمخلوع في إحدى المناطق الخاضعة لسيطرتهم، حيث أقدم الحوثيون قبل أيام على إطلاق النيران في محافظة "إب" حيث تمول الهيئة الطبية الدولية (خيرية عالمية) عمليات نظافة وإزالة مخلفات في المنطقة، فكان جزاؤهم إطلاق النار عليهم بكثافة من قِبل الميليشيات الانقلابية، ما اضطر فريق الإغاثة إلى الفرار بأرواحهم، وذكرت وسائل إعلام أن "عملية إطلاق النار جاءت بعد تدشين العمل في المشروع وبحضور أمين عام المجالس المحلية في المحافظة ووفد الهيئة". كما اختطفت الميليشيات الانقلابية قبل أشهر نحو 9 من موظفي "الهيئة الطبية الدولية" واقتادتهم إلى أحد سجونها في المحافظة قبل أن تطلق سراحهم بعد أيام من الاختطاف.
ولم يعد مفهومًا أن تغض الأمم المتحدة البصر عن تقارير حقوقية لمنظمات غير حكومية، كتقرير منظمة "نهضة وطن"، الذي كشف عن ارتكاب ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية نحو 115 حالة انتهاك وجريمة بحق المدنيين بمحافظة ذمار، وذلك خلال شهر سبتمبر الماضي. وأشار التقرير الصادر حديثًا إلى أن الانتهاكات تنوعت بين القتل والاختطاف والتهجير القسري ونهب الممتلكات، وتفتيش ونهب المنازل واحتلالها وملاحقات ومضايقات، ونهب تجار، واحتلال المؤسسات الحكومية ومقرات وجمعيات خيرية ودور للقرآن الكريم، واستحداث ونصب نقاط تفتيش جديدة، كما رصد التقرير ثلاثة سجون ومحاكم خاصة في "ذمار"، يمارس فيها الحوثيون أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي بحق نزلاء هذه السجون. وأشار التقرير أيضًا إلى أن الحوثيين كثفوا من أنشطتهم الميدانية في ذمار واستخدموا المدارس الحكومية وحرم جامعة ذمار لإقامة مؤتمرات تهدف إلى نشر التعبئة العقائدية والأفكار الطائفية، التي تغرس الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع وتحث على القتال. كما ذكر التقرير الحقوقي أن الحوثيين قاموا بنصب 45 نقطة تفتيش ليمارسوا فيها ابتزاز التجار والمزارعين، وجباية أموالهم بقوة السلاح والقيام بالاختطافات والملاحقات للمناوئين لهم، في الوقت الذي تستمر فيه بنهب المعونات الغذائية المقدمة من المنظمات الإغاثية والإنسانية، وبيعها في السوق السوداء.
بل والأكثر من ذلك لم يسلم مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن من غدر الحوثي وانتهاكاته؛ حيث تعرض المبعوث الأممي "إسماعيل ولد الشيخ أحمد" إلى محاولة اغتيال، وهجوم مسلح على موكبه فور وصوله "صنعاء" في مايو الماضي لإبرام هدنة ووقف إطلاق للنار، ولكنّ الحوثيين ومن ورائهم يريدونها نارًا متأججة تأكل الأخضر واليابس، فهم المستفيدون من تأزم الأوضاع، وعدم استقرار المنطقة.
الدور الإنساني للمملكة في اليمن
ومع زيادة حدة وتيرة استهداف الانقلابيين للمستوصفات والمراكز الصحية، واستشراء مرض "الكوليرا" في أجساد أهل تعز وصنعاء وغيرهما من مناطق يسيطر عليها الانقلاب، وصعوبة الوصول لهم بسبب النقاط التفتيشية التي تمنع وصول الفرق الطبية، وفرق الرصد الوبائي والوقائي، ما كان من المملكة ممثلة في "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" إلا تقديم يد المساعدة والعون؛ للتخفيف من مأساة مرضى اليمن.
وينبغي الإشارة هنا إلى أن المركز قدم عددًا من المشروعات بلغت 139 مشروعًا متنوعًا للمحافظات اليمنية كافة في مجالات عدة شملت المساعدات الإغاثية والإنسانية، والإيوائية وبرامج الإصحاح البيئي ودعم برامج الزراعة والمياه بطرق احترافية، بالتعاون مع 84 شريكًا أمميًا ومحليًا، كما استهدف تدشين مشروعات الطفل والمرأة، ودعم اللاجئين اليمنيين في جيبوتي والصومال بمبلغ قدره 615 مليون دولار، كما وصلت مشروعات برامج الأمن الغذائي والإيوائي وإدارة وتنسيق المخيمات إلى 48 مشروعًا بمبلغ 241 مليون دولار تقريبًا استفاد منها 21 مليون فرد، فيما بلغت مشروعات التعليم والحماية وبرامج التعافي المبكر 18 مشروعًا بمبلغ 78 مليون دولار، استفاد منها نحو 4 ملايين شخص.
كما أرسل المركز قافلة بريّة تحمل 100 ألف سلة غذائية، تزن الواحدة منها 70 كيلوجرامًا وتحوي المواد الأساسية التي تلبي متطلبات الأسر الأكثر حاجة في المحافظات اليمنية في رمضان الماضي، وسبق ذلك توجيه خادم الحرمين لمكافحة وباء الكوليرا في اليمن بمبلغ 8.2 مليون دولار، كما وصلت طلائع الشحنات الدوائية المخصصة لعلاج وباء الكوليرا، المقدمة من "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" إلى عدن، في إطار الدعم الذي يقدّمه المركز للشعب اليمني في مختلف مجالات الحياة.