تتجه المملكة إلى ضبط الإنفاق العام، كمرحلة أولى، تليها مرحلة ثانية، يتم فيها خفض هذا الإنفاق للحد من عجز الموازنة، بحسب محلل اقتصادي يرى أنَّ المملكة "قادرة على إعادة الهيكلة الاقتصادية، والتغلب على الأزمة المالية التي تواجهها الآن، بسبب تراجع أسعار النفط بنحو يفوق 50 في المائة، مقارنة بأسعاره في يونيو من العام قبل الماضي"، مؤكداً أن هذا الدين العام للمملكة لن يكون عقبة أمام تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتنفيذ متطلبات رؤية 2030، بالبحث عن قطاعات استثمارية مساعدة لقطاع النفط.
وتتبع المملكة برامج اقتصادية تميل إلى التحفظ نوعاً ما في الإنفاق الحكومي، واقتصاره على مشاريع التنمية الضرورية والملحة، وتأجيل المشاريع التي يمكن تأجيلها، مع تخفيض بعض العلاوات والمميزات لموظفي الدولة، ورفع أسعار المحروقات ورسوم بعض الخدمات.
ويتزامن تنفيذ هذه البرامج مع نمو مفاجئ في ديون المملكة الداخلية والخارجية، التي قفزت نحو 136.6 مليار ريال في الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي (2016)، لتصل إلى 278.8 مليار ريال بنهاية أغسطس الماضي.
وكان إجمالي الدين العام للمملكة بلغ 142.2 مليار ريال بنهاية 2015. وأوضحت وزارة المالية قبل ساعات، أن من بين هذه الديون 236.3 مليار ريال ديوناً محلية للمؤسسات الحكومية المستقلة والبنوك التجارية، في حين بلغت الديون الخارجية 37.5 مليار ريال.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الميزة في ديون المملكة أن غالبيتها "محلية" بنسبة 86.3 في المائة، تعود لمؤسسات ومصارف محلية، فيما الديون الخارجية فقط 13.7 في المائة، مشيرين إلى أن هذه الميزة، ستكون عاملاً مساعداً أمام المنظومة الاقتصادية في المملكة، لتنفيذ أي برامج إصلاح اقتصادي، دون أي عوائق أو أزمات، كان من الممكن أن تحدث لو أن غالبية هذه الديون خارجية، تصاحبها العديد من الشروط والمتطلبات في عمليات السداد.
برامج الإصلاح
وطمأن المحلل الاقتصادي فضل البوعينين أن السياسة المالية للمملكة، التي أعلنت عنها في رؤية 2030، ستسفر عن الوصول إلى نقطة التوازن في الموازنة العامة للمملكة، مشيراً إلى أن العجز الحاصل في الميزان التجاري، مؤقت ولن يستمر كثيراً.
وقال: "ستستمر الحكومة في ضبط الإنفاق العام، ثم خفضه بشكل تدريجي للحد من عجز الموازنة، وبالتالي خفض حجم الاستدانة وبما يحد من تغذية الدين العام".
وتابع: "برغم ارتفاع الدين العام المفاجئ كنتيجة مباشرة لانخفاض الدخل وثبات الالتزامات المالية، إلا أنَّ ارتفاعه قد لا يشكل عائقاً أمام زيادة الإنفاق حين الحاجة لوجود الاحتياطيات الجيدة القادرة على توفير التمويل المناسب؛ غير أن نهج الحكومة بات يعتمد سياسة خفض الإنفاق تدريجياً حتى الوصول إلى نقطة التوازن، وسيساعد على ذلك تطبيق رؤية 2030، التي تميل إلى إيجاد مصادر دخل جديدة للمملكة بجانب النفط".
وعاد البوعينين للتأكيد على أهمية قطاع النفط، على الأقل في المدى القريب، وقال: "وزير الطاقة المهندس خالد الفالح توقع تحسن أسعار النفط، وإمكانية وصولها إلى 60 دولاراً بنهاية العام الحالي؛ ولو حدث ذلك، فسيسهم ذلك في زيادة الدخل في الربع الأخير من هذا العام، إضافة إلى ذلك فتحسن أسعار النفط ومحافظتها على متوسط 60 دولاراً العام المقبل، قد يسهم في تحقيق موازنة 2017 التوازن النسبي إذا ما وضعنا في الاعتبار الخفض الممنهج لحجم الإنفاق".
تأمين الاحتياجات
وقالت وزارة المالية إنها أنشأت مبادرة مكتب إدارة الدين العام، الذي وصفته بأنه أحد أهم مبادراتها، بهدف تأمين احتياجات البلاد من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة، على المدى القصير والمتوسط والبعيد، بحيث تكون المخاطر متوافقة مع السياسات المالية في المملكة، انطلاقاً من توجُّهات الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية والمالية، التي تضمنتها خطة التحول الوطني 2020 بهدف تطبيق وتحقيق رؤية المملكة 2030، وكجزء من إستراتيجية إدارة الدين في تطوير سوق أدوات الدين الحكومية بشقيه الأولي والثانوي.
وأضافت الوزارة بأنه "تقرَّر تسجيل وإدراج وتداول إصدارات الدين العام عبر منصة السوق المالية السعودية "تداول" بشكل تدريجي، حيث سيتم البدء بمرحلة التسجيل، ويعقب ذلك مرحلتا الإدراج والتداول".
وتشير إحصائية صادرة من وزارة المالية إلى قفزات الدين العام للمملكة. وتقول الإحصائية إن الديون المباشرة القائمة على الحكومة بلغت في 31 ديسمبر 2014، نحو 44,3 مليار ريال، جميعها ديون محلية، وتعادل 1.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للمملكة، وارتفعت هذه الديون في 31 ديسمبر 2015 إلى نحو 142,2 مليار ريال، جميعها ديون محلية، وتعادل 5.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للمملكة. بينما بلغت الديون المباشرة في 31 أغسطس الماضي 273,8 مليارات ريال.