يُفاجَأ الكثيرون منا بسؤال محرج، قد لا يستطيع الجواب عنه.. فقد يخرج أحدنا من بوابة العمارة التي يسكنها، ويقابل شخصًا ما، فيبادره بالتحية، ثم يسأله عن شقة (فلان)، يقصد أحد جيرانه؛ فيمتقع وجهه خجلاً؛ لأنه لا يستطيع الإجابة عن سؤاله؛ فيعمد إلى الخروج من الموقف بكذبة بيضاء - رغم أن الكذب لا يوجد فيه أبيض ولا أسود؛ فجميعه كذب - فيدَّعي أنه مجرد زائر مثله؛ ليخلص نفسه من الموقف المحرج الذي وُضع فيه.
إننا أمام مشكلة كبيرة؛ فمعظم سكان العمائر، خاصة في المدن الكبيرة، لا يعرف بعضهم بعضًا، بل إنهم قد يتقابلون داخل المبنى وخارجه فلا يلقي بعضهم السلام على الآخر، فضلاً عن أن يتعرف عليه.. وتناسى الجميع حقوق الجار التي أوصانا بها ديننا الحنيف. قال تعالى { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}. وكما جاء عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، ووصيته - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - حين قال: "يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك". والأدلة من الكتاب والسُّنة كثيرة؛ لا يتسع المجال لذكرها.
لقد كان الجيران في الماضي القريب يحرصون كل الحرص على جيرانهم؛ فإذا مرض أحدهم زاروه، وإذا فرح أو حزن شاركوه فرحه أو حزنه، وإذا كان فقيرًا أطعموه وكسوه، وإذا تعرَّض لأي أذى وقفوا إلى جانبه حتى تنتهي مأساته. وقد كانوا يحرصون على تربية أبناء جيرانهم كحرصهم على أبنائهم، فيقوِّمون المعوج، وينصحون الضال، ويشيدون بالمتميز، بل إن العقاب قد يصل إلى التأديب بالضرب، حتى أصبح كبار السن لهم مهابة وتقدير عند الصغار.
أما اليوم فقد تغيَّر الحال، وأصبح إنكار المنكر تجنيًا على حياة الآخرين، وتدخُّلاً في حرياتهم.. فما يقوم به الأطفال الصغار، ومنهم من هم في سن المراهقة، من تجاوزات لا يستطيع أي شخص انتقادها، وإلا فإنه سيناله من السباب والشتائم، ويتمنى لو أنه سكت؛ فلم يعد للاحترام موقع، ولم يعد للتقدير مكان؛ فأصبحت تربية الأطفال صعبة، والمجتمع يعيش في دوامة، والتفكك الأسري غزا معظم البيوت، وأصبحنا نسير إلى المجهول إلا إذا شملنا الله برحمته.
إننا في حاجة إلى التوعية بحقوق الجار عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي المساجد ومدارس التعليم والجامعات.. ونتمنى أن يكون هناك (يوم للجار)، كالأيام التي تُنفَّذ كل عام؛ حتى تعود للجار أهميته وتقديره.