هجرة السعوديين.. هل بدأت؟

هجرة السعوديين.. هل بدأت؟
تم النشر في

لا أظنني مضطرة لأسرد عبارات تنثال وطنية، وأصف واجبات انتماء بديهية، ولستُ بحاجة لأسطر حقوق الوطن المفترضة، أو حتى أعلن عشقي لترابه الفريد (ومازلت أعاني لهفتي له وأنا بين جنباته بعد غربتي الطويلة عنه!)، لكنني وأنا أتلقى بعض الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، وأحاديث بعض المحيطين من جهة أخرى، حول الفرص الوظيفية المتاحة في البلاد الأخرى، سواء المجاورة منها أو حتى البعيدة، أتساءل:

مَن يسعى للعيش في بيت الجيران ويترك منزله؟

وإن فعل، ما الذي جعله يقترف ذلك وهو في وطن، يُعتبر العيش فيه أحد أحلام كثير من مواطني دول عديدة؟ وطن ثري، وآمن، وبلاد الحرمين الشريفين؟

كما أتذكر آراء المهاجرين العرب، وتساؤلاتهم حول الفكرة ذاتها (هجرة السعوديين)، وقد كانوا وقتها يبدون استغرابهم؛ فالسعودي لا يهاجر، ولا يستقر في غير بلاده، وإن هاجر فهي هجرة مؤقتة حتى ينتهي سببها من دراسة أو عمل أو حتى علاج! ثم يعود راكضًا لوطنه، ولا يقوى على العيش خارجه، وهو وإن طالت غيبته لا بد عائد لحضن الأم/ الوطن.

ما أكثر ما قالوا: السعوديون لا يهاجرون مثلنا، وتبقى هجرتهم حالات فردية، وليست ظاهرة. نحن الآن توالدت منا أجيال وأجيال في الخارج، وفقد أبناؤنا ارتباطهم ببلداننا الأصلية، واكتسبوا لغة وطباع بلاد المهجر، وتزوجوا من غير مواطنيهم، وتقريبًا نسوا أصولهم تمامًا، وغدا الأمر ظاهرة، حتى البلدان التي لا تشهد توترًا أو فقرًا، يدعو مواطنيها لهجرتها، واقتلاع جذورهم منها، وغرسها في بلاد أخرى، قد تختلف تمامًا عن بلدانهم الأصلية في كل شيء حد التناقض (وما أصعب تقبُّل الطرفَيْن لبعضهما!).

كنت قد كتبتُ قصة قصيرة متخيلة عام 2009 تقريبًا بعنوان (عقد عمل في الخليج) لشاب سعودي، عانى البطالة رغم شهادته العالية وقتها، وعانى المحسوبية والواسطة في الوطن، ثم وجد فرصة عمل في دولة خليجية مع حسرته وحسرة والدته وهو يفترق عنها وعن وطنه، ويتحسر أكثر وهو يتذكر الجملة التي كانت تتردد في المسلسلات العربية (جملة الحلم الذي يجلب لهم السعادة والغنى)، ولم يتصور أن يقولها لا أن يعيشها، وقد حصل على (عقد عمل في الخليج)، فهل أصبحت تلك القصة المتخيلة حقيقة على غرار أفلام الخيال العلمي؟

وهل يمكننا أن نقول: بدأت هجرة السعوديين فعليًّا، خاصة مع تناقص الرواتب، وتزايد البطالة؟ لكن ماذا يفعل كل أولئك الأجانب في بلادنا إذن؟ وهي لا تزال مهوى أفئدة المتعطشين للرزق والعمل والحياة الكريمة! وهي بلاد الخير التي تسع الجميع، هكذا ستهاجر العقول والأموال والاستثمارات، وتظهر أخطار الهجرة التي يعانيها العرب والمسلمون في بلاد المهجر، خاصة الأجنبية منها، ويخسر الوطن على أية حال.

لا مجال للعتاب، ولا يحق لأي أحد الاعتراض، خاصة على أولئك الذين يبحثون عن مصدر رزق، وحياة كريمة، وفرص وظيفية أكثر، ورواتب أعلى.. وقد فعلها أجدادنا من قبل! لكن لا بد من دق ناقوس الخطر قبل أن تصبح ظاهرة، ويفقد الوطن ناسه الطيبين!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org