هدية ولي العهد تفند الأباطيل.. سجون المباحث تفتح أبوابها لأسر 114 نزيلاً نالوا شهادة جامعية

هدية ولي العهد تفند الأباطيل.. سجون المباحث تفتح أبوابها لأسر 114 نزيلاً نالوا شهادة جامعية

سابقة هي الأولى عالمياً في حفل شهد فرحة أمهات وتعهّد موقوفين وحضور المفتي وجامعة الإمام
تم النشر في

 برعاية كريمة وهدية من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية سمو الأمير محمد بن نايف، أقامت وزارة الداخلية، ممثلةً في المديرية العامة للمباحث، وبالشراكة مع جامعة الإمام محمد بن سعود بعمادة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بُعد، حفلاً فنّد الأقاويل التى تطول سجون المباحث العامة، وطريقة رعايتها للموقوفين أمنياً؛ حيث فتحت سجون المباحث أبوابها أمام أسر وأهالي 114 موقوفاً، حصلوا على الشهادة الجامعية في ثمانية تخصصات أكاديمية من أعرق الجامعات؛ ذلك في حفل يعدّ سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم.

حضر الحفل مفتي عام المملكة، عبدالعزيز آل الشيخ، ووزير التعليم الدكتور أحمد بن محمد العيسى، وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور سليمان عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود، ومدير عام المباحث الفريق أول عبدالعزيز محمد الهويرني، ونائب مدير عام المباحث العامة الفريق عبدالله القرني، وعدد من الوزراء والعلماء وكبار الضباط في القوات المسلحة، ووكلاء جامعة الامام والعمداء.

وفي التفاصيل، قال الموقوف "م.ش" نيابة عن زملائه الخريجين: نعاهد الله ثم نعاهدكم على أن نرد الجميل، من خلال ما تعلمناه في سبيل رفعة وطننا، والحفاظ على لحمته الوطنية بالالتفاف حول القيادة الرشيدة والبعد عن الأفكار المنحرفة التي لوثت بعض العقول.. وجرتهم لوحل التنكر والضلال، ونيابة عني وعن زملائي نشكر الحضور، ووالدنا المفتي؛ لتشريفهم بحضور حفلنا اليوم، الذي يعد بارقة أمل في طريق عودتنا ورجوعنا عما كنا عليه.

صححت الفكر

وأضاف الموقوف: وقت التخرج في الجامعة من أسعد اللحظات التي تمر على الطالب، ففيها يستقبل بها عمراً ملؤه العمل والمستقبل، وهو دليل صدق على اليد الحانية لولاة أمرنا، والتسهيلات الأكاديمية وتسهيل إجراءات القبول والتسجيل وتهيئة البيئة والمراجع وسبل الدراسة، فالدراسة زرعت بداخل كل موقوف الأمل، وصححت الفكر وجددت ثقتنا بأنفسنا.

فرحة الأمهات

هذا، ولم تغب فرحة الأمهات بتخريج أبنائهن وأزواجهن، حيث قالت والدة الموقوف "ب.م": ابني الذي ظننت يوماً أني فقدته، لم يدر في بالي مجرد التفكير أن يتخرج في تخصص الاقتصاد من جامعة عريقة وعالمية، فضلاً عن مشاركتي له في عرس تخرجه، فوالله إنها نعمة عظمى من الله عز وجل، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، كما أن الموافقة السامية من المقام السامي لاستكمال النزيل دراسته تعدّ من أنجع السبل لتصحيح مسار تفكيره، وبارقة أمل لأسرته، فلم أعتقد بأن هذا سيؤثر على ابني ويصحح مساره، ويكون بارقة أمل له، فأصبح أقوى وأكثر إقبالاً على الحياة.

وأضافت بلسان كل أم: أبنائي الخريجين، إن تشريف القيادة لحفلكم يضع على عاتقكم مسؤولية كبيرة، واستدراك ما حصل أصبح واجباً ضد كل من أراد بمقدرات هذا الوطن والوطن بسوء.

خير الخطائين التوابون

ويعد هذا الحفل سابقة هي الأولى من نوعها في حفل تخريج الدفعة الأولى من نزلاء سجن المباحث من طلاب الانتساب المطور بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي أقامته الجامعة بداخل سجن المباحث العامة في منطقة الحاير، بالرياض، وبحضور أهالي وأسر الموقوفين، وبتشريف من مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، ووزير التعليم الدكتور أحمد العيسى، والدكتور سليمان أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود، ومدير عام المباحث الفريق أول عبدالعزيز الهويرني، والفريق عبدالله القرني نائب مدير عام المباحث العامة.

وألقى فيها مفتي الديار كلمة موجهة للخريجين من النزلاء: الخطأ يقع من أي إنسان، ولكن خير الخطائين التوابون، فالخطأ يقع بناءً على جهل الإنسان وقلة إدراكه، ويجب أن يعي الشباب أن هناك من أعداء الشريعة وأنصار الشياطين من هم متربصون بأمن وأمان بلادنا ووحدتنا.

وطلب المفتي من الخريجين أن يكون العلم معرفة ووسيلة للعودة من الخطأ، وسلك طريق الصواب، وأن يتوبوا توبة نصوحاً، متطرقاً للدور الإصلاحي والتعليمي في المملكة، وأن يقارن كل مواطن بين ما يحصل في سجون العالم وما يحصل في سجوننا الإصلاحية من احترام لكرامة الإنسان والعمل على تطويره.

فيما أعلن مدير جامعة الإمام الدكتور سليمان أبا الخيل هدية ولي العهد الأمير محمد بن نايف للموقوفين، وهي إتاحة الفرصة أمامهم لإكمال الماجستير والدبلوم عن بُعد داخل الإصلاحيات، وقال: عندما تنظر لمسيرة هذه الدولة السنية المستمدة دستورها من كتاب الله وسنة نبيه ترى ما يسر خاطرك، وما يؤكد على العمل الجاد البناء، فالملك عبدالعزيز مؤسس هذا الكيان وموحده على أسس التوحيد جاء إلى هذا البلاد، وهي متفرقة متناحرة متدابرة متباغضة، وبفضل من الله وبما جاء به المؤسس أبدل الله خوفهم أمناً وجوعهم شبعاً، وتفرقهم وحدة شرعية وطنية.

وتابع بأنه يجب أن نعمل جميعاً على الطرح الأصيل المؤصل الذي يتوخى الموضوعية والاتزان؛ حتى يعلم فلذات الأكباد عن السهام المسمومة التي وجهت إليهم، ويجب أن نربي أبناءنا على القيم، فالأمر أصبح واجباً، فقد تواكبت الشرور علينا من الشمال والشرق والجنوب والغرب يريدون أن يصلوا إلى أفكار شبابنا حتى يصبح المجتمع فوضى.

مراكز متخصصة

كما أعلن "أبا الخيل" عن عزم الجامعة بالتعاون مع المباحث، فتح مراكز تعليمية متخصصة داخل السجن لكل مستفيد تتيح له تهيئة نفسه بكل الأساليب لتغذية مهاراته.

وشدد "أبا الخيل" على أن الحرب اليوم لم تعد كما في السابق حرب سلاح، فالحرب التي تستهدف شبابنا أصبحت حرباً إلكترونية وهي أعظم وأصعب من حرب السلاح؛ لأنها تلعب على وتر العاطفة والغيرة التي إذا استطاع الحاقد صاحب الهدف أن يصل إلى تلك المؤثرات نجح في استدراج أبنائنا وشبابنا.

حوافز تشجيعية

فيما أضاف مدير مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة اللواء الدكتور ناصر بن محيا المطيري أن المباحث وضعت الحوافز التي تشجّع النزلاء وفق مبدأ التكامل، وقد ساهمت تلك الجهود في إلحاق أكثر من 1080 منتسباً في مختلف المراحل التعليمية، إذ بلغ عدد منتسبي البكالوريوس منهم 789 طالب، كما توالت جامعة الإمام بالشراكة مع وزارة الداخلية بأنشطتها المؤثرة لتثبت دورها الرائد، فالعلم يصنع للإنسان النجاح والمجد.

من جهته، أضاف عميد التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد الأستاذ الدكتور عبدالعزيز العامر أن التعليم يعدّ ركيزة أساسية في صقل وإصلاح وتأهيل الأفراد، فقد بادرت الجامعة ممثلة بعمادة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد بالتعاون مع وزارة الداخلية ممثلةً بالمديرية العامة للمباحث والمديرية العامة للسجون بعمل شراكة استراتيجية تحقق رؤية ولاة أمرنا، يحفظهم الله.

وتوّجت تلك الجهود بإنشاء العديد من مراكز الاختبارات في السجون لتسهيل إجراءات التحاق نزلائها ببرنامج الانتساب المطور بمرحلة البكالوريوس، إيماناً بدور التعليم في التوعية بأسس الشريعة السمحة وتعديل السلوكيات والأفكار المنحرفة.

استصلاح السجين

وقال: لا شك بأن نزلاء السجون من أحوج فئات المجتمع إلى التعلم والمعرفة والإصلاح ومحاربة الجهل والغفلة وانحسار الثقافة والعلم، ليتم إعادة دمجهم بالمجتمع علمياً واجتماعياً ومهنياً، بعد خروجهم من السجن، وذلك تجسيداً لتحقيق الغاية من السجن، وهي استصلاح السجين وتقويم انحرافه وتعديل سلوكه وحاجة المجتمع إليه إنساناً صالحاً.

كما أشار إلى أن ما تقوم به الجامعة من خلال تأثير مناهجها السمحة التي تحمل بمضامينها العقيدة الوسطية السليمة، وتلبية احتياجات ومتطلبات سوق العمل، ليتمكن النزلاء من ممارسة حياتهم، أفراد أسوياء بعد انقضاء فترة محكوميتهم، وهو تجسيد لعراقتها وديدنها في تقويم سلوك الفرد في المملكة العربية السعودية.

فرحة الخريجين

في الجانب الآخر، كان للنزلاء الخريجين موقف وكلمة من تلك السابقة التي تجاوزت فرحتها كل من حضر وبارك ذلك الحفل، فيقول الموقوف "ف.غ.ع" الحاصل على درجة البكالوريوس في الشريعة: يعد هذا ثاني بكالوريوس حصلت عليه، فبعد إيقافي ومساعدة القائمين بالسجن قررت استغلال وقتي والتسلح بالعلم، ففي السابق كنت أحمل بكالوريوس في أصول الدين، وقررت إكمال تعليمي في ذات المسار في تخصص الشريعة، ولله الحمد أتممت حلمي، واشتعلت بداخلي مجدداً بادرة الأمل في أن أكون عنصراً فاعلاً ومثمراً.

واتفق معه النزيل "ت.م.ي" الحاصل على درجة البكالوريوس في الشريعة وقال: قبل إيقافي كنت أحمل الشهادة الثانوية، ولم يكن لديّ النية في إكمال تعليمي، لكن ما أن دخلت السجن، راودتني فكرة إكمال تعليمي، ولله الحمد وجدت تجاوباً كبيراً وتسهيلاً من قبل الجامعة وإدارة السجن، والطموح اتقد مجدداً لإكمال دراساتي العليا وإدراك ما فاتني.

ولم تغب الفرحة عن الموقوف "ي.ع.ع" الحاصل على بكالوريوس الشريعة الذي حصل على دبلوم التقنية قبل إيقافه، وبعد أن رأى تغير همم زملائه وفكرهم بعد الدراسة قرر خوض التجربة، وإكمال مؤهله الأكاديمي، مقراً بأن طموحه وأحلامه وأيامه اختلفت بعد كل عام كان يدرسه ويتعلمه.

وفي ذات السياق قال الخريج "م.ن.ع" الحاصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال: كان طموحي قبل انخراطي بالفكر وإيقافي أن أكون مصرفياً، وأن أعمل في المجال المالي، ولكن غابت تلك الأحلام حتى تم إيقافي لتعاودني مجدداً، وفعلاً أكملت دراستي وأطمح كثيراً في إكمال الدراسات العليا، والاستزادة من العلم والعمل والطموح.

وفضّل الموقوف "م.ث.ق" التخصص في الإعلام، مؤكداً أنه ينوي أن يكون صاحب رسالة وهدف، وأن يؤثر في عقل كل شاب غرر به، وأن يحمي البقية من خلال تجربته التي سرقته من أحضان أسرته وأحلامه، فبعد أن دخل السجن وهو يحمل مؤهل الثانوية العامة، استجاب لطلب والدته وشقيقه بإكمال تعليمه فاستجاب، وأصبحت هذه المرحلة نقطة تحول في حياته.

هذا، وهناك الكثير والكثير من القصص التي تؤكد حرص الدولة والقيادة الرشيدة لصلاح الضالين من أبنائها، وإعادتهم إلى طريق الحق، وتأهيلهم وتسليحهم نفسياً واجتماعياً وأكاديمياً وعملياً من خلال عشرات البرامج التي تحتضنها سجون المديرية العامة للمباحث، بالشراكة مع العديد من القطاعات.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org