غادر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن "إسماعيل ولد الشيخ" صنعاء بعد لقاءات عقدها مع طرفي الانقلاب لمناقشة خارطة السلام الجديدة التي أعلن عنها "ولد الشيخ" كحل سياسي للأزمة اليمنية.
وعلى رغم أن الخطة الأممية التي حملها "ولد الشيخ" وأطلق عليها وصف خارطة تحمل في مضمونها مكافأة من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للانقلابيين في اليمن على عدم اعترافهم بقرارات الشرعية الدولية وتجاوز كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة باليمن، إلا أن طرفي الانقلاب رفعوا سقف مطالبهم حين وجدوا الأمم المتحدة مذعنة لهم، وطرحوا اشتراطات إضافية على "ولد الشيخ".
مبعوثو الأمم المتحدة:
حقيقة الأمر أن خطة "ولد الشيح" شكلت منعطفًا سلبيًّا لأداء الأمم المتحدة في اليمن يضاف إلى سجل المبعوث السابق "جمال بن عمر" الذي كان متواجدًا في ضيافة زعيم حركة الحوثيين في صعدة حين كانت ميليشيات الحوثي تجتاح صنعاء وتسقط شرعيتها الوطنية والدولية كعضو في الأمم المتحدة.
"جمال بن عمر" مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى اليمن نفسه كان قد توج خدماته للميليشيات الحوثية بتشريع دخولها للعاصمة صنعاء عبر توقيعه وفرض التوقيع على أطراف العملية السياسية في اليمن على ما سمي حينها اتفاق السلم والشراكة، الذي كان أساسًا اتفاقًا تحت تهديد السلاح من قبل ميليشيات الحوثي والمخلوع.
ذلك الأمر لم ينسَهُ اليمنيون الذين يذكرون جيداً أن "ابن عمر" حين قدم إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن قائلًا: إنه كان أقرب إلى توقيع اتفاق بين الفرقاء في اليمن، غير أن إعلان الحرب من قبل التحالف أفشل ذلك المسعى. وهو يستجهل العالم؛ حيث كان "ابن عمر" قبل ذلك يزور زعيم الميليشيات في صعدة والرئيس "هادي" مسجون في بيته تحت الإقامة الجبرية من قبل جيش المخلوع وميليشيا الحوثي طرفي الانقلاب.
صورة الأمم المتحدة مرتبكة في اليمن؛ فلا هي نجحت في حماية مقرراتها ولا تمكنت من إنفاذ القرارات الصادرة عنها بشأن اليمن. وللتذكير نشير إلى أن مجلس الأمن أصدر 6 قرارات بشأن اليمن منذ العام 2011م، وجميعها تنص على تطبيع الأوضاع وحماية العملية الانتقالية التي أفرزتها المبادرة الخليجية؛ بل ذهبت القرارات الصادرة تحت البند السابع إلى فرض عقوبات على المخلوع صالح ونجله وعلى قيادات في ميليشيات الحوثي.
لقد أصدر مجلس الأمن منذ عام 2011م العديد من القرارات و2204م وصولًا إلى القرار 2216 في عام 2015م الذي عزز من مصداقية وقانونية عمليات التحالف العربي ضد الانقلابيين، وغالبية هذه القرارات صدرت تحت الفصل السابع.
ازدواجية وارتباك:
مضامين هذه القرارات أدانت ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح والجيش الموالي له بتعريض أمن واستقرار اليمن للخطر وعرقلة العملية السياسية القائمة على المبادرة الخليجية، وصولًا إلى إدانة الانقلاب والمطالبة بإنهائه وكل ما ترتب عليه خلال مدة لا تزيد على عشرة أيام.
غير أن المشكلة جاءت ممن ينتظر منه الحل؛ فالأمم المتحدة وقراراتها في اليمن، والصور التي ظهر بها مبعوثوها اتسمت بالازدواجية واللعب بمصير ومستقبل الشعب اليمني؛ حيث كانت القرارات تنص على معاقبة وإدانة المعرقلين والانقلابيين لكن مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة كان أداؤهم في الميدان يميل لصالح الانقلابيين.
على خط موازٍ تهاون مجلس الأمن مع عرقلة المخلوع للعملية السياسية في اليمن طيلة 3 أعوام على رغم القرارات التي يصدرها المجلس ضده وتركت مساحة كافية له ليتحرك وينفذ كل مؤامراته التي انتهت بالتحالف مع الحوثي والانقلاب على الشرعية.
نتائج كارثية
والنتيجة أنه بعد كل هذا الدمار والخراب وتجويع الشعب اليمني وإفراغ البنك المركزي من أموال الشعب ونهب سلاح الجيش من قبل ميليشيا وتشكيل ذراع إيرانية في المنطقة تشكل خطرًا على الأمن الإقليمي تعود الأمم المتحدة لتناقض نفسها وقراراتها ومقترحاتها في حوار جنيف وحوار الكويت، وتطرح خطة تحول الانقلابيين إلى شرعية وتمنحهم مزايا ونفوذًا كبيرًا وتطلب من الشرعية إقالة الرئيس الشرعي ونائبه ورئيس الحكومة.
المفارقة أيضًا أن الخطة الأممية لم تكتفِ بمكافأة الانقلابيين؛ بل ناقضت قرار مجلس الأمن الذي يطالب الميليشيات الانقلابية بالانسحاب من العاصمة والمدن التي سيطرت عليها وإعادة السلاح الذي تمت مصادرته. وتقول الخطة: إن على الانقلابيين أن ينسحبوا من 3 محافظات هي: صنعاء، وتعز، والحديدة. وبقية القضايا تضع الحكومة التي ستشكل من الطرفين حلولًا لها.
صدمة الشارع اليمني
طبعًا أصابت الخطة الأممية الشارع اليمني بالصدمة؛ حيث كان اليمنيون ينتظرون أن ينتقل مجلس الأمن إلى المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة وتطبيق قرار مجلس الأمن 2216 بالقوة العسكرية لإنهاء الانقلاب، غير أن ما خرج من الأمم المتحدة وعبر مبعوثها الخاص لليمن مثَّل لغمًا من شأنه تفخيخ السلم والأمن في اليمن مستقبلًا، كما قال رئيس الجمهورية "عبد ربه منصور هادي" في تعليقه أول من أمس الأحد على خطة "ولد الشيخ".
وكردة فعل خرجت محافظات اليمن إلى الشارع في تظاهرات تطالب الأمم المتحدة باحترام حق اليمنيين في استعادة دولتهم بالطرق التي اعتبروها شرعية، مستندين إلى مقررات الأمم المتحدة ذاتها، ورافضة أي استهداف لرأس الشرعية في اليمن متمثلة بالرئيس "هادي" ومؤسسة الرئاسة.
المشروع البريطاني
اللعبة اتسعت أكثر فلم يتوقف الحال عند الخطة الأممية وعبث المبعوث الأممي إلى اليمن؛ بل دخلت الدول الخمس الكبرى لتمارس دورها في العبث واللعب على تقاطعات المصالح والأطماع في المنطقة عبر مشروع قرار أعدته بريطانيا وتعتزم طرحه على مجلس الأمن يعتبر خطة "ولد الشيخ" مخرجًا وحلًّا للأزمة في اليمن، وينص على وقف عمليات التحالف العربي ضد الانقلابيين التي تستند إلى القرار 2216 الصادر من مجلس الأمن.
وبصدور مشروع القرار البريطاني يكون مجلس الأمن قد نسف قراراته السابقة كلها بقرار أخير يجعل اليمن مفتوحة على خيارات فوضوية تقود جميعُها إلى مستقبل مظلم.
مشروع القرار البريطاني يعتبر خارطة المبعوث الأممي أساسًا للتفاوض للوصول إلى حل سياسي، أي أن القرار يدعمها كأساس للمفاوضات وفي ذات الوقت يطلب من المبعوث أن يتعاطى مع الأطراف وفقًا للقرار الجديد. وهذا معناه انتهاء القرار 2216 الذي وفر الغطاء القانوني للعمل العسكري للتحالف ضد الانقلابيين.
عبث الأمم المتحدة باليمن استمر منذ العام 2011، ومنح المخربين مساحة كبيرة للتحرك دون عقوبات رادعة، وهاهو هذا العبث يتوج بفتح الباب أمام تسلط ميليشيا الانقلاب عبر منحها نفوذًا وحضورًا في الشأن العام وتوفير غطاء شرعي لهذه العصابة لتكمل مشروعها التخريبي والعدواني في اليمن والمنطقة.