المواقف تُبنى بطرق عدة؛ فبعض الناس يبني موقفه من مستجدات الأمور بطريقة صحيحة، بل مثالية؛ فتجده قبل أن يحكم على الشيء يعرضه للفحص، والتدقيق، والتمحيص.. ويعرضه على العقل بعيدًا عن العاطفة.. لذلك تجد حكمه على الأشياء قمة العقل، والحق، والمنطق.. أما البعض الآخر فتجده عكس ذلك تمامًا؛ فتجده بمجرد طرح أي جديد يقف منه موقف المعارض.. الرافض.. الراد له.. بل المعادي في بعض الأحيان.. دون أن يكلف نفسه معرفة هذا الجديد أو الإبحار في تفاصيله.. فتجد حكمه ممسوخًا.. مشوهًا.. بعيدًا عن الحق، والحكمة..! لأنه نابع من هوى أو من عاطفة بعيدًا عن العقل..!!
وهناك صنف ثالث، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، بل يسيره هواه، وتسيره مصلحته؛ فإن كانت مع هؤلاء أيَّدهم.. وإن كانت مع أولئك ناصرهم..!!
ما قادنا لهذه المقدمة الطويلة الموقف الذي تشكل من "هيئة الترفيه".. فبمجرد أن أُعلنت في "#رؤية_2030" تشكل موقف الناس منها على تلك المواقف الثلاثة التي ذكرناها في المقدمة.. بين مؤيد لها، طَارَ فرحًا بتشكيلها، ومعارض سل سيوفه، وأشرع أسلحته، وبدأ حربه ضدها.. وبقي الثالث في زاويته يترقب، تارة يخرج رأسه، وتارة يتوارى عن الأنظار..!!! ولم يقف الأمر عند ذلك، بل إن كل فريق منهم أطلق العنان لخياله.. بل لأمانيه.. ومكامن نفسه.. وبدأ يفصل ويشرح ويحلل ويقرر أعمال هذه الهيئة وقراراتها.. بل زاد على ذلك بأن أطلق أحكامه عليها؛ فبدأ يصرح بأنها تريد لهذا المجتمع أن يخرج من عباءة الدين وجلباب العادات والتقاليد والممنوع والمسموح.. وراح يروج بأنها بداية الانفتاح غير المنضبط.. وغير ذلك من المخالفات الشرعية؛ لذلك شرع في حربها..!!!
أما البعض الآخر فطار بذلك فرحًا ظنًّا منه أنها ستحقق له ما يدور في خلجات صدره من نشر للفساد، وخروج على تعاليم ديننا الحنيف.. وخروج على عاداتنا وتقاليدنا العريقة التي تميز بها هذا المجتمع، وأنها ستكسر كل سياج للفضيلة كان يقف سدًّا منيعًا في وجه خرابه ودماره وفساده الذي يريد نشره بيننا متناسيًا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النور (19).
ولهؤلاء جميعًا نقول: إن هذه الهيئة ما زالت مولودًا.. فلا تهودانه أو تنصرانه أو تمجسانه..!! ودعوه على فطرته.. وما زال مولودًا لم تظهر قوانينه وأنظمته وتشريعاته..!! فإلى ذلك الحين اصبروا..!!
هذه أحكام الفريق الثاني الذي ترك لعاطفته الحكم، ولهواه تأكيده ومصادقته..!!
بقي أن نشير إلى الفريق الأول صاحب العقل والتروي.. فنجده ما زال ينتظر تشكيل هذه الهيئة، وصدور أنظمتها، وتشريعاتها، وقوانينها.. ثم عملها ومدى التزامها بما شرعت.. ثم يحكم عليها.. فإما أن تجيد فتُشكر.. أو تحيد فتُقهر..
ولكل هؤلاء نقول: لا تنسوا أن "الرؤية" نصت في بنودها بل في أول هذه البنود على الآتي: "يمثل الإسلام ومبادئه منهج حياة لنا، وهو مرجعنا في كل أنظمتنا وقراراتنا وتوجهاتنا...". جاء ذلك في .. "مجتمع حيوي.. قيمه راسخة.. نحيا وفق مبادئنا الإسلامية".. وذكرت أيضًا في (ندعم الثقافة والترفيه) أنها أطلقت برنامج "داعم" الذي يوفر "وسائل ترفيه هادفة للمواطنين".
وهذا ما يجب أن يعيه معالي رئيس هذه الهيئة، وأن يضعه نصب عينيه في كل خطوة يخطوها.. بدءًا من اختيار الأعضاء إلى سَن الأنظمة والقوانين إلى تطبيقها على أرض الواقع.. فلا يخرج عن هذا المبدأ قيد أنملة.. وعليه أن يعي أن هيئة الترفيه تحت المجهر، وأنه وبقية الأعضاء على المحك.. فإما أن يلتزموا بما جاء في "الرؤية" أو سيجدون من الأغلبية كل موقف حازم.. وأننا كما دافعنا عن هذه الهيئة وطالبنا المجتمع بإعطائها الفرصة كي تعمل لن نسكت عن أي خروج عن هذه الثوابت التي نعتز بها، والتي نصت عليها الرؤية.. بل سنعريه ونوضحه للناس، ونبيِّنه لهم، وننقده، ونقف ضده.