المدارس الأهلية رفع مستمر في الرسوم، وتدنٍّ في المستوى.. والوزارة ملزمة بتشجيعها؛ لكي تجذب الطلبة والطالبات وأولياء أمورهم لتخفيف العبء عن المدارس الحكومية. يجب أن تعي الوزارة أن رفع الأسعار لن يجذب الطلبة، وخفض الأسعار لن يشجع المدارس الأهلية على التوسع.. والوزارة ملزمة بخفض تكاليف التعليم الحكومي. أما استهداف تطوير التعليم فنسأل الله المخرج. إذًا، ماذا علينا أن نعمل؟
كان عدد الطلبة والطالبات في "التعليم العام" مليونًا واحدًا قبل 40 عامًا، ثم تضاعف خلال 10 سنوات، أي قبل 30 عامًا، ومن ثم وصل إلى 4 ملايين عام 2000م، أي قبل 16 عامًا، ووصل عددهم الآن 5 ملايين طالب وطالبة. ويُتوقَّع أن يتضاعف العدد خلال 20 سنة تقريبًا.
إنفاقات "التعليم العام" هي الفاتورة الكبيرة والثقيلة على الدولة؛ إذ تصل سنويًّا إلى 200 مليار ريال. ومع الأسف، مستوى التعليم لا يصل للتطلعات؛ فأصبحت المشكلة اثنتَيْن؛ ولذلك تأمل الدولة بتحول بعض (إن لم يكن غالبية) الطلبة والطالبات إلى المدارس الأهلية المتطورة، ولكن غالبية المدارس الأهلية ليس لديها ما تقدم سوى رفع الرسوم المستمر؛ فتشترط رفع الرسوم كشرط أساسي للتوسُّع في المدارس. وهذا لا يشجع أولياء الأمور لتدريس أبنائهم وبناتهم في تلك المدارس الأهلية؛ ولذلك المشكلة باقية، ولن تكون المدارس الأهلية الشريك الاستراتيجي للدولة في تطوير التعليم وجذب نسب متزايدة من الطلبة والطالبات.
المدارس الأهلية، التي تحتضن 10 % من الطلبة والطالبات السعوديين، تعمد إلى اختيار المعلمين والمعلمات الأقل تكلفة، السعوديين وغير سعوديين. هذا بالطبع ينطبق على غالبية المدارس الأهلية، وليس جميعها. المهم أن الواقع الذي تصدم به الدولة هو أن رفع الرسوم يشجع على عدم التحول من المدارس الحكومية للمدارس الخاصة. ولا ننكر أن هناك مدارس أهلية متطورة ومتقدمة، ورسومها عالية، وهذا عدد قليل منها.
التوسع في التعليم في السعودية سيكون مكلفًا للغاية؛ ولذلك يجب التعاون بين "التعليم العام" وأولياء الأمور؛ إذ تخصص بعض المدارس (وليس كلها)؛ لتكون "مدارس أهلية ومتطورة وغير ربحية"، تستقطب أفضل المعلمين والمعلمات بمعايير عالية، ورواتب عالية، وتضع لهم برامج تطوير مستمر، وتحتضن معامل وآليات وبرامج تطوير، وفي المقابل تكون الدراسة برسوم التكلفة فقط؛ إذ يدفع أولياء الأمور منها تكلفة رواتب الكادر التعليمي وتشغيل المدارس، بينما توفر الوزارة المباني (بعض المدارس الحالية)، والدولة توفر الخدمات، كالكهرباء والمياه، برسوم رمزية.
عندما يكون في الفصل الواحد 25 طالبًا، وتكون رسوم الطالب أو الطالبة 12 ألف ريال سنويًّا، فإن إيرادات الرسوم للفصل الواحد 300 ألف ريال سنويًّا، وستكون كافية لراتب المعلم أو المعلمة شاملاً برامجه التدريبية والتطويرية بـ (180 ألف ريال سنويًّا، أي 15 ألف ريال شهريًّا)، والباقي (120 ألف ريال) سيكون كافيًا للإدارة والمعلم الاحتياطي الجزئي لكل فصل، وتشغيل معامل المدرسة وبرامجها التدريبية.. ويرجع الباقي لأولياء الأمور نهاية السنة.
طبعُا، نلاحظ هنا أهمية رفع راتب المعلم (15 ألف ريال شهريًّا مقارنة بـ5 آلاف ريال تدفعها غالبية المدارس الأهلية حاليًا). وهذه الحسبة فقط مثال، ولمجرد التوضيح.
طبعًا، البرامج يجب أن تكون متطورة، وتشمل التعليم العام والمهني واللغات والمهارات والمعامل، مع إبقاء وتطوير برامج اللغة العربية والدين والعلوم الإنسانية. وما لم تكُنْ هذه البرامج متطورة فإنها لن تكون جذابة لأولياء الأمور. والحديث في هذا المجال يطول، ولكن هذا ليس مجال ذكره، غير أننا نتفق أن يكون تعليمًا أجدى من الحكومي الحالي، وأجدى من غالبية المدارس الأهلية، وأيضًا يزيل العبء الثقيل عن فاتورة التعليم.
نحن نعلم جميعًا بأن الإنفاقات على التعليم العام ستكون عبئًا كبيرًا على ميزانية الدولة؛ فقد وصلت إلى نحو 200 مليار ريال، وستتخطاه كثيرًا في السنوات المقبلة.. ويجب أن نعلم أيضًا بأن المدارس الأهلية في الغالب ستكون في وضع الابتزاز؛ إذ ترفع من الرسوم سنويًّا بما يفوق 15 % و20 %، أو أنها لن تتوسع (وطبعًا هذا لن يكون جذابًا لأولياء الأمور فيكون مخيبًا لآمال الوزارة، ويزداد العبء على الميزانيات). فمتى ما نظرنا بتمعن سنعلم أن النموذج الحالي لن يصل للتطلعات؛ فليس هناك أفضل من (فك الاحتكار) لهذه المدارس، وفتح (مدارس أهلية غير ربحية)، يساهم أولياء الأمور برواتب المعلمين وتشغيل المدرسة، وتساهم الدولة في المبنى والخدمات الأساسية؛ فالإقبال سيكون كبيرًا من أولياء الأمور، وستخفف من الأعباء على المدارس الحكومية وفواتير تشغيلها ورواتب المعلمين.
يتبقى أن نعلم أن ثقة أولياء الأمور بهذه المدارس ومستوى المعلم والمعلمة والتعليم يجب أن تليق بالتطلعات، والتحول لها سيكون تدريجيًّا؛ وهذا يلزم تأسيس هيئة أو مركز لهذه المدارس، تعمل على آليات ومعايير المدارس، ورقابة التنفيذ والتشغيل وتحقيق أهداف تليق بتطلعات الجميع، وإلا سيكون مصير البرنامج الفشل. وفي الوقت نفسه لن يكون أمام المدارس الأهلية الحالية إلا أن تكون جذابة من حيث المستوى والتكلفة على أولياء الأمور؛ فتسهل عملية التحول من المدارس الحكومية إلى المدارس الأهلية، أو المدارس الأهلية غير الربحية.