قبل نحو خمس سنوات، وعدت "رؤية 2030" بإعادة اكتشاف إمكانات السعودية، وإعادة توظيفها واستثمارها بالشكل المطلوب، بما يخدم الاقتصاد السعودي، ويصل به إلى أبعد نقطة من التألق والازدهار الذي تعهد به سمو ولي الأمير محمد بن سلمان.
ومن بين المجالات التي اهتمت بها الرؤية، وأولتها عناية خاصة، الاكتشافات الأثرية في ربوع المملكة، حيث اعتمدت هذه الاكتشافات على الإرث الثقافي والتاريخي للمملكة، الذي تختزنه أرض الجزيرة العربية من كنوز أثرية لا حدود لها، ترجع إلى كل عصور قديمة.
وترجع اهتمامات المملكة بالآثار القديمة، إلى اهتمامها البالغ بقطاع السياحة والترفيه الذي كانت ترى أنه لم يحظ بالقدر الكافي من الاهتمام الرسمي في سنوات مضت، وجاء الوقت لينال المزيد من الاهتمام، واكتشاف الآثار القادرة على إنعاش قطاع السياحة، وجذب السياح من كل حدب وصوب لرؤية هذه الآثار، والتعرف على تاريخ المملكة.
ومنذ أن منحت رؤية المملكة الضوء الأخضر لتعزيز قطاع الآثار والسياحة في البلاد، وهيئة التراث تحرص على اكتشاف الآثار المدفونة تحت الرمال في المواقع التاريخية القديمة، ومن وقت إلى آخر، تعلن الهيئة عن آخر تلك الاكتشافات، بعضها كان له أصداء عالمية لأهميتها على خريطة الآثار الدولية.
ومنذ إعلان الرؤية وحتى اليوم، وهيئة التراث كانت تفاجئنا بالإعلان وبشكل مستمر باكتشافاتها الأثرية في مناطق المملكة، من منطلق مسؤوليتها لخدمة التراث الوطني، وإبرازه والاحتفاء به.
ويمكن التشديد على أن الهيئة نجحت في تعزيز التواصل الفعّال مع المجتمع، وبشكل خاص مع المهتمين بالكشوفات الأثرية من أفراد ومؤسسات، وشكلت هذه الاكتشافات اليوم ثروة قومية هائلة، ستضع المملكة على أعتاب مرحلة جديدة من التاريخ السياحي والأثري في البلاد.
ويتفق خبراء ومتابعون على أن الاكتشافات الأثرية الحديثة والمتتابعة التي تعلن عنها المملكة فترة بعد أخرى، في شمال المملكة تحديدًا، تعد دليلاً قويًا على عمق تاريخ الجزيرة العربية الضارب بجذوره في أعماق التاريخ الإنساني، يضاف إلى ذلك دور الجزيرة البارز في تعزيز الحضارة الإنسانية، إذ أظهرت هذه الاكتشافات وجود دلائل لهجرات بشرية مبكرة من قارة إفريقيا إلى الجزيرة العربية، بدأت قبل نحو400 ألف سنة، وتكررت على مراحل زمنية متعددة، كأطول سجل حضاري للوجود البشري المبكر في الجزيرة العربية.
ولم تأتِ تلك الاكتشافات من فراغ، أو محض مصادفة، وإنما هي نتاج جهود نوعية، بذلتها البعثة السعودية الدولية والتي يشارك فيها اختصاصيون من هيئة التراث ومعهد ماكس بلانك بألمانيا، وجامعة الملك سعود بالإضافة إلى عددٍ من الجامعات والمراكز العالمية المتميزة، كل هذه الجهات بذلت جهدًا نوعيًا، كل في مجال تخصصه، إلى أن تحققت الآمال والطموحات المرجوة في زيادة اكتشافات الآثار السعودية.