هيئة الأمم المتحدة بعد 71 عاماً.. العالم يزداد اضطراباً وقلقاً

سيطرة دول الفيتو تهضم العدالة.. وخطط المستقبل أكثر غموضاً
هيئة الأمم المتحدة بعد 71 عاماً.. العالم يزداد اضطراباً وقلقاً
تم النشر في

مع مرور أكثر من 70 عاماً، تُواجه المنظمة الأممية العالمية المزيد من الانتقادات ونقمة العديد من دول العالم النامي؛ خصوصاً بعد تنامي مناطق الصرعات في العالم، وسيطرة القوى الكبرى على مقدرات الشعوب الضعيفة، وصعود أسهم الإرهاب، وفشل الأمم المتحدة في توحيد القوى العالمية في مواجهة مهددات مستقبل الكوكب على العديد من المسارات.

خلال العقد الأخير من السنوات تحديداً، كشفت أزمات وقضايا الشرق الأوسط عن ضعف هيئة الأمم المتحدة وعدم قدرتها على التدخل لحل هذه الأزمات وفق ميثاقها ومبدأ الحق والعدالة وموجبات تأسيسها كهيئة ناظمة لعلاقات دول وشعوب العالم.

على سبيل المثال لا الحصر -وخصوصاً في القضايا ذات التاريخ الطويل- أظهرت طريقة تعامل الأمم المتحدة مع قضية الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين العربية، وبعد ذلك قضايا سوريا واليمن وليبيا؛ أن الهيئة الأممية -عبر ذراعها العسكري المتمثل في مجلس الأمن- تحولت إلى أداة لتمرير وإدارة مصالح الدول الكبرى التي تستخدم حقها الحصري بالفيتو لحماية وإدارة هذه المصالح.

ولا يقتصر ضعف الموقف الأممي العملي على عدم إصدار القرارات في القضايا التي تتطلب ذلك؛ بل إنه حتى لو صدرت هذه القرارات بشأن حالات معينة كما في الشأن الفلسطيني؛ فإن هذه القرارات تبقى مجرد مرجعيات يستند إليها أصحاب الحق عند المطالبة بحقوقهم.

وإذا كانت الأمم المتحدة قد أصدرت منذ عام 1948 وإلى سبتمبر 2009م أكثر من 38 قراراً من مجلس الأمن وعشرات البيانات وقرارات الجمعية العامة؛ فإن الجانب الإسرائيلي لم ينفّذ قراراً واحداً من هذه القرارات؛ باستثناء قرار تقسيم فلسطين الشهير والذي تجاوزته إسرائيل إلى أخذ أراضٍ كبيرة من تلك التي احتسبها القرار للشعب الفلسطيني.

الدول العربية وقضاياها تحديداً

وقفت الدول الكبرى صاحبة الفيتو في وجه كل المطالب الدولية والعربية والإسلامية بإنهاء احتلال إسرائيل لأرض شعب فلسطين، ومثّلت قيادة الولايات المتحدة وبريطانيا الحارس الأمين لكل أطماع وجرائم وعبث الاحتلال بحق الشعب العربي المسلم في فلسطين.

من جانب آخر تتفاوت العدمية الأممية من قضايا المنطقة والإقليم، وتأخذ أوجهاً متعددة تخدم توجهات ومصالح دول الفيتو ومصالحها؛ حيث لم يتمكن مجلس الأمن من تمرير قرار ينتصر للشعب السوري الذي يعاني الموت والتنكيل بأبشع صوره على أيدي نظام المجرم بشار الأسد؛ حيث كانت روسيا تقف بالفيتو الصادم لإحباط هذه القرارات.

وكان أول فيتو روسي صيني مزدوج بتاريخ 4 أكتوبر 2011 في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار غربي متعلق بالأزمة السورية، لَحِقَه فيتو آخر في 4 فبراير 2012 ضد مشروع قرار عربي أوروبي، يدعم خطة للجامعة العربية تطالب بتغيير النظام السوري، إضافة إلى فيتو صيني روسي ثالث في 19 يوليو 2012 للمرة الثالثة منذ بدء الأزمة السورية؛ وذلك ضد مشروع قرار غربي يهدد بفرض عقوبات على سوريا تحت الفصل السابع.

وعاد الفيتو الروسي الصيني الرابع ليخنق كل محاولات إسناد الشعب السوري ولو بنص قرار، وكان الفيتو الرابع في 23 مايو 2014؛ وذلك ضد مشروع قرار ينص على إحالة ملف الجرائم المرتكبة في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وبعد أن دخلت روسيا كطرف مساند لنظام بشار الأسد ضد تطلعات الشعب السوري؛ وذلك بمشاركة الأسد عملياته العسكرية الإجرامية في الداخل السوري؛ تحوّلت روسيا من استخدام الفيتو لحماية حليفها الأسد، إلى حماية قواتها في سوريا عبر إحباط مندوب روسيا -الشهر الماضي- مشروعَ قرار تَقَدّمت به فرنسا حول حلب في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف القتال والغارات الجوية على المدينة، كما يدعو إلى هدنة ووصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق في سوريا.

لقد كان من المخجل جداً ألا تتمكن الأمم المتحدة من تمرير مساعدات إنسانية للمحاصرين في حلب؛ الأمر الذي جعل الهيئة الأممية أشبه بمنظمة إنسانية مهمتها فقط إصدار بيانات إدانة لجرائم ضد الإنسانية.

واذا كانت الأمم المتحدة قد أُنشئت لتنظيم العلاقات الدولية وإعلاء قيم العدالة والحرية؛ فإن فقدانها للقدرة على تطبيق ميثاقها وحماية البشرية من تسلط وتلاعب دول النفوذ بالقضايا ومصائر الأبرياء؛ فإن الحاجة للجوء للهيئة الأممية لم يعد له جدوى في الوقت الراهن من منظور منطقي وعادل.

إذن السؤال: كيف يمكن الاعتماد على منظمة أممية تُدار من قِبَل 5 قوى رئيسية في العالم، لا تقيم وزناً لمظالم الشعوب وإرهاب الأنظمة الدكتاتورية فقط؛ لارتباط هذه الأنظمة بعلاقات ومصالح مع هذه الدول المهيمنة.

لم يعد ضَعف الأمم المتحدة وفشلها في احتواء وحل النزاعات هو وحده ما يمكن أخذه على أدائها؛ بل وصل الحال إلى أن تتناقض مقررات هذه الهيئة في القضية الواحدة، ويكون لها أكثر من موقف بل وقرار، كما هو حاصل للوضع في اليمن وانقلاب المليشيات والمخلوع على شرعية رئيس وحكومة وصلت بدعم وإسناد أممي؛ بل بتنظيم أممي طيلة 4 أعوام.

تناقض الأمم المتحدة وتوجهاتها تَجَدّد وما زال يظهر في الأزمة اليمنية بشكل أثار استغراب المتابع العادي وليس فقط صناع السياسة وخبراء القانون.

لقد تحولت الأمم المتحدة إلى مِعول لهدم تطلعات الشعوب في الشرق الأوسط وانحياز الخمسة الكبار لمصالحهم المتقاطعة على رصيف انتهازية المعايير والتوجهات، وها هي تكتب فصلاً مختلفاً من كتاب العبث العالمي الجديد بمستقبل وأمن واستقرار الشعوب.

هل ستكتب الأمم المتحدة تاريخاً جديداً بعد هذه العقود السبعة وتجدد ثقة العالم فيها؟ أم تبقى مسرحاً لإدارة مصالح الأقوياء؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة. 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org